حقوق الإنسان وكواسر الشرعية الدولية!

2015-08-24
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/7850eb1b-5cde-4c4a-b181-6cc1fa064d08.jpeg
 يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول وثيقة من نوعها في تاريخ البشرية، من حيث كونه وثيقة حقوق دولية تعنى بحقوق الإنسان تبنتها الأمم المتحدة، عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في العاشر من كانون الأول عام 1948 في قصر شايو في باريس.
 
لكن السؤال الأهم يظل هو ما مدى التزام الدول والحكومات، وبخاصة الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى بتطبيق هذه المواد في الواقع العملي؟ 

لقد استغلت الدول الكبرى الغربية ''إعلان حقوق الإنسان'' كوسيلة للهيمنة والابتزاز، وهي ورقة الضغط المفضلة لدى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأدواتها من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي ترفض الهيمنة الأمريكية، ومصادرة قرارها الوطني وتحطيم أية محاولة للانعتاق من التبعية بكل أشكالها وهذا ما يجري لسورية من التدخل في شؤونها الداخلية ومحاولة التأثير على مواقفها الوطنية والقومية الثابتة والمبدئية، ووقف دعمها لحركات المقاومة.

وكذلك شهدت القضية الفلسطينية تواطؤاً دولياً متعمداً حيث عملت ''إسرائيل'' على التنكيل بالإنسان في فلسطين المحتلة ومارست التدمير والحصار وسرقة المياه والآثار وتقطيع الأشجار ومصادرة الأراضي تحت مظلة حماية الولايات المتحدة الأمريكية التي ما فتئت تستعمل حق النقض ''الفيتو'' في مجلس الأمن ضد أي قرار يقف إلى جانب الحق، ومازلنا نشهد حتى هذا الوقت ضروباً من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في فلسطين وأفغانستان... من قبل الدول التي تزعم لنفسها الوصاية على الإنسان وحقوقه .

لقد أكدت الأمم المتحدة أن الوكالات الإنسانية التابعة لها ستضطر إلى مساعدة 57,7 مليون شخص في 2015، وهو رقم قياسي يفوق قدراتها، وهي تحتاج لتحقيق ذلك إلى 16,14 مليار دولار وفقاً لنداء للمساعدة الإنسانية وجه مؤخراً في جنيف، في حين أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن عام 2014 كان عاماً كارثياً بالنسبة لملايين من الأطفال، حيث تعرضوا للاختطاف والتعذيب والاغتصاب وتم بيعهم أيضاً كعبيد، مؤكدة أنه ''لم يتعرض الكثير من الأطفال لمثل هذه الوحشية التي لا توصف في أي وقت سابق''.

ووفقاً للمنظمة، يعاني ما يزيد على 15 مليون طفل في مناطق الأزمات الساخنة حالياً في سوريا والعراق وغزة وأوكرانيا وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى من العنف الشديد والدمار والتشريد، كما أن هناك نحو 230 مليون طفل يعيشون حالياً في الدول والمناطق التي تشهد نزاعات مسلحة على مستوى العالم، وفقاً لتقديرات ( يونيسف ) .

بينما وجهت أكثر من ثلاثين منظمة إنسانية مؤخراً نداء لتلتزم دول استقبال نحو 180 ألف سوري لجأوا حتى الآن إلى دول محاذية لسوريا، مشيرة إلى أن هؤلاء يشكلون خمسة في المائة من نحو 3,6 مليون لاجئ سيتوجهون إلى الدول المجاورة لسوريا في العام 2015 هرباً من النزاع المستمر في ذلك البلد منذ 2011.
 
إن انتهاكات حقوق الإنسان لا تزال موجودة في العالم كما كان عليه الوضع في السابق، فالعالم لم يصبح أفضل مما كان عليه وكذلك وضع الإنسانية، فمنذ هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة، بدأت الكثير من حقوق الإنسان المعترف بها بالتراجع، فقد أقدمت مثلا الولايات المتحدة على حرب العراق دون تفويض من مجلس الأمن ورغم إرادة غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومارست قواتها الكثير من صنوف الانتهاك لحقوق الإنسان العراقي، ستظل لطخة عار في جبين القوة الأكبر، التي تعلن نفسها حامياً لحقوق الإنسان، وكذلك تراجعت بعض الدول عن التحريم المطلق للتعذيب، وأخذت أخرى تتجاهل حظر إرسال الأشخاص إلى دول تمارس التعذيب. 

علاوة على ذلك فإن التعذيب من خلال قوانين وتشريعات سنت تحت مظلة ''الحرب على الإرهاب''، وما رافق من انتهاكات للحقوق الفردية، وطريقة تعامل دول الاتحاد الأوروبي مع النازحين وطالبي اللجوء، وغيرها، كلها أمور تؤكد على أن العالم أبعد ما يكون عن تحقيق أهداف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبخاصة بعدما أصبحت الحرب على الإرهاب فاتورة تدفع على حساب حقوق الإنسان.

ورغم أن الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم صخباً وضجيجاً بالحديث عن حقوق الإنسان وشعاراته، والدولة الأكثر استخداماً لورقة حقوق الإنسان في سياستها الخارجية، إلا أنها على صعيد الممارسة الفعلية تعد الدولة الأخطر على مر التاريخ التي انتهكت وتنتهك حقوق الإنسان، والتي مارست أبشع ممارسات انتهاكات الإنسان في تاريخ البشرية، ولم يكن كل الضجيج والصخب ـ الأمريكي ـ حول حقوق الإنسان إلا ستاراً، لإخفاء نزعة التوسع والسيطرة التي طبعت الإمبراطورية الأمريكية منذ نشأتها وقيامها فوق تلال من جماجم عشرات الملايين من الهنود الحمر. 

مصطفى قطبي

باحث وكاتب صحفي من المغرب

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved