
ين تلقيت نسختي من الكتاب الصادر قبل اسابيع بعنوان ( صاحب الشاهر: ابن القرى والوطن الشاعري ) لمؤلفه الدكتور علي الفتال تملكني فرح غامر لم اعتده في زمن الرماد ، فهذا كتاب جديد اصدره شاعر وباحث واكاديمي معروف ومنسوب لجيل خمسيني أفل اغلبه او ساح في امواج الأجيال ولكنه ( اعني الدكتور علي الفتال ) حرص على التواصل البار ( في غير هذا الكتاب ) بالأجيال الجديدة فكتب عنهم واستكتبهم ونشر لهم بما يشكل علامة على تواصل منتج ونادر بين الأجيال التي عرفت الخصومة والتباعد اكثر من استجابتها لمنطقة الحوار وتفاعلياته ، ومما يزيد من أهمية هذا الكتاب ان الفتال اصدره عن دار نشر عربية هي ( دار الوفاء – بيروت) بما يعني ازدياد مساحة توزيعه وكثرة المطلعين عليه .
يقوم متن الكتاب على جمع كل ما له صلة بالشاعر العراقي الراحل صاحب الشاهر( توفى في حادث سيارة بكركوك عام 1982 ) من قصائد وكتابات غير منشورة وما كتب عنه من شهادات ودراسات أثناء حياته القصيرة ام بعد رحيله المبكر وقد عمل الفتال على حفظ وتبويب كل هذا الموروث لإظهاره في كتاب جامع، واستطيع ان اصف مبادرة الفتال ( كما شخصّت في مقال سابق) بانها تدخل في نمط الندرة لسبب جوهري هو أنها لا تأخذ حيزا في الفعل والعلن إلا من خلال مبادرات فردية، كما ان الحفاظ على موروث شعري لنحو من ثلاثة عقود وتقديمه باحتفال كتابي بهي ليدخل في الذاكرة الجمعية على الفور فهو ينث اكثر من علامة متعافية وفي ظروف مازومة وذاكرة يحفها النسيان.
ولفت نظري ذلك الجهد الكبير الذي بذله الفتال لجمع مواد الكتاب من رسائل وكتابات ولقاءات وسيرة وكتب منجزة واخرى مخطوطة ومن ثم جمع ما تناثر من جهد الشاعر الراحل ومحطات من حياته وحتى لحظة رحيله الفاجع كل هذا أجده فعلا ثقافيا يحسب للفتال وللوفاء الصادق لسيرة شاعر شاب افلت حياته مبكرا ، ومن اللقى الثمينة التي ينثرها امامنا المؤلف في كتابه مجموعة قصائد غير منشورة للشاعر الشاعر وقد احتلت حيزا مهما في الكتاب ( من صفحة 44 لغاية الصفحة 122)
واظهر الفتال 45 قصيدة مجهولة تماما لانها تنسب الى بواكير الراحل والى مجموعة من القصائد التي لم تجمع او تضاف الى ديوانه اليتيم المنشور وهو ( ايها الوطن الشاعري) وهذا يعد إضافة وتكميلا لمنجزه الشعري.
* newnadhum@yahoo.com
عن الشاعر:
صاحب جابر الشاهر.
ولد في مدينة كربلاء، وفيها توفي.
تلقى تعليمه قبل الجامعي في كربلاء، ثم التحق بكلية التربية - في جامعة بغداد - وتخرج فيها.
عمل مدرسًا بالمدارس الثانوية.
نشر أشعاره الأولى في مجلة «الكلمة» - (النجفية)، في السبعينيات، كما نشر بعض المقالات في الصحف المحلية.
- له ديوان: «أيها الوطن الشاعري» - دار الرشيد للنشر - مطبوعات وزارة الثقافة والإعلام - بغداد 1980.
كتب قصيدة التفعيلة، مستخدمًا تقنيات شعر الحداثة بدءًا من عنوان القصيدة الموغل في الإيحاء، البعيد عن الصياغة التقريرية والدلالات المنطقية، الصور المجازية جميعها لا تعتمد على المشابهات المأثورة قريبة الإدراك، وإنما تحتاج إلى تأويل واكتشاف أسس للترابط تخالف المألوف والقريب، كتب القصيدة القصيرة القائمة على
مفارقة، ومعنى حكمي، شديدة الكثافة، موغلة في الغموض.
من شعره
قرويَّ الملامح كانَ
وكانْ
كما العمر عذبًا
وكالأغنيات رخيمًا
يجيء الفنادقَ يلتذُّ بالنفي فيها
وبالوحشةِ المرتضاةِ
أما آنَ للشاعريةِ أن تستريحَ
على مقعدٍ من هدوء الليالي
على مقعدٍ من مطرْ!؟
تنتهي الشمس فيهِ
تبدأ الشمس منهُ
وأبدأ مثل رحيقٍ
تطاولَ حتى
أنوفِ النخيلْ
«أنا قابلٌ للتطاول في أي لحظه
أنا قابلٌ للتحوّلِ
لكنَّ عينيَّ تبقى
ورغم القصائد غضَّهْ»
أجيءُ الفنادقَ إني أليفٌ
وإني لأبتلّ في صمتها
ليلةً
ليلتينِ
ثلاثْ!
وما أغلقَ الحبُّ دوني نوافذَه
ما سقتني المواعيدُ
ما علّمتني الكآبةُ
غيرَ الأنينْ
متى يختفِ الماءُ فيَّ أَغنِّ
أكن سحابهْ
وبي هاجسٌ للعبورِ
وبي هاجسٌ للتوهُّجِ تحتَ السياطِ
وتحتَ المياهْ
فما أغلقَ الحبُّ دوني نوافذَهُ
أيها النهرُ كن حافظًا عهدَ
من يشتريك بصدقِ دموعٍ ومن يشتريك بقطْعِ
يديهِ أما آنَ يا نهرُ أن تنعطفْ
نحو من يشتريكْ
ليلى ورقصتها
لنا منك يا ألفةَ الروحِ
لونُ النوارس والحبِّ
إذ نشتهيكِ فمًا ساخنًا
تتسرّب فيكِ
وليلى برقصتها مثلُ باقي القصائدِ
تبكي
صباحَ مساءْ
تهرِّبُ تحتَ القميص الملوّنِ
أرقامَ كلِّ المواعيدِ
والفرح الطفلِ
كل المنافي
هي الآن تأتي
تهزّ على جبهة الجسر أعطافَها
ثم تنأى!
فماذا تريدُ المسافةُ منا
ونحن المحطاتْ
نحن القطارُ المسافرُ بين القلوبِ وأوجاعِها
بين ليلى وأسمائِنا
إنها الماءُ والذكريات
نكابر خلف البكاءِ
وخلف احتجاجاتنا
هل تفرّين مثل الدقائق عنا
فكيف ونحن الذين انتظرناك صوتًا
تفتَّحَ كالورد بين الشفاهِ
استطالَ بنا
ثم غابا
ونحن المحطاتُ كوني سيوفًا
وكوني رقابا
فإن العشيقة ليلى
تخطّ على جبهة الجسر آراءَها
ثم تنأى!
تُعانقنا ثم تنأى!
تجيئين كالمستحيل
تَكوَّرَ ساقُ المسافة قلتُ: اقتربنا
لماء الينابيع لونُ العبورِ
وللوطن المتطاول لون الحبيبةِ
لون الطريقْ
تجيئينَ مثلَ الفراشةِ يومًا
يداخلك الظلّ تنزَع فيك المتاعبُ
أسماءها ثم تمضي
فتنسى الفوانيسُ تنسى
حفيفَ الشجيراتِ أحلامَكِ الأنثويةَ
خبزَ الكفاف الفراتَ القصائدَ وجهي
تجيئين كالمستحيلْ
تُعرِّيك أرجوحةُ الصيف زهوًا
وكالرقصة الأبديّة بين النخيلْ
تؤدي فروضَ التوحّد للعشب نبكي
نصير معًا غابةً
فرحًا للبراري
وحين يحاصرنا الليل تشتعلين حواليَّ عِشقا
تحلّين شعرك في رغوة الحلمِ
تغتسلين معي
ثم نعدو وراء المرايا
لعينيك لونُ الأغاني التي تحتسيها الفصولُ
وصوتك أطفأه الثلجُ شيئًا فشيئًا
تكوّر ساقُ المسافةِ
ماذا تقولين؟ نحن اقتربنا
أمام اشتهاء الصبيّاتِ ماذا تقولينَ؟
نحن افترشنا معًا
كبرياءَ الرياحِ ونمنا
من قصيدة: سعادة
ساعةَ العودة المستحبَّةِ للبيت أشعرُ
إني سعيدٌ كما الأمنياتُ
ولي رغبةٌ في التأمّل هذي السماء البعيدة مَنْ أشعلَ
الحبَّ فيها
ولي رغبةٌ في عبور الحدائق واحدةً بعد أخرى
تلوِّحك الشمسُ يا وردُ
هلا رغبتَ بشيءٍ من الانحناءِ المهذّبِ؟
إني لأمسح عن وجنتيَّ العناءَ
وأمسح عني الكآبة يا موجعًا رئتيَّ
لماذا تنام وحيدًا
تكون المتاعب قابلةً للوضوحِ
وقابلةً للتعرّف أكثر من أيّ وقتٍ مضى

