ريم حنضل - مديرة أكاديمية بيت لحم للموسيقى
من حفل موسيقي في برنامج بيت لحم – عاصمة الثقافة العربية
حين يقوم شباب صغار في عزف الموسيقى وخاصة الموسيقى العربية تتبادر أمور ومشاعر مختلفة لديهم، وهذا بالطبع يؤثر على أدائهم بالعزف وبالتعبير الفني . ولهذا فإن مهارة وفن العزف الموسيقي ليسا أمراً ثابتاً بمعنى أنه لو استطاع عازف ما أن يبدع في الأداء فقد يتأثر ذلك بعوامل أخرى غير شخصيته، مثل الراحة الجسدية والاستعداد النفسي والاندماج الفني. كما توجد عوامل أخرى تؤثر أيضاً .
ومن الأمور التي يجب اهتمام قائد الفرقة الموسيقية بها قيام مجموعته بالأداء حين يكون لديهم خلفيات مختلفة ليس فقط من ناحية المعرفة بالموسيقى ومهارة العزف وإنما أيضا لجهة ديناميكية التفاعل البشري بين العازفين من ناحية، ومن ناحية أخرى بينهم وبين الجمهور ولا سيما إذا كان هذا الجمهور جديداً على العازفين بحيث لا يشكل فكرة واضحة عن كيفية تفاعله مع الموسيقى التي تُؤدى .
ضمن الاحتفال بعيد الموسيقى في 21 حزيران/يونيو 2021، وتحديدًا ضمن برامج مدينة بيت لحم عاصمة الثقافة العربية، وتحت رعاية بلدية بيت لحم، قامت أكاديمية بيت لحم للموسيقى بالتعاون مع فرقة وجوقة مركز الطفل في مدينة نابلس بمحاولة جمع أصوات أطفال طلاب يدرسون الموسيقى في العزف والغناء من بيت لحم ونابلس . وتبعد المدينتان عن بعضهما بعضًا نسبيذًا حيث أن صعوبات الانتقال والتواصل بين مدن الضفة الغربيّة ليست سهلة أبدا منذ الإحتلال الإسرائيلي في عام 1967 . وفي الأعوام السابقة أصبح أكثر صعوبة بسبب ازدياد إعتداءآت المستوطنين المتطرفين على وسائل النقل العربية بين المدن . ولهذا لجأ المنظمون إلى تجميع القدرات الفنيّة بين الفرق الموسيقية الشبابيّة في فلسطين . وفي الواقع، تمت محاولة التنسيق الفني عن بعد، ولكن الأمر مختلف بشكل واقعي حين يتعلق بعازفين دون السابعة عشرة من أعارهم. إذ أن هذا يشكل تحديًا إضافيًّاً لإدارة نشاطات فنيّة مشتركة خاصة بالفرق الناشئة .
قررت إدارة أكاديمية بيت لحم للموسيقى وإدارة مركز الطفل في نابلس تضافر الجهود للقيام بحفل موسيقي خاص ضمن احتفالات بيت لحم عاصمة للثقافة العربية، وتم الإتفاق بين المديرين الفنيّين على المشاركة . وجرى الإهتمام بمقارنة الأسلوب والمشاركة الفنيّة الموسيقيّة لدى الفرقتين، ومتابعة أي ملاحظات ونتائج يمكن استخراجها لتدرس، ويؤخذ بالإعتبار النتائج التي يمكنها أن تساعد في التدريس والتدريب للعام الدراسي القادم اعتبارًا من شهر أيلول 2021 .
قمنا في الأكاديمية بتحديد العوامل والنقاط التي رغبنا بمراقبتها ودراستها، وتلخصت على الشكل الآتي :
- نوع وتأثير وجود فنيين موسيقيين بنفس العمر والمستوى تقريبا بين فرقتين مختلفتين حينما يقوم أفرادهما بالعزف والمشاركة في حفل واحد. هل سيؤدي ذلك إلى تشجيع التقليد بينهما أو الاندماج أو محاولة التفرد بإظهار ما يختلف بينهما ؟
- وجود جمهور فني يستمع لعزف الفرقة إذا كانت هذا الفرقة تعزف في بيئة مستمعين تختلف قليلا عما ما هي معتادة عليه في المدينة التي قَدٍمَت منها. هل سيكون ذلك مشجعا أو ربما يثير بعض التحفظات أو تردد ما، خاصة إذا كان العازفون يافعين وقليلي الخبرة ربما في الأداء أمام مجتمعات أخرى أو في منطقة أو مدينة أخرى. وقد تمت ملاحظة كيفية تقبل جمهور الحاضرين مثلا في بيت لحم لفرقة من العازفين القادمين من نابلس. كما تم ملاحظة مدى ما تميزوا به من ثقة أو بعض التردد في العزف أمام حضور جديد بالنسبة لهم .
- الأمر الآخر الذي كان لا بد من الاهتمام به: كيفية تفاعل العازفين مع موسيقاهم علمًا أن هناك فرقة أخرى أفرادها لهم نفس مواصفات العمر أو المهارة يتواجدون ويستمعون لهم. وبالتالي يشعر العازف أنه لا يعزف فقط للجمهور ليستمتع بالموسيقى أو يتابعها، وإنما قد يشعر إلى حد ما أنه أمام أشخاص يريدون أن يمتحنوه؛ وهذا قد يشكل ضغطًا نفسيًا أكثر من العادة، مما يؤدي إلى عدم قدرة العازف على محاولة التفوق على نفسه في العزف والأداء بغض النظر عن قدرته ودراسته وخلفيته التي قد تعبّر عن براعته وإبداعه .
أقيم الحفل في قاعة قصر المؤتمرات في بيت لحم بالتعاون مع بلدية بيت لحم ومدينة الحضارات والثقافات في قصر المؤتمرات، وأحياه الشريكان الأساسيان، وهما فرقة عازفي وجوقة مركز الطفل من نابلس، وعازفو فرقة الموسيقى العربية من أكاديمية بيت لحم للموسيقى. وكان الأداء والعزف متميزين، وتجلى فيهما الاهتمام المتنامي بالإدارة الفنية مما جعل الحاضرين يقدرون مهنيّة العازفين مجتمعين .
وكان الحفل فرصة للموسيقيين من مركز الطفل في نابلس بقيادة المدرس وعازف الكمان الفنان حبيب الديك لتقديم برنامج موسيقي ممتع أدته فرقته التي اشتملت على آلات مختلفة من بينها العود والإيقاع والبيانو والكمان والقانون، وأصوات غنائية لفتيات وفتيان من نابلس. أما فرقة الأكاديمية فكانت بقيادة عازف العود الفنان إبراهيم خير وتضمنت مجموعته عازفين على آلات مختلفة منها القانون والإيقاع والقانون والبيان و.
وظهر تنسيق البرنامج الموسيقي جيدًا، حيث تم تحديد موسيقى متناسقة للحفل بكامله بالرغم من ضيق فرص التدريب المشترك. واشتمل البرنامج على موسيقى عربية شرقية من أساليب مختلفة :
- موسيقى أغاني عربية كلاسيكية، مثل: ليلة حب، ألف ليلة وليلة، أنت عمري، عزيزة.
- موسيقى أغاني خفيفة لبنانية، مثل: كان عنا طاحون، ليالي الصيف، يا رايح صوب بلادي.
- موسيقى آليّة مما يمكن اعتباره متأثرًا بأسلوب الموسيقى الغربية المعاصرة، مثل موسيقى عمر خيرت "قضية العم أحمد ."
بعد الاستماع لموسيقى الفرقتين، وبخاصة قبل الحفل الرسمي أثناء التدريبات وفي أثناء الحفل، وإعادة الاستماع للتسجيل بضع مرات، توصلت هذه الدراسة القصيرة إلى الملاحظات الآتية :
- من الجوانب الإيجابية شعر العازفون أن الرابط الوطني (بموضوعه الثقافي العربي) هو مناسبة رسمية جعلتهم أكثر تصميمًا على الإبداع. وهذا ما عبر عنه بعض العازفين أثناء النقاش الذي تَبِع الحفل. وكان ذلك وكأنه قرار شخصي من العازف وليس بناء على توصية المدير الفني فقط.
- كما أن تمضية بعض الوقت بشكل مباشر بين أعضاء الفرقتين خلال النهار قبل الحفل (مثلا أثناء وجبة الغداء أو التجوال في بيت لحم) جعل الألفة الشخصية سريعة لتحول دون أن يشعر أي من العازفين أن هناك تنافسًا أو تردُدًا في العزف أمام العازفين الآخرين .
- كما لوحظ أن النقاشات الجانبية بين العازفين وتبادلهم الرأي حول الأداء الموسيقي كانت مرجعيتها الإبداع والابتكار ومحاولة الاستنارة بآراء أقرانهم وليس تلك الصادرة عن القيادة الفنية. وهذه نتيجة جديرة بالاهتمام إذ هي الخطوات الأولى للإبداع الموسيقي بين الشباب العربي .
ومن الأمور التي تمت ملاحظة الضعف فيها ما يلي :
- عدم اللقاء (ولو افتراضيا) في حفلات موسيقية مقصورة على العازفين قبل الحفل الرئيسي كان سببًا في عدم توافر فرص تبني آراء ونصائح من الجانبين للتنسيق في الأداء والتعبير الموسيقي (فرقة واحدة وحفل واحد) أكثر من كونه تجميعا لبرنامجين (فرقتين منفصلتين في لقاء واحد) .
- كان من المناسب جدًا لو تم التشجيع على عزف قطعة واحدة أو أكثر بشراكة من بعض العازفين من الطرفين بطريقة إبداعية جديدة (مثل توزيع موسيقي أو نمط معين إلخ ...) حتى يظهر دور الشباب العربي الموسيقي بشخصية مبتكرة .
- ربما كان من الأفضل أيضًا تشجيع وجود عدة فرق وعازفين مختلفين لكي تتاح الفرصة أمام بعضهم للتقدم بعزف حر (مثل تقاسيم خاصة) أو موسيقى من تأليفهم حتى ولو كانت بسيطة، فذلك يؤدي إلى دعم الشباب الموسيقى العربي (ولو على مستوى محلي محدود) .
إننا - من الإدارة الفنية لأكاديمية بيت لحم للموسيقى - ندعو الزملاء العرب المسؤولين عن فرق موسيقية عربية شبابية أن نتعاون معًا في ترتيب حفلات موسيقى عربية (فعليا أو افتراضيا أو مزيجا بينهما) مع التركيز على التشاور والتنسيق المستمرين موسيقيًا قبل الحفل والقيام بورشة عمل تسبق الحفل لتبادل الآراء والأفكار للتنمية الموسيقية والتقدم .
ولا يفوتنا التقدم من الفرق الموسيقية العربية، وبخاصة في إربد بمناسبة إعلانها عاصمة للثقافة العربية 2022، باقتراح القيام بحفل مشترك عند انتهاء برنامج بيت لحم عاصمة الثقافة العربية يمهد لبدء إربد عاصمة جديدة للثقافة العربية. كما أتقدم شخصيا بفكرة جديدة وهي "العود الموسيقي للثقافة العربية" وذلك بتقديم عود موسيقي من بيت لحم إلى إربد في ذلك الحفل "على نمط الشعلة الأولمبية!". خطوة رمزية وحلقة ولو صغيرة في الربط الثقافي العربي بين مدننا في وطننا العربي الكبير .