هل يضيء الشعر طريق الخروج من دموية الطائفية إلي رحاب الانسانية؟

2010-04-13
"بمن يلوذ الشاعر الذي يقف علي أرض عربية ترويها المذابح الطائفية والمذهبية..بين سني وشيعي.. مسلم ومسيحي.. فلسطيني وفلسطيني.. سوداني وسوداني.. متسائلا:
(ووقفت بين القاتل المقتول
..بين قتيلهم وقتيلنا
فمن أمد له يدي؟!
ولا يقوم - فمالذي يجدي!
وبمن ألوذ؟ وتحت أي سحابة
أبكي وأستجدي!
وبمن أعوذ؟
وقد هوي ولدي علي ولدي
بغليل فأس مزقت كبدي!)
الشاعر الذي هاجر من مصر ولم يهجرها هالته فاجعة نجع حمادي حين أطلق مسلحون النار علي جموع الخارجين من صلاة عيد الميلاد فقتلوا ستة مسيحين ورجل أمن مسلم. فهل يضيء الشعر للغارقين في دموية الجاهلية طريق الخروج من مستنقع الطائفية إلي رحاب الانسانية الأوسع؟
هل يمكن أن يكون هذا الشعر إلا نزفاً على كل ضحايا المذابح التي يرتكبها بشر ضد بشر لإختلاف الدين أو المذهب أو الجنس أو الهوية.. مقدمين القرابين البشرية التي يتوهمون أنهم يتقربون بها إلي ربهم. فيكتب الشاعر "قرابين العروس" متسائلاً فيها : "يا مصر كم يكفيك من هذي القرابين؟"
عن القصيدة كتب خالد قناة، في جريدة أخر خبر العربية بأمريكا:
"من أجمل ما كتب عن تلك الفاجعة...حيث استحضر الشاعر التراث الانساني منذ بدئ الخليقة ، حينما قتل قابيل أخاه هابيل ، كما ويقرن المذبحة التي حصلت في نجع حمادي بالمذابح التي تحصل في العراق وفلسطين :
دم : هل سال من جنبيك يا مصر للنيل ؟
أم من ذبيح سابح فوق الفرات ؟
أم من جريح في الجليل ؟
ما أسعفته المعجزات ؟
ثم يتسائل الشاعر :
وأين أفر من أهلي ؟
ولمن سأشكو حال هذا الجيل ؟
ويشابه هذا التساؤل نفس النغمة التي كتبها الشاعر اللبناني هنري زغيب
ماذا أقول وأرضي كلها وجع ؟
وقد نشرت جريدة "أخبار الأدب" المصرية للشاعر فرانسوا باسيلي نصاً بعنوان"دم في العيد" يحوي أجزاء من قصيدته "قرابين العروس" وها هي كاملة:
قرابين العروس
شعر فرانسوا باسيلي

1- دم في العيد
دم في العيد
منحدر
ليروي وردك المطروح في الطرقات
وفؤوس قطاع السبيل
يا مصر هل عطش النخيل
فسقيته من قلبك المذبوح في الغيمات؟
يا مصر من أي الجهات
تعدو أساطير تطاردني
وتطعنني
فأنزف ما تيسر من مواويل
وأجمع ما تبعثر من حكايات؟
دم: هل سال من أكباد أولاد
وقفوا أمام كنيسة في العيد
وتبادلوا التقبيل
فتساقطوا جثثاً علي العتبات؟
يا مصر كم يكفيك من هذي القرابين
كي يتقدس القدوس
وتمتلئ الساحات؟
دم : هل سال من جسد العروس
تزف دون عريسها؟
فبأي دم
يقطر المنديل؟
هل هذه في الليل زغردة البنات
أم ولولات أرامل
أجسادهن تشققت
يطلقن أفراخ العويل؟
دم : هل سال من جنبيك يا مصر للنيل؟
أم من جريح سابح فوق الفرات؟
أم من ذبيح في الجليل
ما أسعفته المعجزات؟
* * *
2- دم الصلوات

دم الصلوات نهر في الأعالي
وعلي الأرض المذابح
والمدائح
من أي أبواب الجحيم
تعود يائسة
صلوات هذا الجيل؟
تهوي علي أفواههم مرتدة
جمراً يسيل
عادت محملةً بصراخ من سقطوا
علي أيدي الذين توضأوا بالدم
صلوا لمن؟
أفيسمع الله الرحيم لهم؟
وعلي سواعدهم
حملوا القتيل على القتيل؟
ذبحوا الحمام
فلا رسائل من ذويهم كي تعاتبهم
ولا في وحشة الليل
يهدهدهم هديل
صلوا لمن؟
ردت بضاعتهم لهم
ما أبهظ الثمن الذي دفعوه
من أرواحهم
سقطت محبتهم
فماذا في أياديهم لديهم من بديل؟
غير الغصون
أفيغرسون الغصن سيفاً
في بريء الروح
كي يشفوا الغليل؟
فبأي قلب يمزجون
شهقات حفل القتل
بالترتيل!
* * *
3- قربان الروح
ليل من الأهوال محفور
علي أوجه من فروا من الطعنات
إلي قصب القري
واسترحموا بدراً تأمل ذعرهم
في صمته الفضي لا يحنو عليهم
لا يميل
دم الأيات
مسكوب علي السموات
يصبغها ويقطر من يدي
أمن سور من القرآن
هذا النزف في جسدي
أم الانجيل؟
وبأي كف أمسح الصرخات
عن روح مرفرفة
صعدت لباريها لتشكو
ما أتاه شقيقها قابيل
أأكفكف الدمعات
عن أشجار هذي الأرض
أم أحجارها؟
وكيف أجمل الأيام في عين مزججة
راحت تحدق في أحداق قاتلها:
ماذا بهذا البئر
من ماء الأسي
والمستحيل!
* * *
4- قربان العصافير

من أي عهد في القري
يتدفق النيل؟
فاضت دمائي من سواقيه التي
تنعي الذين أحبهم
ما با لهم ما بادلوني
غير حبهم القليل
أو كفكفوا هذي المدامع
ما با لهم ضربوا عصافير المياه
بحجارة من روحهم
وبنوا جدارا هائلا
فمسافة بين الكنائس والجوامع
ومسافة بيني و بين الله!
* * *
5- قربان ايزيس

من أي قلب أخرج الجثث التي
عكفت طوال الليل
تستعصي علي جسدي
ولا تبغي الرحيل
- هل جعت يا ولدي؟
أتحب لحم أخيك ميتاً؟
أعطشت يا ولدي؟
لولا جفاف العين
كنت ذرفت الدمع تشربه
ماذا ستشرب بعد هذا اليوم
غير دم الأصيل!
أسقطت يا ولدي؟
في أرض مصر
فأغمضت عينيك إيزيس
وسقتك من نهد السماء السلسبيل؟
هل استشهدت مجاناً ؟
وتبددت قرباناً؟
وتمددت عرياناً بغير كفيل؟
وأنا وقفت هناك
بين القاتل المقتول
والجسد النحيل
ووقفت بين قتيلهم وقتيلنا
فمن أمد له يدي؟!
ولا يقوم - فمالذي يجدي!
وبمن ألوذ؟ وتحت أي سحابة
أبكي وأستجدي!
وبمن أعوذ
وقد هوي ولدي علي ولدي
بغليل فأس مزقت كبدي!
* * *
6- قرابين الموتي

هل أغلق الله الجميل سماءه
عن قبح هذي الأرض؟
كيف أخر بين يديك أركع
كي أصلي!
وأين أفر من أهلي؟
ولمن سأشكو حال هذا الجيل؟
كلهم موتاي من زمن طويل
جاءت خيول الموت تطلبهم وتطلبني
فيختلط الصهيل مع الصهيل
ومشيت من موت إلي موت
من ضفة النهر إلي الوادي
هل هذه مصر التي في خاطري؟
هل هذه حقاً بلادي؟
والنهر؟ هل هذا هو النيل؟
* * *
7- قربان العاشقة

أسمع الأرض تئن
هذا نزيف دم الوطن
ودبيب أقدام الضحايا
جرجروا الأجساد من جيل لجيل
هذي البلاد حملت من ماتوا لها
وحملت من ماتوا بها
وضربت في الليل الطويل بلا دليل
هذي البلاد تظل عاشقة
وأنا أظل عشيقها
وتظل قاتلةً
وتظل مائلةً
علي جسدي
وأنا القتيل.
..............................................................
fbasili@gmail.com • شاعر وكاتب من مصر يقيم في الولايات المتحدة

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved