في زمن الكورونا تنطحني ذكريات طفولتي

2020-12-30

في زمن "كورونا"  تنطحني ذكريات طفولتي : الطست ويدو . أخي "أمين"يلعب بورق "بازوكا"٠ يصنع منه  صاروخا .  يسميه سكود٠ يلقيه  في الفضاء. لا علم له أنه سلاح أمريكي .

أنا أردد بصوتي المقامة المضيرية لبديع الزمان لأحفظها،

-".. يا غلام الإبريق، فقدمه وأخذه التاجر فقلبه ثم قال : وأنبوبه منه، لا يصلح هذا الإبريق إلا  لهذا الطست، ولا يصلح هذا الطست إلا مع هذا الدست إلّا في هذا البيت، ولا يجمل هذا البيت إلّا مع هذا الضيف، أرسل الماء يا غلام فقد حان وقت الطعام ."  

صوت أمي الناعم يرن في أذني :

-افركي يديك بالماء والصابون . اطلبي من أخيك  أن يصب على يديك الماء من البقرج في وسط الطاس . اغسليهما جيدا.

أنا لا أفتح الحنفية٠الماء مباشرة ينزل على يدي.تنبهني أمي أكثر من مرة إلى غسل اليدين بالماء والصابون٠أغسلهما فوق الطست، ولا أنظر تحت، صورة منجل على جدار قطعة الصابون، منجل يشبه سلاح سكود . أعلك بين الأضراس والأسنان  "بازوكا".  لم أكن أنظر  إلى فقاقيع الرغوة . كنت على استعجال لنتقاسم طاجين اللحم بالسفرجل الذي لا يلذ لي أكله، لأنه على مذاق الليمون الحامض. غالبا ما كانت أمي تضيف قضيبا من القرفة وقطعة من السكر في المرق الذي أغمس فيه خبزي، وهي تلقنني درسا في فقه الصحة من خلال حكاية السفرجل :

- هذه الفاكهة اسمها مقرون بالشفاء : شفى رجل (بالعامية)

تعيد أكثر من مرة، أن رجلا أصيب بفيروس وشفي من مرضه بتناول هذه الفاكهة. يدعم حكايتها جدي عن سفرجل:

-سنة 1923 مرض الجنرال "ليوطي" وشاع خبر مرضه بفيروس ألتهب كبده، فرفعت الدعوات له في المساجد والزوايا وضريح المولى إدريس، ونصحه فقهاء الصحة من القرويين بتناول طاجين لحم الغنم بفاكهة تشبه التفاح لها مذاق حامض، وشفي "ليوطي" وسميت هذه الفاكهة بسفرجل .

تنطحني طفولتي. أعلك "بازوكا" ، وجدي يرتل الآية (وعنت الوجوه للحي القيوم). العلكة بين شفتي . أحصر فقاعة بلون ورد مگونة . أحدث قنبلة "بازوكا".  أخي "أمين" يصب بالإبريق على يدي الماء وأغسلهما فوق الطست . لم يكن عندي متسع من الوقت للفرك وصنع فقاعات عندغسل يدي بالماء والصابون٠ لا أرى فقاعة كبيرة  تكبر وتكبر، تشبه علكة "بازوكا " التي في داخل فمي٠ كان أخي يسرع في صب الماء وأنا أُسرع لتناول طاجين السفرجل الذي لا يلذ لي مذاقه، ولم أكن أعلم أن المغرب يصنع صابون المنجل وأمريكا  تصنع سلاح سكود . في زمن"كورونا" أغسل يدي أحد عشر دقيقة كما توصيني الدكتورة ليلى الإدريسي. أرى فقاعات رغوة الصابون كثلج مونتريال بياضا . أعد الفقاعات : أحد عشر٠ كنت أحاول أن أحفظ  "المقامة المضيرية" بالترديد٠ أُردد وأقول :"حان وقت الظهيرة : يا غلام الطست والماء.. ضع الطست، وهات الإبريق، فوضعه الغلام،.." وحينئذ كانت أمي توصيني بغسل اليدين فوق الطاس وأخي يصب الماء بالبقرج . 

 

 

لطيفة حليم

 أستاذة جامعية وكاتبة حاصلة على شهادة الدكتوراه، تعيش ما بين كندا وبلدها المغرب، صدرت لها روايتان “دنياجات” عام 2007 عن منشورات زاوية الفن والثقافة، و“نهاران” عام  2012   عن دار فكر المغربية بالرباط . بالإضافة إلى نشرها العديد من المقالات والمواضيع في مطبوعات متعددة .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved