أبعدُ من صرخةٍ متثاقلة

2009-07-18
 بينَ عينينِ أذبلتهما اختصاراتُ الورقِ الذابل وإخفاقة واضحة تماماً يُصبحُ القلبُ عاجزاً عن أداء عَملهِ كالمعتاد بينما كل الآلات تعمَلُ بشكل منتظم ، لا توقفها النظرات ولا خيبة الأمل.

في الشارعِ المنحاز للأرصفة أكثر منه إلى البيتِ القريب وعلى مقربةٍ من النسيم العليل ليلاً ، تلاقيني بنظراتِها التي تختصرني بشدّة وألاقيها بابتسامةٍ تحتضنها وكأن عالماً سيخرجُ من بينِ الركام الآن ، عالماً أجمل من وردةٍ أسقطتها الريحُ من غصنٍ رقيق وأقربُ إلى قلبينا من نبضةٍ تائهة أو نبضةٍ زائدة تعيد الحياةَ لو شاءت إلينا من جديد.

ليتَ الليل الساهرَ ينقضّ على أفقٍ أخرسَ ليختزِلَ وجعه وهدوءهُ ويبقينا ساهرين والندى نرجسهُ ينزِلُ كالمطَر الخريفي المعطر، اسمها لم يُعرني معدات الرسم كي أبدأ برسمها غير أنها تشبهُ الشوق بمعناهُ أو ربمـا تشبهُ الحنين أكثـر ، لكنها لم تعرِف بأني غارقٌ بنبضها منذُ أولِ ليلةٍ في هذا الخريف المحاذي لأفكار المارة ، وبينما الكلّ يفكرونَ بالسهر والتسلية كُنتُ أفكـر في شكلها لأرسمُها رويداً، رويداً ... وردة تشبه وردة سوف تزينُ لي دفتر الإنشاء وألبوم لوحاتي المتواضعة.

أسعدتني كلماتها عندما أجابتني (كل شيء قسمة ونصيب ) ، لأن تجارب الحب لا تتكـرر أو تُستعاد ونحن في الواقع تجاهلنا المدة التي تفصل بين الرفض والقبول لأن الوقت تغيَّر كثيراً حيثُ نتعثّر بلحظةٍ تتركنا لآلافِ اللحظات ننتظر جهة من ذاك الشارع الهادئ تأخذنا إليها وبما أنّ التقاطع المشار إليهِ بعلامات لا أفهم معناها لا يتحرك من مكانه تمنيت لو تعود لأتم رسمتها التي بدأت تكتمل فيكتمل قلبي معها.

اعذريني ، الحبّ ليس صوراً نأخذها لبعضنا قريباً من شاطئ البحر منفردين ، الحب اتفاق روحي يحمِل الأمل إلينا ليشتاق الواحد منا للآخر فيتّصل القلبان معاً وتخرجُ تلك الشرارة الأخيرة التي تُلهِب الحنين المنصهر فينا ونحن الشغوفين نحاول فتحَ نوافذ للمدى فننسى أوجاعنا لنكبر مرتين.

لا زالت جملتها تتردد في وجعي (كل شيء قسمة ونصيب) وكأن الحب تَشتريهِ في الأسواق ببضعِ ليراتٍ ثم تحفظهُ في البراد لتعيد استعمالهُ في ليلةٍ أخـرى ، ولكن هل من قسمةٍ يمكنُ للقلبِ أن يختارها والنصفُ ينبضُ والنصف الآخر صامت ، لم تكُن تلك الجملة لتثير اهتمامي لأني لم أكن مقتنعاً بما تحمِل مِن معانٍ في طيّاتها .

هل كنتِ تتوقعينَ بأن أنساكِ عندما أغلقتِ سماعةَ الهاتفِ قاطعةً بها أجمل صورةٍ للصدى كنتُ رسمتها ، أو أن أتركَ تلك اللوحة التي بدأت تتناغم ألوانها للتو، عالقة بين وضوح المعنى وجمال الرنين الذي تحمِله ببهائها العفوي ، لستِ قادرةً على إخضاعي لرغباتِك واعذريني إن محوت جملتَك الأخيرةَ فلستُ نادماً على تحرير أصابعي لرسمِ صورتِكِ أبداً فإني لطالما أعجبتني تلكَ الابتسامة المشاكسة التي تنقلني بدون أن تدري من جهةٍ في الشارع إلى جهةٍ أخرى من نفس الشارع.

أيّ هراءٍ جاء يحملني إلى وجعي ويتركني "رهين المحبسين" ، حبسُ التمني من جهة وحبسُ خيبة الأمل في صدمةٍ جمَّدتني وتركتني أنسابُ كالندى في المدى ، أتراني أخطأتُ حينَ مسحتُ عن عيني غبار الساعاتِ الماضية وانسكبتُ كقطرةِ زيتٍ على رخامِ الحقيقة فمسحتها اللحظاتُ بمنديلها الصغير ، لستُ أبالي فكم مِن قصة بدأت ولاحَ بها ضباب ثم غيرها الوضوح لتستكمِل نفسها في عالمٍ من تحديات الذات ، اسأليني عن يقيني فغداً تحملين سماعة الهاتف ، تطلبينَ رقَمي الانسيابي ، سأكون هناكَ بدأتُ بتلوينِ لوحةٍ جديدة ، تشبهكِ ولا تُشبهينها أبداً ، سيرنُ الهاتفُ في الصالة وأنا بينَ الشارعِ المنحازِ للأرصفة أختار لنفسي رصيفاً أصدقُ مِن أنثى تستجمُ بأفكاري صيفاً وتنساني شتاءٌ يحزم أمتعتهُ ليعـودَ فجراً إلى مَرسمِهِ كالمعتاد ، يمزج ألوانه بلطفٍ ويبحثُ عن شيء أكثر صدقاً من البشر لكي يرسمهُ ، هنالكَ زهرة أجمل أو شجرة أروع ، سأرسم الشارع الذي تلاقينا بهِ ولكن بدونِ أن يحمل في أحشائهِ شيئاً من البشـر فكل شيء قسمة ونصيب.


عمر سعدي / سخنين

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved