آدمُ منكَ يا أبي/الى الشاعر الخالد محمد مهدي الجواهري

2016-03-02
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/5807e5d3-0140-451c-a04f-9daf9adc0338.jpeg
 
مرَّت قبل اربعة ايام وتحديداً في 27 تموز الذكرى 18 لرحيل شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري.
هذا النص أهديتُه اليه في حياته أثناء زيارتي التوديعية الأولى والأخيرة له.
 


نائمٌ بين ساعديكَ الزمانُ
أينما كنتَ أينما القومُ كانوا

وسعيدٌ اذا أحتواكَ مكانٌ
ليتَ شعري هلْ يحتويكَ مكانُ

بَحَّةُ الناي في حنينِكَ شعرٌ
لمراعٍ ممراحُ فيها الأمانُ

لأماسٍ مرصعاتٍ بِدرٍّ
مهرجانٌ يضيئهُ مهرجانُ

لفراتٍ جرى من الله نوراً
أرسلتْهُ الى العراقِ الجِنانُ

آدمُ منكَ يا أبي وهو مني
ولنا منهُ جِبلةٌ ولسانُ


مَلِكَ العودِ ألفُ عودٍ يغَنّي
اِنْ سرى في القصيدِ منكَ البيانُ

واِنْ انثالَ في الفراتِ كمانٌ
راقصَ النجمَ في يديكَ كمانُ

هاتراها أبا فرات اِدلهمتْ
لاالثريا لها ولا الميزانُ

كوكبٌ اِثْرَ كوكبٍ يتهاوى
وديارٌ يخبو بها اللمعانُ

وعجافٌ تجيءُ بعدَ عجافٍ
وانتظرْنا ولم تمر السمانُ

وهوانٌ بكى لطولِ اغترابٍ
في بلادٍ مامرَّ فيها الهوانُ

يابنَ نهريَّ يا أبي ياشفيعي
ونديمي اِذا تغني القيانُ

عزفَ القومُ عن مجالس أُنسٍ
أي أُنس يُسرُّ فيه المُهانُ

لاالرقابُ تميلُ انْ رنَّ لحنٌ
للغزالي أو غرَّدتْ اسمهانُ

لاسماءٌ تضيءُ مثلَ سماءٍ
شعَّ فيها من القصيدِ الجمانُ



ألفُ فيروز في العراقِ استبيحتْ
حينَ صُمَّتْ على الطوى آذانُ

اِسقِ تلكَ الربوعَ فالأرضُ لهفى
لحياةٍ ، وأنتَ اِنسٌ وجانُ

وضفافٍ حرّى لرفةِ ماءٍ
هيَ ظمأى ، وشِعرُكَ الفيضانُ



*
كتبتُ هذه القصيدة في برلين في العام  1996 ثمَّ نشرتها في جريدة الوركاء التي كانت تصدر في دمشق ويشرف على تحريرها لفيفٌ من عائلة الجواهري وأصدقاء العائلة مع اطلالة ورعاية من النبيل المرحوم هادي العلوي يوم كان مقيماً في دمشق.
كان لأهل الجواهري مع الجواهري جلسات يقرأون فيها البريد القادم للشاعر الكبير عليه، ويحيطونه علماً بمَن كاتبه وماذا كتب، وذلك بسبب ضعف بصر الشاعر في السنين الأخيرة من عمره المديد، ولكن أيضا لأن هذه الجلسة كانت بمثابة صالون أدبي مصغر لأهل وأصدقاء الشاعر مع الشاعر الفذ .
حين وصلت قصيدتي أخبروني انهم قرأوها في حضوره ضمن بريد هائل من كل جهات المعمورة ومن أشخاص وشعراء بعضهم أصدقاء قدامى للشاعر نفسه .
بيد ان أبا فرات ركز على سماع هذه القصيدة وطلب منهم أعادة بعض أبياتها وسأل عن شاعرها  فأخبروه ان الشاعر شاب عراقي من الجنوب يقيم ويدرس في برلين، بيد انهم وفضولاً منهم سألوه لماذا خصَّ هذه القصيدة بالسؤال ولماذا ركَّز على شاعر واحد من ضمن شعراء كثر كانوا يراسلونه .
ردَّ عليهم بجرأة أبي فرات المعهودة بأن مايكتبه هذا الشاب شعر أما الباقي فلا يعدو عن كونه نظماً .
شهادة من أبي فرات سأعتز بها ماحييتُ وأينما كنت .
في العام نفسه قررتُ ان أزور دمشق بعد غياب طال عن عوالم المدينة العربية ولكن أيضاً لرؤية وتوديع ابي فرات وقد أحسستُ بالفعل ان أجله يقترب ومن الخسارات الكبرى ان يرحل دون ان أراه وأودعه .
حين وصلتُ دمشق صيف العام 1996 كان الجواهري الكبير على سرير المرض في المشفى الشامي وهناك زرته رفقة ابنته الطيبة خيال وزوجها المهذب صباح .
سلّمتُ عليه وتحدثتُ اليه ثم أردتُ ان أقدم له هدية حب ووفاء من ابن لأبيه فقرأتُ على مسامعه هذه القصيدة وبصوتٍ عال سمعه حتى الطبيب المشرف عليه في غرفته .
وها أنا الى الآن اسمع صوته المريض المرتجف وهو يردد بين بيت وبيت : جميل ..عظيم.
فشكراً ايها العم الكبير، شكراً أبو فرات !!
وكم تمنيتُ حينذاك، لي ولكل العراقيين، لوجمعنا وطن واحد نلتقي فيه هؤلاء المبدعين الكبار في كل وقت ويكون كل مبدع فيه تحت رعاية وطنه وشعبه والعارفين في مجال ابداعه ـ بدلاً عن شتات يكون فيه المسؤول عن المنتدى الثقافي لايرى أبعد من أرنبة انفه، ولايهمه سوى مصالح تافهة ومحدودة  ـ حينها سيكون العراق على استعداد أن ينجب من الشعراء والأدباء مَن هم بمستوى الجواهري، بل وبمستوى المتنبي، وهو الذي انجب هذين العملاقين!! بل سيكون على استعداد ان يرفد العالم بمبدعين وعلماء متفوقين في كل مجالات المعرفة الأنسانية !! 

بعد فترة قصيرة من هذا اللقاء، بعدعام واحد فقط، وفي مثل هذا الوقت من السنة، في السابع والعشرين من تموز للعام  1997  رحل شاعر العرب الأكبر تاركاً العرب الى العالم الآخر!!
فالى روحه وأرواح محبيه هذه القصيدة .

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved