حين كانت الأغنية العربية في عز تألقها، كانت هناك العديد من المناخات الغنائية التي تصب كلها في خانة الهوية العربية للأغنية، فكنا نتنقل بين أجواء رائعة من الغناء الأندلسي والحلبي والعراقي والمصري والمغاربي، التي كانت رغم تنوعها تشكل بمجموعها هوية الأغنية العربية .
بعد اختفاء تلك الأجواء عن الساحة الغنائية، وانعزالها في جزر مبتاعدة، وبعيدة عن سمع المستمع العربي، أصبحنا نغرق في بحر لجي من الغناء الذي لا يمت إلى الغناء العربي بصلة، فلا موسيقى عربية، ولا كلمات عربية ولا أصوات عربية .
هذه الحالة التي وصلنا إليها، والتي يرثى لها، ساهمت وبشكل كبير في ضياع هوية الأغنية العربية، وضياع الهوية في المجال الفني بالذات، ما يعني ضياع الإحساس بالوجود، فالوجدان هو المتحكم في توجيه الشعوب نحو هويتها .
نحن ندرك أن هذا الضياع لم يكن اعتباطيا، وإنما كان ضمن مخطط تآمري على الوجدان العربي، وإلا لما كُرِّست كل وسائل الإعلام العربية، الرسمية منها والخاصة، من أجل تدمير ما تبقى من هوية للأغنية العربية، ووضع كل ما يسيء لها على واجهة هذه الوسائل الإعلامية.
هذا الأمر يتطلب منا مراجعة شاملة للوضع، ويحتم على المؤسسات الإعلامية والموسيقية والفنية العربية أن تعود إلى ضميرها، وأن تسعى إلى تصحيح هذا الخلل الجسيم، الذي إذا استمر على هذا المنوال فإنه سيكون له فعله المدمر الذي ربما يفوق في تأثيره، تدمير الحروب التي تعبث بالإنسان العربي .