
مساء يوم الاحد 1/9/2013 فتح بيت العراقيين ( بيت القنصل العراقي في مونتريال الأستاذ جاسم مصاول ) مرة اخرى، ابوابه على مصراعيها لإنعاش الدور الثقافى العربي في الإغتراب ولتلاقى العقول والأفكار بنشاط ثقافي فيه فائدة ومتعة للمثقفين
فكانت الامسية الشعرية، التي أُحتفيَ فيها بالشاعر العراقي المغترب في كندا السيد رزاق علوان.
والشاعر رزاق علوان هو واحد من شعراء المنافي الاجبارية، ولد من رحم بابل ، فنهل من تلك الحضارة التي شغلت الدنيا ومازالت، لجأ، كما لجأ الكثير من الشعراء العراقيين الى المنافي الاجبارية وليست الاختيارية نتيجة سيادة ثقافة السلطة في الحياة الثقافية العراقية وكوابيس القمع الفكري، مما ادى الى ان يحمل الشاعر العراقي حالة شجنية في غربته حتى مماته في أرض المنفى فانعكس ذلك على أعماله الإبداعية .
أن قصائد الشاعر رزاق علوان لا تعكس صورة عن حياته فحسب، بل هي حياته نفسها ذائبة في مياه الشعر أو الشعر نفسه متحللاً الى مفردات حياتية لانسان من هذا العالم. القصيدة عند رزاق علوان هي سيرة ذاتية مستمرة مثل نزيف الحروب والمنافي التي عاشها أو هي رواية شعرية في فصول أو أجزاء، تمثل تاريخاً مفصلاً لمرحلة، وحيوات وخطاب ورؤى تركت ظلالاً ثقيلة وبصمات عميقة على ساعة المستقبل المفتوحة الزمن.
قدم القنصل العام السيد جاسم نعمة مصاول الشاعر رزاق علوان للحضور فقال :
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة الحضور الكرام
السلام عليكم وأهلاً وسهلاً بكم في امسيتنا الثقافية الخامسة لهذا اليوم الاول من شهر ايلول 2013، في بيت العراق ... واليوم نتوجه الى ارض مهد الحضارات ارض سومر وبابل وآشور، حيث حضارة وادي الرافدين العريقة، لنحتفي بالشاعر والكاتب والصحفي الاستاذ رزاق علوان، وريث سرجون الاكدي وحمورابي ونبوخذ نصر وآشور بانيبال، واحد من شعراء المنافي الاجبارية، ولد من رحم حضارة بابل فكيف لايكون شاعراً وكاتباً وصحفياً، بل بالاحرى مثقفاً ينهل من تلك الحضارة التي شغلت الدنيا ومازالت، وهو الذي يقول:
أخذتْ مُدن المنفى
تشبهُ كثيراً مُدنَ الجذور
أرصِفَتها، شوراعَها، حدائقَها
مثل بابل
مدينتي العريقة في التاريخ
عالم الشعر عالم متقلب الأهواء له ألوان زاهية ومختلفة، ومواسم متعددة.. قيل الشعر دمعة..
وحسرة.. وقيل شلال سائل يختلط بسواد الكحل ليرسم حزن أسطورة سوداء على وجه جميل..
ويقولون الشعر نظرة وأمل في الحياة، بسمة ملؤها التفاؤل بالغد..غايتها الخير والحب.
ويقولون الشعر طيور نوارس تحلق في السماء.. تهاجر لتبحث عن سعادة هنا وهناك.. حروف أبجدية ... كلمات ليست كالكلمات.
يقولون إن أحببت شعرت.. وان تألمت نثرت.. وان فرحت أبدعت.. معقول أن الإنسان يمر بكل هذا الشعور ومن خلال المسمى الشعر الذي يحتوي كل هذه العظمة والرأي.
أقاويل كثيرة ومتعددة قيلت عن الشعر عامة ليس من السهل المرور عليها في هذه الامسية المحدودة الزمن.
لقد لجأ الكثير من الشعراء العراقيين الى المنافي الاجبارية وليست الاختيارية نتيجة سيادة ثقافة السلطة في الحياة الثقافية العراقية وكوابيس القمع الفكري، مما ادى الى ان يحمل الشاعر العراقي حالة شجنية في غربته حتى مماته في أرض المنفى وانعكاس ذلك على أعماله الإبداعية.
أن أدب المنفى يحمل الحنين الدائم للمكان والبشر وتعود الذاكرة دائما إلى أرض الوطن إلا أن الغربة مهما كانت أسبابها تضع الإنسان في سياق مغاير قد يتأقلم معه فتصبح هويته متعددة الجوانب، ويصبح وعيه الحضاري مزدوجا يعي ذاته وثقافته كما يعي الآخر وثقافته في آن واحد وقد لا يندمج في المنفى فيعتمد على ذاكرته في استدعاء الوطن بكل تفاصيله الأثيرة. وفي الحالتين تصبح اللغة الأدبية بأبعادها المركبة وسيلة فنية للتواصل مع الوطن والعالم.
يقول الشاعر الفرنسي سان جون بيرس في قصيدته " منفى" :
ابواب مفتوحة على الرمال
ابواب مفتوحة على المنفى
ايها المهاجر
ليس إلا ان تشتهي المدى الاكثر عُريا لكي تجمعَ
من رمال المنفى قصيدةً عظيمةً ولدت من لاشيء
قصيدة عظيمة ابدعت من لاشيء
يقول جيمس جويس:" هذا البلد الجميل الفاتن الذي كان يرسل دائماً، كتابه وفنانية الى المنفى".
يقول الشاعر الكبير المبدع بدر شاكر السياب:
بين القرى المتهيبات
خطاي والمدن الغريبة
غَنيةٌ تربتك الحبيبة
فانا المسيح يجر في المنفى صليبه
يقول الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي: " القلق في حياتي يشبه حال الناس عندما يعم القحط. أرأيت كيف يخرجون ليتضرعوا الى ألله؟ .. كذلك أخرج أنا لأضرب في الارض على غير هدى .. مدفوعاً به الى افق القصيدة الموصدة حتى يُفتح".
اما الشاعر رزاق علوان فيقول:
اتعبتني الاحلام كثيراً
أخذتني لمشارف شاقة
على حافة أسلاك شائكة
نوافذ مغلقة بالسواد
أحتار
كيف اوزع نفسي
مابين بيروت وبغداد
ومونتريال
لا تعكس قصائد الشاعر رزاق علوان صورة عن حياته فحسب، بل هي حياته نفسها ذائبة في مياه الشعر أو الشعر نفسه متحللاً الى مفردات حياتية لانسان من هذا العالم. القصيدة عند رزاق علوان هي سيرة ذاتية مستمرة مثل نزيف الحروب والمنافي التي عاشها أو هي رواية شعرية في فصول أو أجزاء، تمثل تاريخاً مفصلاً لمرحلة، وحيوات وخطاب ورؤى تركت ظلالاً ثقيلة وبصمات عميقة على ساعة المستقبل المفتوحة الزمن.
عندما نقرأ قصائد الشاعر رزاق علوان نجد أنها تتمحور حول عدد من العناصر الاساسية في اغلب قصائده وهي : الجغرافية المكانية والمنافي والنساء، وأحيانا يجمع هذه العناصر في قصيدة واحدة او جزء من قصيدة.
أما عالم الامكنة فهي المحطات الحياتية التي لايفتأ يتذكرها، تعيش معه أينما حل ورحل، هي بابل وبغداد وبيروت ودمشق وعمان ومونتريال، ويعترف الشاعر بأنه مجنونٌ بالمكان، إذ يقول:
أنا شاعر عجوز
مجنون رسمياً حد اللعنة
في المكان والوجوه
ان الشاعر رزاق علوان متعلق جدا في المكان الذي يعيشه، ونشعر ان روحه تهيم وتتلوع عندما يغادر المكان الذي ألفه وتعود ان يرى مرتاديه كل صباح، مكان يحتوي الوجوه التي عرفها، حتى فنجان القهوة الذي يلثم حافته كل يوم يود أن لايفارقه، لقد رسم لنا صورة حزينة مؤلمة عن فراقه للامكنة التي أحبها، ومن خلالها جعلنا نقف امام صورة شعرية فنية رائعة تعبّر عن احاسيسه عند وداع الامكنة والتحول الى منفى آخر.
واما المنافي التي حفرت عميقاً في روح شاعرنا مازالت ندباً كبيراً يعالجه بصبر مختلط بالحزن والاسى عبر قصائد فيها لوعة وألم يبحث من خلالها عن ضفة نهر كي ينام بسلام، ونلاحظ ان الغربة المكانية أثرت في بناء فكرة القصيدة لدى الشاعر وارتقت بها فنياً.
ونجد في قصائده أنه يشعر بالغربة الحقيقية والعزلة التامة في المنفى، فهو يحتاج الى أهله الى ابناء وطنه البعيدين عنه مكانيا وليس روحيا، ويفصح عن لوعته وحنينه الى وطنه العراق في اكثر من قصيدة.
أما المرأة في قصائد الشاعر رزاق علوان فقد أخذت حيزاً كبيراً، فهي الام والوطن والحبيبة والصديقة، التي تبعث الدفء والحياة في روحه المغتربة، هي منفاه، تسكن فيه، بل هي ملهمته ومعبده البابلي الذي يمارس فيه طقوسه الشعرية، حيث عشتار " آلهة الحب ". هو عاشق للمرأة، وهي الوحيدة التي تطرد احزانه، تفك طلاسم عزلته ولوعاته، تسيطر عليه حالة من الفرح الطفولي عندما يتحدث الى إمرأة. المرأة لدى رزاق علوان عبارة عن حلم جميل دائم يقهر به مدن الاغتراب والعزلة وتقدم العمر، هي من يوقف زحف الزمن عند لحظة الحلم.
أما الأم تلك المرأة التي يحملها في قلبه، تسري في دمه وتسكن ذاكرته الى الابد، كانت جزءاً من حياته الشعرية واحتلت مكاناً لها في قصائده:
احتضن وجه أمي
يقظة حلم
ارتعاشة بدن
حزيناً كان وجه أمي
باكياً
لشدة وجع الفراق
لازال ثمة حنين
يشدني لوجه أمي
القى الشاعر رزاق علوان عددا من قصائده الجديدة نالت اعجاب الجمهور الحاضر، ثم تحدث عن رحلته الطويلة في الصحافة وتجريته الشعرية في العراق وبلاد الغربة، إذ عمل في بيروت وعمان ودمشق مع العديد من المثقفين والشعراء العرب الذين اضافوا الكثير لحياته الثقافية وتجربته الشعرية والصحفية.
ثم جرى نقاش بين الشاعر والحضور من المثقفين والكتاب والاساتذة العراقيين والعرب في مونتريال نساءً ورجالاً.
بعد ذلك قدم القنصل العام السيد جاسم نعمة مصاول وثيقة الشكر والتقدير للشاعر رزاق علوان لمساهمته في إنجاح الامسية الثقافية.
وفي الختام قدم عازفي العود السيد عصام حداد والسيد إلياس يوسف مجموعة من المعزوفات الموسيقية الشرقية.
الشاعر رزاق علوان:
ولد في بابل العراق. عمل في الصحافة والنقد التشكيلي. تخرج من قسم الصحافة بكلية الآداب، جامعة بغداد. نشر في العديد من الصحف العراقية والعربية. كالراصد، الفكاهة، ثم الجمهورية ومجلة ألف باء.
دخل معتقل أبو غريب ثم غادر العراق إلى الأردن حيث عمل محرراً للعديد من الصحف كالدستور والعرب اليوم، فضلاً عن صحيفة الشرق الاوسط.
عضو في الكثير من المنظمات والنقابات الصحفية والاتحادات العراقية والعربية.
له دواوين شعرية منها: بطاقة حزن على الآنسة لام. وديوان أوراق مراسل حربي.
وصل إلى مونتريال في العام 1993 وتابع فيها عمله الأدبي والفني كشاعر وفنان.
من أعماله المونتريالية: ثلاثية (ذاكرة القصيدة – الأسطورة أوليفيا - أوتيل ديو.. وحكاية جرح). يجمع الشاعر رزاق علوان في قصائده بين مرارة المنفى في الوطن والمنفى في الغربة وبين نبض العراق الحر الجميل.

