دعوة إلى سفر/قصة

2022-06-21

أحمد بن قريش/كاتب وإعلامي جزائري

احمد

في الليل البهيم انطلق ليليان آخران بنفس الطريقة وكأنه تدحرج بين طيات حلم .

-أين هم ؟

أحنى عمار الصامت رأسه، لم يكن يبدو عليه التعب، ثم أدغل بين العليق .

-العليق يقرص... أين هم... اشعل الفانوس قليلا... إني لا أرى شيئا...

من بين الأدغال جاء أنين .

مازال الليل راخيًا سدوله لكنها السحب من كانت تحاصر طلوع النهار .

... -أتنتظر الليل المقبل لتعود، تلفظ علي .

الآن كان عمار الصامت يقص عبر القصب . كان يبدو تعبًا لعلي وهو يتمايل بين قفتيه وبمصباحه المعلق إلى أسنانه . كان الإثنان قد اجتازا الفلاة بصعوبة طيلة الليل . كانا أحيانًا يغوصان في الوحل وماء النهر – البريكات الصغيرة – الذي فاض الشهر الماضي لم يغادر بعد بعض الأماكن . أكثر من مرة تشابكت ساقي علي وسقط بطوله في الغرين . وكان عمار، دون أن تنبث شفتاه بكلمة، ينهضه بذراع قوي بعد أن يحط إحدى القفتين أرضا...

وكانا يتقدمان. منحنيين . إلى جانب خطى عمار الثابتة كان علي يجري أحيانا .

-ماذا بعد القصب ؟

حيوان ما فر من تحت قدميهما . ومرة أخرى العليق .

كان عليك الصعود الصعود طيلة الأيام وطيلة الليالي، مع القليل من ذكريات الحروب النوميدية، الحروب الهلالية تخوم الصحاري الحجرية، الحجر الأزرق كان عليك التقليل من الحظوظ المضادة بالدفل في كفوف الأيادي، وغوص الذراع كل الذراع بين سخونة أحشاء البهيمة كمن يجر البارود نحو مكان ما كان عليك بقدميك الملطخة وحلاً وبيديك وقد أمددهما النفس وهذا الجسد بعرقه ببروده كان عليك أن تتقدم ومن بين شفتيك ستولد كلمات بمثيل فقاعات في زي قوس قزح من ذا الذي يمشي بعد جثتك في المساء القريب ؟  من ذا الذي ينقل خبر موتك لوالدتك في اليوم التالي ؟ من هو ابن من يكون لا تذهب، كانت تقول الأم الحزون قد غادروا الغابة التمشيط التمشيط سوف أحرق نفسي برمادكما تكفيني حرقة أبيك يا عمار، وها هو الليل العنكبوتي وشموس فصل المطر ومع هبوط الليل تكبس الأرامل أفواه الأطفال لكي لا يجفل الرجال كمن تفعل بالنساء وقت المخاض، هذا المساء قد باع ميلود نفسه للفرنسيين، هذا المساء قد أطلقوا النار على السيد روك، غدًا كل الثكنة المناورات في الصبيحة هكذا عمار ودروب التلقين هكذا يا طاهر الذيل .

بجراءة يصحبك صمتك يا ابن الريح يا زاحف بين طيات الليل .

-هل تسمع يا عمار؟

كانت الطلقات النارية تستأنف ناحية سفح الجبل الآخر . كانت متباعدة . ومع كل طلقة كان حفيف يمر بين ورق الأشجار .

... -هذه المرة بقوة... سوف يكتشفونك... يقتلونك .

لكن عمار، بقفتيه الملتصقتين بيديه، بفانوسه المعلق إلى أسنانه، كان يتقدم بنفس الإسراع الذي كان يجلب به الماء من المنبع لبيته .

... -النهر... النهر

الآن انغرزت رجلي عمار الصامت في لسان رملي . فوضع القفتين أرضًا، وخلع حذاءه . في الماء ظهر رأسي سمكتين بارقتين . فاستدارت . ثم لعقت ثلاثة أو أربع طيات من الماء أصابع قدمي عمار .

 -الماء بارد يا عمار .

شمر عمار قليلًا عن كاحليه ثم أدخل عصا بين مقبضي القفتين ونظر شزرا ناحية الآخر...

-كل هذا بدون مقابل يا عمار... لو كانت معك على الأقل بندقية...

كان عمار ينظر إليه بطرف عينيه .

-أنت تفعل كل هذا بدون مقابل... لن يقبلوا الأطفال بين صفوفهم...

الآن طلع النهار . كان دوي الطلقات يسمع قريبًا جدًا منهم . كان اصفرار الشمس قد لعب في علو الأشجار والنهر يجر أصابعه على قعر حصي .

-غادر الآن... أكيدًا إنك تعرف الطريق ، همس عمار الذي بدأ يقاوم الأمواج...

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved