تسا بق الأيام البرق في خطف أعمارنا، فلا نشعر بها ،وتتراكم علينا السنوات بأعبائها الثقال،...وكلما أطلّ علينا عام جديد أغراقناه بأ مانينا العراض وأحلامنا العذاب التي أحبطها عامنا المنصرم, أو قصرت عزائمنا عن بلوغها حتى إذا رحل عنا كسلفه, و لم نرحل عنه, ظلّت الأماني أما نياً والأحلام أحلاماً, وإذا تحقق منها شيء , فغيض من فيض. ونرنو بأبصارنا إلى العام المقبل لعله يكون مختلفاً, فيحمل إلينا أخباراً سارة أو أحداثاً مفرحة أو مفاجآ ت سعيدة أو تغيرات إ يجا بية في حياتنا, فإ ذا به لا يختلف شيئاً عن الأعوام التي تهاوت في قاع الزمن، .وكنا في أغلبها لم نظفر بما تمنيناه، أو نبلغ ما حلمنا به، أ يامنا تتكرر,يعدو بعضها خلف بعض، وأعوامنا تتماثل, ويكاد يومنا يكون صورة مطابقة لامسنا , وبات المرء يستقرئ أحياناً غده من واقع يومه، ويشعرأنّ حياتنا أصبحت فارغة باهته رتيبة تخلو من الرشاقة و العمق و التجديد , و صارت مشبعة بالإحبا طا ت المتوالية التي لا تحتمل, ولا يشعر المرء فيها أحياناً بقيمة لوجوده. يرحل عا م, و يولد آخر, عامنا يحتضر, و يعقب عاماً جد يداً آخر , ونحن نعدو في طريق العمر، والدنيا لا تتسع لأمانينا و أحلامنا, نحتفل بالعام الجديد, وهو ينقص من أعمارنا الباقية عا ماً آخر, ويسوقنا إلى آجالنا المحتومة, فنحزن, ونقلق . فمن أي زاوية ننظر إلى العام الجديد؟ أ نُسرُّ لتقدمنا عاماً جديداً أم نحزن لنقصا ن أعمارنا عاماً آخر؟ آه ياصد يقي ما أسرع الأيام ! بالأمس سطعت شموسنا، واليوم أخذت تجنح إلى المغيب! كم تنهبنا الأيام نهباً , وتمضي بنا إلى حيث تريد ؟ إنه الزمن المتقلّب الذي لا أمان له, الذي يعز الذليل, و يذل العزيز ,يفقر الغني, و يغني الفقير , يضعف القوي, و يقوي الضعيف, يبعد القريب و يقرب البعيد, الزمن الذي إن صفق للحسناء، جعلها تخلب الألباب، وإن أدبر عنها سلبها بريقها، فنبت عنها العيون الزمن المتماوج ا لجا رف الذي يشتت شمل الأحبة, ويمنع جمع القلوب التي تصبوا الى بعضها, الزمن الذي يدفع الفتى إلى مرحلة الشباب و الشاب إلى الكهولة و الكهل إلى الشيخوخة , و الحي إلى مأواه الأخير . الزمن الذي يفاجئنا بأ حداث لم تخطر لنا على بال ...الزمن الذي إن أقبل على إنسان ابتسمت له الد نيا , وغرّد له الكون, وإن أدبر عنه عبست في وجهه , و ألقت أحمالها على كاهله .. الزمن الذي ينشب مخالبه الحادة على صفحا ت وجوهنا النضرة، و يحفر أخاديده على خدودنا, فلا نطيق رؤية وجوهنا في المرايا، ويترك آثاره على عقولنا و نفوسنا و أنشطتنا .يتألق المرء اليوم, و ينشغل به الناس ثم يخفت ضوءه غداً, ويصبح نسياً منسياً, كأن لم يكن بالأمس حديث الناس..الزمن مخيف, يسلط الأقوياء على الضعفاء، والحكام على المحكومين، والأغنياء على الفقراء، والطغاة على المضطهدين، فلا يسعى الضعيف والمحكوم والفقير والشعوب المضطهدة إلاّ إلى الحرية والعدل والحياة الأفضل، فإذا قصر باع هؤلاء عن بلوغ مايريدون، تفاءلوا ببلوغه في عامهم الجديد. الزمن يسحقنا تحت عجلات دورانه السريع، ولا قبل لنا على مقاومته, فأ جيا ل تصعد، وأجيال تختفي، دول تظهر، وأخرى تزول، تتغير الدنيا، وتتبدل الأحوال ، نقاوم، ولا نستسلم ماقدرنا على الرفض والمقاومة، ولكن علينا أن نعترف في النهاية أننا أسراه الضعفاء, المستسلمون لنها ياتنا. والعمر, يا صديقي, طال أم قصر , إغماضة عين , لا يبقى للمرء بعده إلاَّ أثره , ولكن رغم كل هذه الحقائق المرة التي تؤلمنا, ولا نتجاهلها, علينا أن نعتصم بالأمل, ونواجه واقعنا بعقل مفتوح يعرف مايريد، وبإرادة صلبة، لا تعرف اليأ س ولا التردد أو المستحيل، وأن ننظر إلى واقع حياتنا بمنظا ر الأمل المقرون بالعمل على تغييره نحو الأفضل، و نتفاءل بالمستقبل, ونتطلع إلى الأيام الحلوة، ونرى أن أجمل الأيام هي تلك التي لم نعشها بعد, لتظل حياتنا تشع بالأحلام، وتظل البسمة ترتسم على شفاهنا، فذلك هو الذي يحفزنا إلى الحياة, ويدفعنا إلى النشاط والخلق والإبداع .
الحســـكة: حسين حمدان العسـّـا ف