متفكرة بصغيرها الذي مات بالحصبة ولم يبق لها سوى ولدها الأعرج يونس قالت في سرها : لم تكن الّا مشيئتك يارب وغيوم سود تعلو مقلتيها نام يونس تلك الليلة وحلم احلامًا مزعجة راى نفسه على حافة بئر لا قرار لها وكما لونه يركض حافياً ورجال حاملين مدي يلاحقونه وصوته يرتد اليه ضعيفًا واهنًا .
2 –
عند الصباح بانت الشمس من وراء الأُفق مثل كرة ملتهبة تلقي بشعاعها على قمم الجبال وسفوحها وعلى الوديان والحقول أفاق يونس من نومه ارتدى بنطاله المهتريء متابطًا صرة ملاى بالخبز والجبن ساق يونس نعاجه شطر واد خصيب حيث العشب والماء . أطلق صفيرًا مهلهلاً سالكًا طريق الوادي هناك جلس على صخرة كبيرة مسننة اعتاد الجلوس عليها شارد الذهن ونعاجه تلتهم العشب وترتوي من ماء الينبوع ومن ثم نهض وسار صوب السفح باحثًا عن صغار الحجول عثر يونس على عش حجل ها قال يونس فرحا ثلاث بيضات وثلاثة فراخ حاول الإمساك بها لكنها نطت بصورة مذهلة مختبئة بين الأعشاب والحجارة المتناثرة هنا وهناك فتش يونس عنها حد التعب ولكن دونما جدوى وضع يونس بيضات الحجل في كيس وقفل عائدًا إلى بيته، وضع البضات الثلاث تحت دجاجة من دجاجاته ففقست عن فراخ صغيرة جميلة فرح يونس بها فرحا كبيراً كفرح طفل بدميته اطعمها الحشرات وسقاها الماء إلى أن كبرت ونما لها ريش واحنحة كان يونس يأمل بتدجينها لكن ذات صباح طارت الفراخ الثلاثة صوب الجبل ولم تعد اليه البته حينذاك حزن يونس وكسا وجهه الوجوم تذكر ما كان يقوله له جده قبل مماته لا تتعب نفسك ياولدي فمن الصعب جدًا تتدجين صغار الحجول .
3 –
كان يونس بارعًا في تقليد صفير ذكور الحجول واناثها
طو طو طو طو – جو جو جو
فتذكر يونس أيام مرافقته لجده وهو ذاهب لصيد الحجول في أيام الشتاء الباردة حيث الثلج يتساقط بغزارة كان الجد ينصب فخاخه بعدما يغطي طبقات الثلج بطبقة من التبن المخلوط بحبات الشعير مختبئا خلف صخرة مدخنا غليونه بانتشاء يرقب اسراب الحجول وهي تحط بالقرب من فخاخه مطلقة صفيرها المعهود – طو طو جو جو فمنذ ذلك الوقت احب يونس الحجول حبا جما .
4 –
حاولت ام يونس الخالة حسينة جهد مقدرتها اقناع يونس للذهاب إلى المدرسة فلم تفلح وفي كل صباح كان يونس يحمل كتبه مغادراً لكنه لم يكن ليذهب إلى المدرسة بل كان يسلك طريق الجبل حيث الخضرة والطيور قاضيًا نهاره في البحث عن أعشاش الطيور واللحاق بصغار الحجول لا صطيادها حتى أن اقرانه كانوا يظنون بانه يفهم لغة الطيور فيحاكيها وذات صباح قال يونس لامه علانية أنه لا يرغب بالذهاب إلى المدرسة .
5 –
كبر يونس وكان كل صباح يسوق نعاجه إلى المرعى عند سفح الجبل جالساً عل صخرته المفضلة عازفاً على نايه انغاماً حزينة وهو يرعى نعاجه كانت به رغبة عارمة أن يصطاد حجلاً وقرب شجرة بلوط شائخة مد يونس يده في عش حجل فصرخ صراخاً مراً قاسيًا فهم راكضًا باتجاه بيته كانت أُمه جالسة أمام منزلها ومغزلها بين يديها وما أن سمعت صراح ابنها يونس استوت واقفة قائلة هدأ هدأ من روعك يابني ما الأمر أجابها يونس بشفاه مرتجفة مشيراً موضع الجرح وأردف اسرعي اسرعي يا أُماه وناد على العم جارنا العم يوسف إنها لدغة افعى هرولت أُم يونس مسرعة فجاء العم مسرعًا وشرع يصفد الدم من كف يونس بشفرة فسال الدم احمراً قاتما ومن ثم وضع على الجرح شيئا ما يشبه العجين في تلك اللحظة اعترت جسد يونس رعشة وحمى القته طريح الفراش هكذا مات يونس الأعرج أما أنا فنمت تلك الليلة حزيناً ومقلتاي مسكونتان بالحزن والكابة .