في قبضة العرب.. مذكرات زيتون بوكانن

2009-07-29

(عرض كتاب)


هذه القصة المؤلمة، الوحيدة التي حدثت ما بين النهرين، ذلك القطر ذو العجائب، وسأكتب قصتي كما خبرتها وعايشتها.

زيتون بوكانن.


***

تمهيد بقلم الأستاذ كامل سلمان الجبوري..

لمنطقة ديالى أهمية كبيرة بالنسبة لبريطانيا, نظراً لموقعها الاستراتيجي الحدودي مع إيران إذ يمكن الاستعانة بالقوات البريطانية الكبيرة الموجودة في إيران على قمع الثورة في الفرات الأوسط, كذلك فان اشتعال الثورة وإشعال نارها ضد الانكليز يشكل حائلا بمنع وصول تلك القوات إلى بغداد .

وقد وصلت الثورة إلى ديالى بطرق عديدة, منها الثأر بإحداث رمضان في بغداد, وبروز إمارات التذمر من الانكليز والتحفز للثورة. وانتصارات الثوار في منطقة الفرات الأوسط ولا سيما عند وصولها بشكل مبالغ فيه عن الغنائم والأسرى ورفعة الرأس ووجود من يقوم ببث الدعوة للقيام بالثورة. كالسيد حبيب العيدروسي الذي كان بمثابة حلقة اتصال بين رؤساء وزعماء الحركة الوطنية في بغداد, ومحمود أفندي المتولي الذي كان بيته مقرا للاجتماعات ومنه كان الإيذان بالثورة, والسيد صالح الحلي الخطيب الكبير وقد استدعي في رمضان لقراءة التعزية في بعقوبة فقام بواجبه الشرعي في تحريض الناس على الثورة والسيد الحلي معروف بملكته الخطابية ومقدرته الكلامية, والشيخ حبيب الخالصي وكيل الشيخ مهدي في دلتاوة - قضاء الخالص - الذي كان يتلقى الأوامر من الشيخ مهدي فيذيعها ويبلغ بها مقلدي الشيخ, فكان له اثر في اندلاع الثورة, والشيخ حبيب الخيزران رئيس عشائر العزة وقد طلب منه ثوار بغداد إن يهيئ عشائر ديالى للثورة ومنع دخول القوات البريطانية الموجودة في إيران إلى العراق, وقد جمع الخيزران رؤساء عشائر منطقته (دلي عباس)، واقسموا بالقرآن على القيام بالثورة وشاركوا فعلاً, ومحمد ابو خشيم الذي جند نفسه وعشريته للثورة بدافع الواجب والاستفادة مما يسلبه وينهبه ويغنمه .

وهكذا تهيأ الجو للثورة في ديالى وظهرت بوادرها في 6 آب 1920 في مناطق متعددة منها.

الثورة في شهربان :

ومن تلك المناطق (شهربان) المعروفة اليوم بالمقدادية، كان في شهربان - كما يذكر الدكتور علي الوردي - حامية صغيرة من الشبانة يبلغ عدد إفرادها الخمسين, يسكنون في بناية تركية قديمة تسمى (القشلة) تقع في طرف البلدة الشمالي. إما الجهاز الإداري في البلدة فكان مؤلفاً من ستة بريطانيين(1)، وعشيرة هنود وواحد مصري مسيحي اسمه اسكندر أفندي.

بدأت الثورة في شهربان في 14 آب بهجوم عشيرة بني تميم برئاسة حميد الحسن على البلدة, وهب أهل البلدة للتعاون معها, وتوجهوا جميعاً نحو القشلة وأخذوا يطلقون عليها نيران بنادقهم.

لم يشأ البريطانيون في شهربان إن يستسلموا للثوار, بل صمموا على القتال, فتحصنوا في القشلة وصاروا يطلقون النار على الثوار. إما الشبانة فقد تعاونوا مع البريطانيين في القتال في أول الأمر, غير أنهم لم يستمروا على ذلك طويلاً, واخذوا يتسللون عبر السياج الواحد بعد الآخر, وهربوا من خلال البساتين المحيطة بالقشلة.

استمرت المعركة بضع ساعات, وانتهت عند حلول الظلام باستيلاء الثوار على القشلة, فنهبوا كل ما فيها ثم أشعلوا فيها النار. وقد قتل في المعركة خمسة من البريطانيين(2)، إما السادس منهم واسمه جون بينز فقد أصيب بجروح وسقط مغمى عليه, فظنوه ميتاً وتركوه ولما أحسوا به بعد قليل يتحرك أحذوه أسيراً وأودعوه في بيت احد رؤساء البلدة اسمه الشيخ مجيد(3)، وهو ابن عم حميد الحسن(4)، رئيس بني تميم .

كان اسكندر أفندي والهنود العشرة موجودين في القشلة إثناء المعركة غير أنهم لم يشتركوا في القتال, ولما انتهت المعركة استسلموا جميعاً إلى الثوار, فأودع المسلمون منهم وهم ثمانية في بيت الشيخ مجيد, بينما أودع الهنديان الآخران وكانا مسيحيين في بيت حسن آغا زنكنة(5)، ومعهما اسكندر أفندي .

أسرع الثوار فقطعوا سكة للحديد التي تمر بالبلدة, وعندما وصل القطار القادم من كركوك الى مقربة من البلدة هجموا عليه وغنموا ما فيه. وكان في القطار اثنان من رجال الدين هما الحاج حمدي الاعظمي والشيخ نوري الشيرواني, وحين فتشهما الثوار وجدوا معهما أوراقاً مكتوبة باللغة الانكليزية, فظنوهما من الجواسيس ووضعوهما في السجن. وقد تبين فيما بعد إنهما كانا موظفين في الأوقاف وان الأوراق التي معهما ليست سوى كتب رسمية اعتيادية. وقد تشفع لهما موسى أفندي المندلاوي(6)، فأطلق سراحهما.

وقد ظهر في شهربان نزاع واختلاف بين العشائر وأهل البلدة, فقد كانت العشائر تريد نهب بعض البيوت ولا سيما بيوت اليهود , فمنعها أهل البلدة من ذلك واضطروها إلى الخروج من البلدة .

وقد صارت العشائر بعد ذلك تعبث في البساتين المحيطة بالبلدة وتسرق التمر منها, وحصل من جراء ذلك كثير من تبادل إطلاق النار بين الفريقين, ولم يعد الصفاء بينهما إلا في أوائل أيلول عندما اقتربت القوات الانكليزية من شهربان, حيث أدرك الفريقان أنهم مضطرون إلى التعاون من جديد تجاه عدوهم المشترك.

زيتون بوكانن ومذكراتها (في قبضة العرب):

كان من بين البريطانيين الخمسة الذين قتلوا في القشلة مهندس يعمل مديراً لدائرة الري في شهربان اسمه الكابتن أي . أيل . بوكانن، وكانت معه زوجته المسس زيتون بوكانن, جاءت زيتون من انكلترا وكلها شوق إلى رؤية بلاد (ألف ليلة وليلة) التي قرأت عنها الكثير في كتب الغرب, وسمعت عنها الشيء الكثير من أصحابها وصويحباتها.

صوروا لها البساتين ومجاري المياه البلورية, ودجلة الفياض, والنخيل الجبار الذي يناطح المساء, وأشعة القمر المنعكسة على مياه النهر, والدور الشاهقة ذات الإشكال الهندسية البديعة, بألفاظ ساحرة منمقة كانت تقع في نفسها وقع قطرات الندى من الرياحين والإزهار, فتاقت نفسها إلى زيارة العراق بلاد المجد والحضارة والجلال والشرف. وصلت العراق ورأت إن حلمها قد تبدد, وظنها خاب إذ لم تقع عينا رأسها إلا على كثير من مظاهر الفقر والضعف والجهل والخراب.

ذهبت إلى شهربان واتخذت لها داراً صغيرة مع زوجها في إحدى نواحيها المنعزلة وعاشا سوية بهدوء وسكينة حتى عكرت صفو عيشهما الاضطرابات والقلاقل التي تمخضت عنها الثورة العراقية, ولاقت إخطاراً جمة وصعوبات كثيرة إبان الثورة, كادت تذهب بحياتها كما ذهبت بحياة زوجها الشاب الذي كان معبود قلبها ووالد وحيدها.

أحاطت بها نيران الثورة من كل جانب وكادت تلتهمها, فتمكنت من التسلل من القشلة, وذهبت إلى بستان مجاور واختفت تحت جنح الظلام في إحدى القنوات الجافة وظلت هناك فترة من الوقت حتى قيض الله لها فتى بدويا من القبائل, مال إليها وحلت في قلبه خير محل, كان الشاب مديد القامة, جميل المنظر, اسمر اللون، يذكر الدكتور علي الوردي بأنه إبراهيم بن عبدكة الشقي المشهور. استلفت نظرها, واطمأنت من جانبه لما رأت فيه من علائم النبل والكرم والنسب. وعندما أنقذها نظرت إليه وقالت: قد صدقت نظريتي, فان من كان جميل المنظر كان كريم النفس والعكس بالعكس.

قاد الفتى السيدة الانكليزية ومعه أعوانه إلى بيت الشيخ مجيد لكي تكن في مأمن من غارات القبائل الرحالة التي احترفت القتل والسلب واتخذتها مهنة تعتاش منها .

بقيت زيتون في بيت الشيخ مجيد ردحاً من الزمن, وكان البيت الذي أودعت فيه من الطين ومقسوماً إلى قسمين: احدهما مخصص للنساء, والآخر للرجال, فأودعت في قسم النساء (بيت الحريم) بينما أودع الهنود المسلمون ومعهم جون بينز في القسم الأخر, وتشكو زيتون من الشيخ مجيد لأنه فيما تدعي قد أذاقها الجوع والحرمان ولم يوفر لها أية حاجة ضرورية طلبتها, فظلت في ملابسها القذرة الملطخة بالدماء طيلة مكوثها في البيت.

كانت زيتون مصابة بجروح في جنبها, ثم أصيبت بالزحار والحمى, وتقول ان عناية البيت بها كانت قليلة جداً. ولكنها تذكر عن الذين أودعوا في بيت حسن آغا زنكنة , أنهم كانوا في وضع جيد, فقد وفر لهم حسن آغا الطعام الوفير بحيث أنهم كانوا يتناولون الطعام ثم يأتي أهل البيت بعدئذ ليأكلوا منه, وحين جاء بعض الثوار يريدون الإساءة إليهم وقف حسن آغا يمنعهم من ذلك, وقال: أنهم لا يمكن إن يدخلوا بيته إلا من فوق جثته.

وقد درست زيتون في إثناء الأسر عادات وحالات المرأة المسلمة الاجتماعية فوصفتها أدق الوصف وأجمله , دون التحيز إلى قوميتها ودينها, راقتها بعض الفتيات وسعت إلى التقرب منهن إلا إنهن رددنها خائبة بعد إن احتقرنها لجنسيتها ودينها ولكنها لم تعبأ لهذا النفور واعتبرته طبيعياً .

سئمت زيتون العيش في منزل الشيخ الخرب وتاقت نفسها الى الرجوع الى حيث تركت وحيدها في انكلترا بعهدة جدته العجوز وتقدمت بطلب ذلك من الشيخ نفسه فرفض طلبها وأمنها على حياتها.

لم تكن تحسن التكلم باللغة العربية, فكان يقوم بحمل الكلام بينها وبين الشيخ مجيد فتى عربي, يمت بصلة بعيدة إلى الشيخ مجيد, فكان يواسيها ويطرد عنها الغم والحزن, بنكاته وطرائفه التي كانت تضحك لها. سألت يوما عن رفيقها الشاب الذي أنقذها من خطر الموت وذاد عن حماها فأجابوها أنهم لا يعلمون عن هويته شيئاً, والى أي قبيلة يمت, جال خياله في مخيلتها فأعجبت بشكله وأخلاقه فخشيت إن تزل بها القدم وتقع في حبه فطردت صورته من نفسها وعزمت إن لا تفكر به قط.

وفي إثناء إقامتها في دار الشيخ مجيد بلغتها الإخبار إن بعض من خدمها إحياء يرزقون, فطلبت رؤيتهم فحضروا إمامها وسألتهم عن زوجها وأعوانه الانكليز الذين كانوا يشغلون بعض الوظائف الإدارية في شهربان فأجابوها إن جميعهم قد فارقوا الحياة وان أرواحهم الشهيدة قد ذهبت إلى بارئها تحمل إليه كرم النفس والخلق .

وتذكر زيتون إن نساء البلدة عندما علمن بوجودها في بت الشيخ مجيد جئن يتفرجن عليها, وجلسن حولها مع ضجيج وضوضاء لا تحتمل وصرن يتحسسن بأصابعهن ثيابها وشعرها وكعبها حتى بدأن بقياس ساقها, كما حاولن النظر إلى أسنانها, وعند هذا نفذ صبرها فدمفعتهن بعيداً عنها, وأمرتهن بالخروج ثم تذكرت عند ذلك زوجها فأخذت تبكي عليه, وقد استغربت حين رأتهن يبكين معها بكاء شديداً ويظهرن لها حزناً حقيقياً.

وتقول إن رجلا حاول التحرش بها في ساعة متأخرة من الليل إذ كانت آنذاك مطروحة على فراشها فوق السطح, فلمحت رجلا يعبر بهدوء من قسم الرجال متجها نحوها, فهبت مذعورة صارخة, واستيقظت النساء على صراخها, وحدث ضجيج من أهل البيت وقد اعتذر قائلا بأنه كان يقوم بالحراسة, وقد جاء إلى هنا ليرى هل إن الأمور تجري على ما يرام .

وفي احد الأيام زارها الشيخ حميد الحسن وأبدى لها عطفاً وأوصى ابن عمه الشيخ مجيد برعايتها وتلبية طلباتها, فقال الشيخ مجيد انه قد لبى جميع ما طلبت, ولكنها تعلق على ذلك بقولها: انه يكذب.

وفي يوم آخر زارها الشيخ حميد الحسن ومعه عدد من الرؤساء كان من بينهم حبيب الخيزران رئيس العزة, وكان حبيب يحمل رسالة إليها من الكابتن لويد(7)، الذي كان في رعايته في دلي عباس, وهو يطلب في رسالته إن تأتي إلى دلي عباس لتعش معه في رفاهية وقد ابدى حبيب الخيزران استعداده لنقلها إلى هناك ووافقت هي على ذلك, غير إن الشيخ مجيد سألها معترضاً: لماذا ؟ هل أنتِ لا تحبين البقاء هنا ؟ أليست نسائي في خدمتك؟ ألم توفر لك كل ما تحتاجين إليه من الشاي وكل شيء ؟ فأجابت زيتون : وكان اسكندر أفندي يترجم كلامها : بانها لم تحصل على كل ما طلبت, وان الشيخ مجيد يعرف ذلك. وانتهت المحادثة أخيراً بخروج الرؤساء حيث تركوها باقية في مكانها.

وتحدثنا أيضاً : إن ذات ليلة حدثت ضجة كبرى في البلدة سببها إن فارساً مسرعاً جاء الى البلدة عقب غروب الشمس وهو يصرخ: (بغداد سقطت) ولم يكد هذا النبأ ينتشر في إنحاء البلدة حتى عم الضجيج فيها, وانطلق الناس يهوسون ويطلقون الرصاص بكثرة.

وأخذت النساء يتحدثن من فوق السطوح كل واحدة تنادي على الأخرى لإخبارها بالنبأ, ثم ارتفعت زغاريد النساء في كل مكان, ووقفت زيتون مع نساء البيت تنظر من فوق السطح إلى ساحة قسم الرجال, فوجدتها مليئة بالرجال وهم يدورون ويهوسون ويلوحون بخناجرهم وسيوفهم ويطلقون الرصاص في الهواء, وكانت هوستهم حسبما روته زيتون هي (بغداد سقطت، حسن حسين).

شعرت بالحزن العميق بسماعها نبأ سقوط بغداد لأنها فقدت به كل أمل بالنجاة وهي تقول إن إخباراً أخرى أخذت تصل إلى البلدة مفادها : إن الانكليز هربوا إلى البصرة بعد ان ثارت العشائر كلها عليهم, وان الأتراك قادمون وقد وصلوا إلى قزلرباط, وسوف يصلون إلى شهربان قريباً. ثم ظهرت بعدئذ طائرات في سماء البلدة فهتف الأهالي لها ظنا منهم أنها طائرات تركية .

وفي أواخر آب قرر الشيخ حميد نقل المسس بوكانن من بيت الشيخ مجيد إلى بناية المدرسة التي كانت يومذاك خالية من التلاميذ . وقد نقل معها إلى تلك البناية جون بينز واسكندر افندي والهنديين المسيحيين والظاهر انه فعل ذلك للترفيه عنها, وقد شعرت هي فعلا بشيء من الراحة النفسية في مسكنها الجديد, ونالت فيه مزيداً من العناية, وقد زارها فيه الشيخ حميد الحسن وقال لها: ان عنايته بها ليس من اجل الحكومة البريطانية فهو لا يحب تلك الحكومة, بل من اجل الميجر باري(8)، لما له من فضل سابق عليه إذ هو قد عامل نساءه, أي نساء الشيخ حميد، معاملة حسنة. وكان الشيخ حميد يقصد بذلك الميجر باريت الذي كان حاكماً سياسياً في بعقوبة في أواخر عام 1917. وتقول زيتون أنها لا تعرف من هو هذا الميجر, إنما هي أحبت الشيخ حميد لصراحته.

لم تمض على المسس بوكانن في مسكنها الجديد سوى أيام قليلة حتى بدأت الإشعاعات تنتشر بين الناس عن تقدم الجيش الانكليزي نحو البلدة. وفي ذات مساء سمعت المنادين ينادون في الطرقات يطلبون من النساء تحضير الخبز لأبناء العشائر الذين سيخرجون لمحاربة الانكليز في الصباح التالي, وتقول المسس بوكانن تعليقاً على ذلك: ان العشائر وأهل البلدة عادوا إلى الاتحاد من جديد, وصارت هي تسمع جعجعة الرحى من مختلف إنحاء البلدة, وعند استعادة شهربان واقتراب القوات الانكليزية منها تقول المسس بوكانن: ان الأهالي بدأوا يغيرون سلوكهم نحوها, فقد جاء إليها الكثيرون منها يسألونها عن صحتها ويعبرون عن عطفهم عليها, ويسألونها هل من حاجة تطلبها منهم لكي يلبوا طلبها. وفي عصر يوم 8 أيلول صار المنادون ينادون في السوق بان العشائر قد انكسرت تجاه الزحف الانكليزي, وشاهدت زيتون بعض الأشخاص فوق المنارة وهم يشيرون باضطراب نحو الجهة التي جاءت القوات الانكليزية منها.

وفي 9 أيلول جاء الشيخ حميد الحسن إلى زيتون وهو في عجلة وتظهر على وجهه علامات الرعب واخذ يحدثها عن فخامة القوات الانكليزية القادمة وما يصحبها من مدافع كبيرة وطائرات وخيول وقطار مصفح , وذكر لها انه مضطر إلى الهروب, ولذا فهو يطلب منها ان تكتب له مذكرة تشهد فيها انه لم يكن في شهربان عند اندلاع الثورة فيها وانه جاء إليها بعدئذ, فكتبت له زيتون المذكرة حسب طلبه, فأخذها وخرج مسرعاً لا يلوي على شيء.

ثم جاء إلى زيتون بعدئذ أشخاص آخرون, وأحاطوا بها في ضجيج, كل واحد يطلب منها ان تكتب له مذكرة تشهد فيها انه (خوش آدمي) ... فكان جوابها لهم جميعاً:(ان البريطانيين عادلون) وقد كررت عليهم هذه العبارة نحو خمسين مرة, ثم جاء إليها آخرون يطلبون منها كتابة مذكرة بأنهم هم الذين أنقذوها وأخذوها إلى بيت الشيخ مجيد, وتعلق زيتون على طلباتهم هذا قائلة: أنهم لو كانوا كلهم شاركوا في إنقاذي حقا لوجب ان يكون عددهم بضع مئات, وأخذت التحيات الحارة والمجاملات تنهال على المسس بوكانن من كل جانب، وأسرع بعضهم يضع الوسائد وراء ظهرها وتحت قدميها, وسألها احدهم ماذا تحب ان تأكل, فأجابت بلا وعي:(دجاج وخضروات) وقد إصابتها الدهشة الشديدة بعد قليل حين وجدت طلبها قد تحقق بكل ممنونية, حيث جيء لها بالدجاج مصحوبا بالرز والطماطة المشوية, مع علبة السكاير الانكليزية.

دخلت القوات الانكليزية شهربان فـي اليوم نفسه, وذكرت زيتون ان كوننغهام(9)، جاء إليها وعرض عليها رجلا من أهل البلدة وطلب منها ان تتفحصه لترى هل هو الذي قتل زوجها في معركة القشلة؟ ونظرت إلى الرجل وتساءلت مع نفسها هل لديه زوجة وأطفال, ولكنها صممت ان تكون جامدة العاطفة تجاهه حيث تذكر ان الثوار لم يفكروا هذا التفكير حين قتلوا زوجها, وفي اليوم التالي قتل هذا الرجل رميا بالرصاص, وتعلق زيتون على ذلك قائلة: ان هذا الرجل لم يكن من قتلة زوجها غير أن التهم التي وجهت إليه كثيرة، أما قاتل زوجها فهو بني تميم وما زال طليقاً.

كما هدم الانكليز أربعة بيوت في شهربان, واعتقلوا عدداً من رؤسائها كان من بينهم الشيخ مجيد الحسن, كما اعدموا رجلاً واحداً هو الذي ذكرته زيتون وتنتقد بوكانن القيادة الانكليزية على تساهلها مع شهربان, إذ هي في نظر زيتون لم تنتقم من تلك البلدة كما ينبغي. فان العقوبات التي حلت بشهربان قد اعتبرتها غير كافية لبلدة قتلت خمسة بريطانيين.(10)

هذا عرض موجز لمذكرات المسس بوكانن:


IN THE HANDS OF THE ARABS

By

ZETTON BUCHANAN

وتعريبه:( في أيدي العرب أو في قبضة العرب).

وقد طبع من قبل :

Hoader and Stoughton Limited

London-New York-Toronto

وقد صدرته بمقدمة وإهداء نصه:

( إلى الإخوة الأعزاء: الكابتن براد فيلد, والكابتن ريكلي والى زوجي الكابتن أي. أيل. بوكانن).

وقد نشرت هذه المذكرات مترجمة على صفحات جريدة الإخبار البغدادية من العدد (140) في 4 كانون الثاني 1932 حتى العدد (178), وتعتبر اسم الجريدة إلى (الإخاء الوطني) فاستمرت بنشرها من العدد (179) في 23 حتى نهايتها في العدد (231) في 22 تموز 1932, بتسع وثمانين حلقة, غفلاً عن اسم مترجمها, الذي بحثت عن معرفته كثيرا فلم أهتد .

وكانت هذه الترجمة مليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية والمطبعية, وتنقصها الصور الفوتوغرافية الموجودة في الأصل الانكليزي.

وبما أنها مصدر مهم مـن مصادر تاريخ العراق السياسي, لم يطبع مثيله - مذكرات أسير أو أسيرة في ثورة العشرين - تسرد الإحداث والمواقف التي عاشتها بنفسها ضمن المنطقة التي كان زوجها موظفا فيها, وحسب منظورها الشخصي إذا ما قورنت بعض فصولها مع ما أورده بعض القادة العسكريين البريطانيين, أو رجال الثورة العراقية في مؤلفاتهم ومذكراتهم, نجدها تختلف مع القادة أحياناً ومتفقة مع الثوار, وأخرى بالعكس, فهي تنظر إلى الثورة على وجه العموم نظر من وكل إليهم قمعها, باعتبارها تمرداً أو عصياناً في مفهوم المحتلين, لذلك لم نجد بدأ من ان تتغافل أو تغفل ذكر بعض الأمور بقصد أو بغير قصد.

وعلى كل حال فالكتاب يضم بين دفتيه معلومات قيمة مهمة عن بعض الموقف الثوري في منطقة ديالى بصفتها زوجة احد الموظفين العسكريين الانكليز.

كل تلك الأمور هي التي حملتني لان أقوم بنقلها وتصحيحها ومطابقتها مع النسخة الانكليزية, كما رغبت في توضيح بعض الأمور بتعليقات وتعقيبات واستدراكات وتصويبات أثبتناها في الهوامش نجلي فيها بعض الحقائق, ليكن القارئ على بينة من مجريات الحوادث. وان لنا رأينا الواضح الخاص بثورتنا الكبرى, فلا نقر بكل ما ذكرته بوكانن, وما نحن بمقريه, ولئلا يشيع الرأي الخاطئ عن طريق هذه الترجمة.

وكتبت تمهيدا لها يوضح موقف منطقة ديالى من الثورة العراقية ومقدماتها .

وقد الحقت بالمذكرات مجموعة الصور الواردة في النص الانكليزي وأضفت إليها مجموعة من ارشيفي الخاص .

فجزيل شكري وتقديري للشيخ حبيب الخيزران - رئيس عشائر العزة في ديالى, لتفضله بتزويدي ببعض الملاحظات في التعليق على هذه المذكرات وبقائي عنده بضعة أيام أطلعني خلالها على بعض الشخصيات المشاركة في الثورة.

هذا ما تمكنت من إيضاحه وتقديمه للقارئ الكريم, رغبة مني في نشر الفائدة, وآمل ان اكون قد قمت ببعض الواجب الذي تحتمه علي خدمة وطني .

ومن الله أستمد العون والتوفيق . وهو حسبي ونعم الوكيل .

العراق / الكوفة

في يوم الجمعة 30 حزيران 1978م

22 رحب 1398هـ


كامل سليمان الجبوري

مذكرات زيتون بوكانن/م2

***


تخريج الكتاب:

العنوان: في قبضة العرب.. مذكرات زيتون بوكانن.
تحقيق وتعليق: كامل سلمان الجبوري.
دار الجيل للنشر والطباعة والتوزيع.
الطبعة الأولى.
بيروت - لبنان.
2004م.
عرض ومطالعة ونشر الكتروني: السفير انترناشونال للعلوم والدراسات الإنسانية، ضمن مشروعها: ببليوغرافيا أراكي أبجدية الحرف والكتابة والتدوين، بغداد تكتب.. تطبع.. تقرأ.
alsafeerint@yahoo.com

TEL: 964 7707902338


***


الخاتمـــــة:


انتهت حكايتي وقد تضمنت حقائق جلية عن مأساة شهربان، هذا وما صدمني في بغداد صدمني بقوة أشد عندما وصلت لندن. أزعجتني الأقاويل الملفقة عن حوادث شهربان التي راجت في البلدة, تلك الأقاويل الروايات التي انبعثت في صفوف الجيش الليفي العربي والتي لا تنطوي على شيء من الحقيقة.

الأرجح ان الذين نقلوا هذه الروايات إلى بغداد هم الأشخاص الذين فروا من الجيش فرصدوا زوبعة القشلة من محل أمين. لا يزال هؤلاء تحت الخدمة الأمر الذي يسهل مناقشتهم الحساب عن الإخبار التي أذاعوها في وسط يعير لها سمعاً, إما القول بان إفراد الليفي كانوا مخلصين مطيعين يقاتلون ويموتون جنب رؤسائهم البريطانيين تقول لا ظل له من الحقيقة.

هناك حكاية تناقلتها الألسن بتساؤل الناس ( كيف ذهب الكابتن بوكانن معاون مدير الري إلى القشلة في حين ان وظيفته لا تستدعيه للذهاب إلى هناك؟ وعليه فالكابتن بوكانن وعقيلته كانا في الخندق ).

كانت شهربان مقر دائرة زوجي وكنا نتلقى الأوامر ( كما يتلقاها غيرنا من الموظفين ) التي تصدر من الكابتن ركلي وبراد فيلد بوجوب انتقالنا إلى القشلة بغية النجاة . أفكان بإمكاننا ان نتردد ان نذعن طائعين؟

ثم لغط القوم كثيراً عن معاملتي, واعتقد أنهم لو عرفوا حالتي عندما وصلت بغداد لو عرفوا ان وزني نقص من 9 اتونات و 8 باونات إلى 6 استونات و9 باونات لعلموا مبالغ العناية بي وعلى كل حال لم يذق احد مرارة الألم والعذاب سواي.

من العبث ان تتمسك السلطات بالقول انها كانت واثقة من نجاتي وحسن معاملتي اذ ان الحكومة حينذاك كانت محتقرة ومكروهة من العرب, لقد قتل كثير من الموظفين الانكليز لا لبغض شخصي بل لكونهم من خدمة الحكومة وعليه فما الدافع الذي يحملهم على مساعدتي وانا قرينة موظف بريطاني ؟ لقد كنت مكروهة طبعاً للسبب السالف الذكر.

ارتكبت السلطات إهمالاً آخر فظيعا وهو عدم إرسالها قوات حامية قبل سقوط القشلة, لم تكن السلطات جاهلة وضعنا وشهربان لا تبعد عن بغداد سوى60 ميلا كما وان الثورة لم تكن آنية وعليه فالفرص كانت كافية لإرسال عدد من السيارات المدرعة لحمايتها او عدد من الطائرات اذ ان نوعيهما متوفران في بغداد .

كان في العراق ما لا يقل عن 13000 جندي أبيض واذا أضفنا اليهم الهنود بلغوا 70000 , ان المستر لوفات فريزر اعترض في جريدة الديلي ميل بتاريخ 30 آب قائلا :-

ان سياسة أركان حرب الإمبراطورية كانت: تشتيت فرق صغيرة من الجيش على كل مساحة 150000 ميل مربع ولكن الحامية التي استقرت في بغداد عظيمة ومع هذا فقد زحفت على شهربان بعد ان انتهى كل شيء .

ان الدولة التركية التي لم يرتح لها العرب كانت قد وطدت الأمن بما لا يزيد عن 20000 جندي إما نحن فملكنا 70000 جندي مجهزين بأحدث الوسائط الحربية التي افتقدتها تركية ومع هذا فقد تأخرت عن تأديب قوم مشاغبين.

أكانت هذه عقوبات مناسبة ؟ إنني أؤكد بان أهالي شهربان او قسما منهم دعوا إفراد القبائل للنهب ولإتيان أردأ إعمالهم. وبعد ان قتلوا أهلنا وسرقوا دورنا تخاصموا مع الأهالي فكان نصيبهم الطرد. ولما تعاظمت قوة العشائر وتصور الناس ان سيثورون ثانية وضعونا في بيت فارغ بلا حماية احد حتى إذا ما هجم احد علينا وذبحنا لا يكن هناك من مسؤول. ولما تقدم الانكليز تصالح الطرفان واتحدا لمقاومتنا. أوشك البدو على الاندحار وشرعوا يهربون من إمام جيشنا فأوصدت أبواب المدينة وظل رجال القبائل خارجها فبقي داخلها أناس عزل ينتظرون قدوم البريطانيين .

إذا ارتكب احد البريطانيين جرماً في ابعد شقة من العالم زمروا له وشهروه, الا اذا نهب العرب وارتكبوا إعمالاً لا يرتكبها الوحوش الهمج وخطفوا زهرة شبابنا أفلا يؤاخذهم أحد؟ لو انزل قصاص صارم على أهالي شهربان في وقته لجاء درسا للأهالي وعبرة لغيرهم فينقطع حينئذ دابر الثورات كما حصل في آخر تشرين الأول حينما أطلقت البدو نيرانها على الخيانة الاستكشافية من عمرانية التي تقع عشرة أميال جنوباً.

* * *

في الثالث عشر من آب 1920 قتل خمسة بريطانيين في شهربان . ولغاية كتابة هذه الأسطر لم نحصل على أية قرينة تدل على إقامة تذكار لهم أو بناء شاهد على قبورهم . أليس هذا ما يسوق العرب على الاستخفاف لعدم تخليد ذكرى شجعاننا؟ ألا يقول العرب إننا لا نبالي بهم؟ لا صليب يشير إلى مرقدهم سوى أشعة الشمس تشرق أبداً على تلك القبور المحاطة بالجدران الطينية .

 


الهوامش والاحالات:

1- الكابتن جي . تي . براد فيلد: قائد الشبانة العرب في شهربان.

2- على اثر هذه الحادثة صدر البلاغ الرسمي من الحاكم الملكي العام ببغداد في 24 آب سنة 1920 ونشر في جريدة العراق بعددها المرقم 72 ونصه: ان الحاكم الملكي العام يعلن بكل أسف وقوع وفيات الآتية أسماؤهم, القبطان (رايتلي) معاون الحاكم السياسي, والقبطان بروفلد زعيم رجال الخفر, والمستر بوكنن, والسرجن ميجر نيوتن, ونسبت البوليس. وقد قتلهم العرب في شهربان يوم 5آب 1920 عند هجومهم على مركز رجال الخفر، وقد قاتل الخفراء العرب مقاتلة الابطال مدة ثلاثة ايام حتى نفذت ذخيرتهم فمات منهم كثيرا قتلا مع ضباطهم.

3- الشيخ مجيد: بن سليمان بن مصطفى العزاوي, من فخذ البو بكر. من وجوه شهربان ومن أقدم العائلات فيها. لم يكن ابن عم للشيخ حميد الحسن كما ذكرت المس بوكانن, ولكن الثاني كان كثير التردد على الشيخ مجيد, وتربطه معه روابط مصاهرة ونسبة. اذ كانت ام الشيخ حميد من أقرباء الشيخ مجيد. توفي عام 1925 .

4- حميد الحسن: هو حميد بن حسن السليمان المحمد الراشد الأطرش, الرئيس العام لبني تميم, معروف منذ أمد بعيد, ومسلم له بالرئاسة لا ينازعه منازع - والرئاسة كانت فيهم مدة طويلة ولا تزال لهم في لواء ديالى, ولي النيابة مرتين وكان أبي النفس, كريما شهماً. توفي في 4 نيسان 1956 وهو من الأخيار.

5- حسن آغا زنكنة: يوزباشي من رؤساء الأكراد, سكن شهربان قبل الثورة بمدة تزيد على الأربعين عاماً, وكان له عند قيام الثورة 75 عاما من العمر, سلمته الحكومة العثمانية (سلطة تنفيذية) بتعقيب وتأديب المستهترين في المنطقة (الأشقياء) وكان شجاعاً مهاباً. استقبل الانكليز وسار في ركابهم عند احتلالهم شهربان.

6- موسى افندي المندلاوي: هو موسى العباس أفندي, رئيس العكابات من بني تميم في مقاطعة الروز - المقدادية.

7- الكابتن لويد: وهو الذي اصبح يعرف بعد ذلك باسم القاضي لويد, وقد اشتغل رئيسا لمحاكم البصرة مدة من الزمن, واشتغل بعدها مديراً عاماً لجمعية التمور عدة سنين, وكان الذي احتفظ به عنده من رجال الثورة حبيب الخيزران شيخ العزة فقد أبقاه ومعه المستر ستراخن مهندس الري في مقره بدلي عباس وعاملهما معاملة حسنة. ويروى عن حبيب ان الكابتن لويد حاول ارشاءه بأربعين إلف روبية ليطلق سراحه فلم يفعل الشيخ بذلك.(السر أرنولد ولسن: الثورة العراقية ص 114).

8- الميجر باري: هو الميجر باريت, وقد كان حاكماً سياسياً في بعقوبة أواخر عام 1917.

9- كوننغهام: الجنرال

10- أخذت هذه المقدمة من المصادر التالية:

فريق المزهر الفرعون: الحقائق الناصعة في الثورة العراقية بغداد 1952.

فيليب ويلارد ايرلاند: العراق دراسة في تطوره السياسي: ترجمة جعفر خياط، بيروت، 1949.

علي الوردي: لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج5، ق2، ص30-55، بتصرف وإضافة عن:

احمد الرجيبي: تاريخ بلدية بعقوبة، ج2، ص108-109 .

جعفر الخليلي: هكذا عرفتهم، ج1، ص108-109.

أوراق الشيخ جعفر بن الشيخ حبيب الخالصي المخطوطة.

فريق المزهر الفرعون: الحقائق الناصعة، ص 323-324.

مجلة لغة العرب، ايلول، 1912 .

علي البزركان : الوقائع الحقيقية ص 172 .

حديث شخصي مع عمران بن موسى افندي المندلاوي اجراء الدكتور علي الوردي .

Zetton Buchanan ( In The Hands of The Arabs ) London .

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved