نابلس:
عقد مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" ورشة عمل في جامعة النجاح الوطنية حول قرار بقانون الجرائم الالكترونية رقم 16 لعام 2017، بالتعاون مع كلية القانون في الجامعة وبدعم من برنامج سواسية، البرنامج المشترك بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة واليونيسيف “برنامج تعزيز سيادة القانون” في دولة فلسطين .
وعقدت الندوة في مبنى كلية القانون وتحدث فيها ممثلون عن النيابة العامة والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ووزارة العدل، بحضور عدد كبير من طلبة الكلية وأعضاء الهيئة التدريسية، وأدار اللقاء الدكتور سهيل خلف .
وافتتح الدكتور أنور جانم من كلية القانون الورشة بكلمة ترحيبية باسم عمادة الكلية، وأشار إلى أهمية هذه الندوة لمناقشة هذا القانون الذي برزت حوله العديد من الملاحظات منذ لحظة صدوره وما قبلها، لدى مؤسسات المجتمع المدني.
بدوره، شكر الدكتور سهيل خلف باسم مركز "شمس" كلية القانون على تعاونها، وكذلك برنامج UNDP على دوره في إتاحة الفرصة لمؤسسات المجتمع المدني في رفع الوعي القانوني لدى طلبة القانون في الجامعات حول قانون الجرائم الالكترونية الذي تسبب بجدل مجتمعي بين مؤيد ومعارض .
وقال أن هذه الندوة تهدف للاستماع لموقف كافة الأطراف المعنية، والخروج بمجموعة من التوصيات التي يمكن الاعتماد عليها في أي نقاش مع الجهة الرسمية .
وبين أن مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها الهيئة المستقلة كان لها موقف واضح من هذا القانون، ورفعت مجموعة من الملاحظات على القانون للرئيس "أبو مازن"، وتشكلت على اثر ذلك لجنة من وزارة العدل والعديد من المؤسسات الرسمية والأهلية لإخضاع القانون للنقاش المجتمعي .
وأوضح أن مؤسسات المجتمع المدني كان لها تحفظات على بعض المواد واعتبرتها غير دستورية ولا تتوافق مع 35 اتفاقية ومعاهدة دولية انضمت لها فلسطين، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .
من جانبه، تناول عماد حماد من النيابة العامة قانون الجرائم الالكترونية من ناحيتين؛ هما دور النيابة العامة، والحاجة المجتمعية لهذا القانون بناء على الإحصائيات المتوفرة منذ عام 2014 .
ولفت إلى انه سبق صدور هذا القانون عدة خطوات لتوفير الأرضية المناسبة داخل النيابة العامة، ومنها تشكيل نيابة متخصصة بمكافحة الجرائم الالكترونية عام 2016، ثم قرار صدر عام 2017 خصص أعضاء متخصصين بمتابعة مثل هذه القضايا في كل النيابات الجزئية في الوطن .
كما أشار إلى الخطوات التي مر بها القانون قبل صدوره، حيث عرضت المسودة الأولى على مجلس الوزراء ونوقش في أكثر من جلسة، وفي عام 2017 أوصى مؤتمر عقد في جامعة النجاح بوجود ضرورة ملحّة لإصدار قرار بقانون نظرا للتزايد الملحوظ في أعداد هذه الجرائم، وزيادة استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات، وقد صدر في 25/6/2017 ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 9/7/2017.
وقال أن النيابة العامة كان لديها قبل صدور القانون خلل واضح في كل ما يتعلق بالجرائم الالكترونية أو التقليدية التي ترتكب بواسطة وسائل تكنولوجيا المعلومات، وكانت تواجه مشكلة في الشرعية، وفي التكييف القانوني، وفي غياب العقوبات الرادعة، وكانت تستند للمادة 91 من قانون الاتصالات السلكية واللاسلكية، وفي كثير من الحالات كان المتهم يحصل على البراءة .
وأكد حرص النيابة العامة على عدم تدخل أي شخص بخصوصية أي شخص أخر، وان هذا القانون جاء ليدعم هذا التوجه رغم الملاحظات التي أبدتها مؤسسات المجتمع المدني .
وأوضح أنه لا يوجد في القوانين والتشريعات لدول العالم تعريف للحق بالخصوصية، وان الفقه اجتهد وعرّفه بأنه حق الأفراد في الحماية من التدخل غير القانوني، وهو على أربعة أنواع، هي: الخصوصية المكانية، وحماية البيانات الشخصية، وحماية الاتصالات التلفونية وسريتها، والخصوصية الجسدية .
وبين أن الإطار القانوني الناظم للحق في الخصوصية في فلسطين يستند إلى المواد 11 و 17 من القانون الأساسي، والمادة 374 من قانون العقوبات، والمادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية، والمواد 4 و82 و92 من قانون الاتصالات السلكية واللاسلكية، وقانون الأحوال المدنية .
واستعرض المواد التي تضمنها قانون الجرائم الالكترونية المتعلقة بالحق في الخصوصية، والتي تحظر الدخول العمد بغير وجه حق لأية وسيلة تكنولوجيا خاصة بأي شخص، والتسجيل أو المراقبة أو التنصت بغير وجه حق، وفك بيانات مشفرة، والوصول إلى أرقام أو بيانات وسيلة التعامل الالكترونية للإفراد، ونشر أخبار أو تسجيلات أو صور شخصية وعائلية تتصل بالحياة الخاصة، لافتا إلى ان القانون شدد العقوبة على الشخص المؤتمن على بيانات الآخرين .
أما ممثل الهيئة المستقلة عمار جاموس، فقدم موجزا عن الهيئة، مبينا أن المراقبة على القوانين التي تصدر يندرج ضمن عملها، لضمان انسجامها مع القانون الأساسي والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت لها فلسطين .
وأعرب عن تحفظ الهيئة على التوسع بإصدار قرارات بقانون، في ظل غياب المجلس التشريعي الذي هو صاحب الاختصاص الأصيل.
وأكد أن مواد هذا القانون تشكل انتهاكات جسيمة للحقوق والحريات الأساسية، ومنها الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق بالخصوصية وحماية الحياة الخاصة، وجاء في ظل غياب المجلس التشريعي، وغياب الانتخابات، وتردي حالة حقوق الإنسان، كما يتزامن مع انضمام فلسطين للاتفاقيات الدولية، في الوقت الذي يجب أن تتواءم قوانينها وإجراءاتها وسياساتها الوطنية مع تلك الاتفاقيات .
وقال أن القانون طبق قبل نشره في الجريدة الرسمية، حيث تم حجب بعض المواقع الالكترونية المعارضة للسلطة، دون الاستناد إلى أساس قانوني سليم، في حين ان الحجب يجب ان لا يكون إجراء تحفظيا، وإنما بحكم قضائي نهائي وباتّ. وأضاف أن القانون نص على بدء سريانه من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، وهذا مخالف لمبدأ الحق بالعلم بالقاعدة القانونية، وهذا مبدأ أساسي في القوانين الجنائية لإعطاء فرصة للمواطنين لتقويم سلوكهم .
وقال أن الخشية من هذا القانون تنبع من أن مثل هذه القوانين تستخدم في كثير من الدول لقمع المعارضين السياسيين والتضييق على الحق في الخصوصية .
وأشار إلى أن القانون تضمن العديد من النصوص العامة والفضفاضة التي لا تصلح ان تكون نصوصا جنائية حسب مبدأ الشرعية والذي ينص على أن النص القانوني الجنائي يجب ان يكون واضحا ولا يحتمل التأويل أو التفسير، لمنع الانتقائية والتمييز .
وأضاف انه ورغم أن التعديلات المطروحة أزالت هذه المصطلحات، إلا أنها أبقت على نص المادة 46 والتي مثلت التفافا على التعديلات، فهي تجرم أي فعل مخالف إذا ارتكب بوسيلة الكترونية، مثل الجرائم المتعلقة بإثارة النعرات الطائفية وإطالة اللسان، وهي موجودة في قانون العقوبات وعليها تحفظات .
واعتبر أن أحكام القانون تسهّل فحص الخصوصية، لافتا إلى أن فحص الخصوصية وجدت في دول أوروبا وأمريكا بعد إحداث 11 سبتمبر، لكن وضعوا لها إجراءات مشددة، منها وجود قرار محكمة، ومراجعة قضائية، ومساءلة وتعويض عن النفاذ غير القانوني .
من ناحيته، أكد مرتضى زماعرة من وزارة العدل على الأهمية البالغة لهذا القانون، لما يحمله من مكافحة فعالة لكافة الاعتداءات على المواطنين وحقوقهم الشخصية والمالية بواسطة وسائل الكترونية، خاصة في ظل إقرار قانون المعاملات الالكترونية الجديد .
وأضاف أن هذا القانون يشكل رادعا لكل من يحاول استغلال العالم الافتراضي لإيذاء الآخرين وإيقاع الضرر بهم، وأن غايته هي تحقيق المصحة العامة وحماية المواطنين، وهي مسؤولية كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني .
وقال أن وزارة العدل عقدت جلسات تشاوريه مع المؤسسات ذات العلاقة بحضور الفريق الوطني، وأكدت لكافة الأطراف استعدادها لمراجعة القانون بما يتوافق مع توجهات وفلسفة القانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وقد بدأت بجلساتها الأولى والثانية بالشراكة مع الهيئة المستقلة ومكتب المفوض السامي لمناقشة مجموعة من المواد المطروحة للتعديل والخروج بمجموعة من التعديلات البناءة والداعمة لنصوص القانون، وختمت جلساتها باجتماع موسع مع 10 مؤسسات ذات علاقة، وتم التوافق على إعادة النظر في نصوص القانون، ومناقشة المقترحات الواردة للتعديل، ووقف المطالبات بإلغاء القانون .
وأكد أن رؤية وزارة العدل لهذا القانون انه جاء لمكافحة الجريمة الالكترونية بكل أشكالها، دون المساس بالحقوق والحريات، من خلال تحقيق التوازن بين مكافحة الجريمة وكشف مرتكبيها ومعاقبتهم والحفاظ على خصوصية الأفراد وحرياتهم، وضرورة مواءمة نصوصه مع الاتفاقات والمعاهدات الدولية وما ينتج عنها من التزام أمام المجتمع المدني، من خلال عرضه على لجنة مواءمة التشريعات الوطنية برئاسة الوزارة، والتي بدأت بدورها أولى خطواتها في مراجعة نصوص القانون .
وفي نهاية اللقاء ، أوصى المشاركين بضرورة عقد المزيد من الندوات وورش العمل التوعوية فيما يخص هذا القانون ، وضرورة أن يتم العمل على تعديل القانون ليصبح منسجم مع الاتفاقيات والقوانين الدولية التي انضمت لها دولة فلسطين ولضمان احترام الحرية الشخصية للمواطنين .