على باب الله – 11/ في أخلاق المهنة

2020-01-23

لكل مهنة أخلاقها المكتوبة وغير المكتوبة، فللمعلمين والأطباء والمحامين والإعلاميين والسوّاق والحوَذة أخلاقهم المتعارف عليها والتي لا يحيدون عنها ما وسعهم الحال، هذان الأخيران ممن ذكرت لهم أعرافهم في التعامل مع الراكبين ومع بعضهم، فإذا وجد السائق أو الحوذي سيارة لزميل له عاطلة، يتوقف لمساعدته أو لينقل بعض ركابه المستعجلين ..

أقول هذا هو ما شاهدته من شجار بين مقدم برنامج هو د. نبيل جاسم وضيفه الفريق الركن عبد الكريم خلف الناطق الرسمي للقوات المسلحة العراقية.. ولا شك بأن ماشجر بينهما أمر مؤسف للغاية وفضيحة لمستوى الإعلام العراقي المتهاوي ليتهاوى إلى الحضيض وكأنه أصبح من المألوف أن يكون كل شيء يخص العراق يأتي في أسفل القائمة ! لا أتابع القنوات العراقية ولا ندواتها ولا مذيعاتها ولا مذيعيها لكثرة الأخطاء اللغوية ولسوء التقديم ولسطحية التحليل إلا القليل النادر..

لكنني رجعت إلى الحوار على قناة دجلة بناء على ما كتبه أستاذ الإعلام الدكتور المقدادي الذي وصف تلميذه بالمجتهد والذي تحصل على الدكتوراه بكفاءة وإن لام الطرفين! وهنا أختلف مع هذا الأستاذ ومع كل من وقف الى جانب الإعلامي نبيل جاسم، لأسباب تتعلق بالكفاءة المهنية وأخلاق المهنة! ولا أستثني الفريق الركن من الخطأ.. وأنا لا أعرف الأثنين بل شاهدت الإعلامي المذكور أول مرة !

من أصول الضيافة في الإعلام المسموع أو المرئي ألا تكون مفاجئة للضيوف بل يبلغون عن نقاط الحوار أو الأسئلة لكي يتهيأ الضيف ويجلب الوثائق المطلوبة ويكون أداؤه جيداً لا لشخصه وحسب وإنما للإعلامي المحاوِر وللقناة التي يعمل بها.. وأن يكون الهدف هو التغطية السليمة وبحذاقة فمهمة الإعلامي هو استدرار أكبر المعلومات من الضيف بأسلوب مهذب وأن يناور بلباقة حين يجد الضيف لا يستجيب وأن يدخل للنقطة التي يريد من زوايا أخرى  وبهدوء وتهذيب، وأن يمسك نفسه ولا يفقد زمام أمره مهما بدر من الضيف !  وبهذه الحالة سيكون الإعلامي يحقق كسباً وسمعة إعلامية عاليه..

وأذكر أكثر من حادثة شاهدت أبطالها عراقيون، سأختار الأولى وكان الحوار في بدايته من إعلامي شاب مع سياسي معروف هو الأستاذ مثال الآلوسي، حيث قدم الشاب السياسي ولم ينته بعد وإذا بالآلوسي ينتفض من كرسيه ويصرخ به صرخة مدوية : أسكت ! ثم رمى اللاقط وترك الستوديو.. وأعتذر المذيع الشاب بكل تهذيب للمشاهدين متأسفا مما حصل ..

والحادثة الثانية في ندوة لإحدى القنوات العربية في لندن، حيث كان الموضوع عن الشأن العراقي وتقويم صدام حسين، وكانوا ثلاثة مدير الندوة وشاب مفتول العضلات وآخر أصغر منه دكتور كان نحيفا ضعيفاُ قوي الحجة سليم اللغة على خلاف الأول الذي وجد نفسه خالي الوفاض فقام منقضاً على الدكتور وأوسعه لكمات وكسر نظارته وراح يسب طائفة الآخر بأقذع السِّباب.. والمؤلم أن الفنيين في الستوديو  لم يوقفوا المهاجم بسرعة بل تراخوا ليفرغ حقده ويصب جام غضبه !!

ولن أتطرق لما حصل في تلفزيون الجارة العربية حين كنت أتابع ندوة حين غضب أحد ضباط البلاط وأخرج مسدسه وسدده على محاوره حيث سارع الفنيون لإيقافه وقطع البث ..

المؤكد أن السباب والشتم  والتهديد بكشف التاريخ أو كشف الأوراق هي أساليب الضعفاء.. حين يفقد الإنسان الحجة بدلا أن يعترف بخطئه أو يصمت يطول لسانه وقد تطول يده أو يُخرج مسدسه ..

ولله در الشاعر المتنبي الذي قال :

الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ - هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني

 فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ - بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ

23/ك2- 2020

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved