
اهداء
الى غربة المؤمنين بالحق بين أقوامهم......
الى عشيرة حكمت علي برفع لقبها من اسمي خوفا على شبع بطونهم بعد جوع وحصار.......
أود الخروج من هذا المكان..
لعلي حين أركض في الوادي أجد مخرجا ما من ضيق صدر الجبل بي..
الكهوف المظلمة تختبيء خلف فوضى الأشجار.. ، و الشمس تجلس على رأس الجبل في غير تعال منها.. ، و لغط القرية ينطح السماء دون منائر.. ، دون رغبة من الرب في صلاة قومه..
ليس جديدا عليّ تبرمهم من توغلي في الغابة.. ، ولا موافقتهم لفتوى جوان مخترع العابنا الذي لا يضاهيه أحد في ذلك:
_هذا لا يقع ضمن إتفاقنا على قوانين ألعاب ألفناها كل يوم.. ، كما اننا نعرف جيدا ان السعلاة والوحوش تتربص بنا هناك..
حكاياتي عن السهل الممتد في أراض لا تستوطنها الأشجار أضيفت الى أطنان الكذب التي رصدوها تطن في رأسي طنين الذباب، وأصبح لديهم يقين بجنوني عندما أعلنت سورة البحر والصدف، وامتداده حتى خط غريب يرافق الشمس أينما ذهبت، لا ترى بعده العين شيئا..
أما سورة النهر وعذوبة مائه، وإتصاله بنبع قريتنا، فقد كانت محض نكتة، تندروا بها عليَّ طويلا، وصرت _ وفقا لغرابتها _ خاسرا بينهم في كل لعبة، وإن فزت فيها حقا، أو تفوقت على جوان أيضا..
إشتكى بعضهم لأبي بسبب إفسادي لسباقاتهم وألعابهم بسوري العابثة بيقينهم الخالص..
_ لا تقصي كل كابوس حلمتِ به على رفاقك في اللعب..
هكذا نصحني أبي موبخا إياي..
لم يجد نفعا قسمي له انني قد سبحت حقا في البحر، وفي النهر مرارا، لم يفهم أصلا معنى كلمة سبحت، ولم يعرف معنى كلمتي نهر وبحر، فجميع ما قلته من غريب الألفاظ، تمخضت عنها لغتي الأنثوية اللقيطة..
بلا شك أسَرَتني الوحدة.. ، وأضحيت أرتقي الجبل كل يوم قاصدة كهف إمرأة عجوز، أتهمت قبل أن أخلق أنا بالجنون..
عظمت فرحتي.. حين صدقتني تلك المجنونة، ووافقتني مؤمنة بوجود كل ما أنكره الآخرون علي.. ، غير انني سرعان ما شرعت ببكاء مرير، وأنا أصغي لنصائحها الهادئة..
في الليل، وأنا أرتجف تحت دثاري مغتالة بحمى الاغتراب، تذكرت ما قالت، وعيناي تطاردان النجوم في تظاهرتها التي لا تنتهي الا عند قمة الجبل..
ترفّل صوتها أمام الصمت كما لو ان وحي جبريل قد تداخل معه..
_ لعلك عند مفترق سبيلين لا ثالث لهما، إن شئت استمري في ثرثرتك حول ما لا يرونه حتى تصادفي يوما ما طفلا جريئا يتناوشك بالحجارة، لينضم بعدها أقرانه اليه.. يتبع ذلك إستحسان الكبار لما يردده الصغار، لتمر الأعوام، وتشيخي في كهف مشابه لكهفي..
وسيان إن هربت بجلدك عند أهل النهر والبحر، فهناك أيضا لن يصدقوا حكاياتك عن الجبل والوادي، والناس التي لم تر نهرا أو بحرا أبدا، ولن يطول الوقت حتى يتجمع حولك الصغار بحجارتهم، والكبار بتندرهم..
استطالت الكلمات كعتمة ليل لا ينتهي، وشق علي أن أحتمل صدى صوتها بين رؤوس الجبال، وقعر الوديان لولا تمرد فكرة في رأسي المضطرب.. ، قمت بتنفيذها على الفور..
على ورق المدرسة الرخيص دونت ما علق بذهني مما رأيت، كما تدون قصص الخيال والروايات..
_ أتندهشين مما أفعل يا جدة؟
أظن ان لكل شيء هيئته الاسطورية بين منحنى الادعاء المضطرب، واستقامة الصدق العجول، وبلاهة الايمان...
ربما سأحشر كتاباتي يا جدة في قوارير زجاجية مغلقة لتسير مع مجرى النهر والبحر.. وصولا الى منتهى إلتقاء السماء بالأرض..
لعل مجنون آخر يعثر عليها، فتغتنمه سعادة وجود من يشاركه جنونه، وقد تكتنفه شجاعة الرسل بما يكفي لوضع قصته بقارورة تبلغني مع ريح الشتاء الثلجية..
ربما يا جدتي المنفية في كهف، سنتفق بعدها أنا والمجنون المفترض على موعد لقاء..
وقد تتكاثر القوارير كتكاثر الأنبياء في العصور الغابرة.. وتصبح أكثر من السمك، وما تحمله الريح من بذور لقاح، فلا يحصي صياد سمكة الا مع قارورة أو ثلاث.. ولا تهب عاصفة الا ومعها قوارير المجانين..
قد نغدو شعبا من صناع القوارير، نقيم في كل مكان مهرجانات تتناثر كأوراق خريف، وتتناغم مع الفصول..
قد نتجمع في جزيرة غوانتانامو دون حراسة مشددة، وبرغبتنا المحض..
وقد يعدو هذا محض هلوسة مني يا جدة.. ، أو نضوج مبكر لجنوني، قبل أن يكتشفه رفاقي الصغار، وكبار القرية.. ، قبل موعد رجمي بحجارة كإبليس في كعبة الحجيج..
__________________________
ملاحظة لجدتي قبل إقتراف المعصية:
أنا في طريقي الآن الى البحر كي أرمي فيه أول قارورة جنون...........
د.ماجدة غضبان
كاتبة عراقية
طبيبة بيطرية