فاطمة المساري، أستاذة ومؤطرة تربوية، وكاتبة مبدعة .
عندما أتذكر الطالبة الجامعية فاطمة المساري بظهر المهراز تحضر الكسوة - منطو .Robe-Manteau الأبيض( معطف) ، اسمع ضحكتها وكأنها سيمفونية بتهوفن . جاءت من طنجة العالية إلى فاس الربوة... فاطمة، الأناقة والذكاء لمعة حب وبهاء واجتهاد .
بصمت ذاكرتي طنجة منذ كانت جدتي تزور أخاها عبد العزيز العلج، ونتحلق حولها عند عودتها نترقب هدايا من اللعب المتميزة التي لها شكل آخر لم أعهده من قبل مختلفة . كانت تقول لنا أن أخاها يجلس على كرسي من ذهب، نستغرب الأمر ونظن أنها تحكي لنا حكايات من ألف ليلة وليلة . مرة، مرة تفتح جواز السفر وتتباهى بصورتها الفوتوغرافية دون نقاب .
منذ زمن بعيد كنا نلعب، لا توجد فوارق اجتماعية بين الصبايا والصبيان، ولا معنى للجندر . بعضنا درس في مدارس فرنسية او اسبانية أو أمريكية أو إيطالية .. و فاطمة درست في مدرسة وطنية . فاطمة فخر واعتزاز تنتمي إلى الصبايا رائدات المقاومة ضد الإستعمار، تعلمت الأناشيد . وهي لا تعرف معنى الوطن ولا العلم .
يا علمي . يا علم العرب اشرقي واخفقي
في الأفق الأزرق يا علم
كيف لا نفديك ..
إيه امة المغرب إيه دولة المغرب
إن عيش عشنا كراما أو نموت متنا كراما
..ما عهدنا العرب ترضى عيشة الذل
كانت الأناشيد تشكل ركيزة مهمة للمقاومة، وكان الصبايا والصبيان يقاومون الإستعمار الفرنسي والإسباني يصرخون وهم يرافقون أولياءهم .
وأنا صبية وقفت . انقر باب الدار ، أنادي بصوت عال - فاطمة ، هيا اخرجي للّعب . اليوم عطلة . لا أذكر اسم الحي، ربما لا إسم له، يقع في أرباض مدينة طنجة . فاطمة لا تسمع النداء، ولا نقر باب الدار، مشغولة تدخل الخيط في خرم الإبرة، تساعد أمها في الخياطة، الخياطة تركت الأثر الجميل من صبية في خفة الطيور إلى صبية في عمر الزهور، الكسوة - المعطف، الأبيض، ظهر المهراز، الحي الجامعي . فاطمة المساري تخيط الكسوة - المعطف، وتحفظ مغني اللبيب والمعلقات .
فاطمة سمعت نقراً أشد على الباب، هبت مسرعة، السيدة أمينة . جاءت من أجل قميصها الذي خاطته لها أم فاطمة، كلمت الصبية باللغة الفرنسية، استغربت أمرها لكن أمها حدثتها أنها من الأوليات اللائي التحقن بمدرسة البعثة الفرنسية، الرينو Rinault- ودشنت سنة 1913 أطلق اسمه على الثانوية، كان وزيرا مفوضا بالمغرب ومن الموقعين على عقد الحماية في 30 مارس2 191 . وكما روت لها أن أختها الزهرة أول من حصلت على الباكالوريا في المغرب 1937 . أن أمينة أصبحت مدرسة للغة الفرنسية وأول مديرة ثاوية بطنجة .
سلمتها أم فاطمة -زكدون- القميص. وانصرفت وهي معجبة بخياطة قميصها . زبونة أخرى دخلت ارحيمو . التفتت الأم إلى بنتها فاطمة وهي تقول- هذه السيدة درست زمن الحماية الإسبانية، في مدرسة اسبانية لها حضور متميز إنها هي الأخرى مدرسة . تحدثها أن المرأة الطنجاوية مارست مهنة التعليم منذ استقلال المغرب وقبله بقليل، أم فاطمة تتوسل إلى الله إن تصبح ابنتها موظفة من خدام الدولة الأجلاء النبلاء مدرسة، تغبط : أمينة، الزهرة، ارحيمو .. لأنها لم يتيسر لها الدخول إلى المدرسة رغم أنها أصغرهن سنا .
انتظر فاطمة للّعب أردد :
هيا، هيا نجري جريا
غظ البصر وخذي الحذر
أنا في الصف أنا في الخلف
أنا يمناك أنا يسراك
سارع سارع أنت البارع
أدرك ندك تبلغ قصدك...
كان والدها في ركن من الغرفة، يقلب حزمة من جرائد الرأي العام، يحتفظ بالنسخ عند قراءتها العدد 50- 17 ابريل 1947، لعب الأطفال : سعاد عبد الله يحيل هذا التاريخ على زيارة الملك محمد الخامس إلى طنجة قبله بأسبوع .
انتظر فاطمة، أغلقت دفتر المحفوظات فتحت دفتر التربية الوطنية، مزقت ورقتين، صنعت . الفلك - فلوكة - وبالورقة الثانية - فرفارة-
خرجت فاطمة سلمتها الفلك هرولت إلى شاطئ البوغاز . رمت الفلك على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، إلى القارة الأخرى أوروبا، بينما أنا بيدي فرفارة، عبر ت الفضاء الجوي من البوغاز إلى المحيط الأطلسي . الرياح أسعفتني على الوصول إلى أمريكا .. إلى ميناء هاليفاكس . في اتجاه مونتريال .
