أن حرية التعبير ومنها حرية الصحافة والتي تندرج ضمن الحقوق الصحفية التي منحتها المواثيق الدولية للعاملين في مجال الإعلام والاتصال، تدرجت ضمن ظروف تاريخية صعبة ومعقدة إلى أن أصبحت واقع حقيقي في العديد من البلدان، رغم أن ذلك لا يعني أن كل شيء على مايرام، فالعديد من الدول في العالم الثالث لازالت لا تحترم قوانينها ولا تلتزم بالمواثيق الدولية، واليوم في العراق بذلت جهود كبيرة من أجل إقرار قوانين تحترم حرية التعبير وتصون حياة وكرامة الإعلاميين، حيث قدم مشروع قانون حماية الصحفيين إلى مجلس النواب لمناقشته، وأكد رئيس مجلس النواب أياد السامرائي، "أن هذا القانون سيكون مفخرة للعراقيين للحفاظ على الحريات"، ولحين مناقشة هذا القانون وإقراره ليكون نافذ المفعول، يحتاج إلى التثقيف والتعريف بهذه الموضوعة ليكون واضحا للجميع ماهيّة حرية الصحافة وكيف تدرج هذا المفهوم عبر فترة تاريخية طويلة إلى أن تحقق بشكله الأخير.
نحاول هنا وعبر هذه الدراسة ألقاء الضوء على ذلك.
تنطلق معظم ان لم نقل جميع الحقوق الصحفية في المواثيق الدولية للعاملين في مجال الإعلام والاتصال، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ذلك في المادة (19) التي جاء فيها، "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية."1
ويشرع الإعلان العالمي بشكل واضح كل الوسائل الممكنة لامتلاك المعلومة والحصول على المعرفة والإطلاع على تجارب الآخرين، فقد ربط هذا الحق بالحق في الحصول على المعلومات وتداولها ونقلها وتحليلها وهذا ما تقوم به وسائل الإعلام ويقوم به كل العاملين فيها، وهذا يتطلب تهيئة أساليب فعالة ليتمكن الجمهور من الحصول على المعلومات ومعرفة ما تعمله الحكومات بالنيابة عنه، وإيصال الحقائق له ليتمكن من المساهمة في بناء بلده بحرص.
لقد وقعت معظم دول العالم على تلك المبادئ لكن نرى أنه مازال هنالك بعض الدول التي تعمل ضد مبادئ الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، بل وقامت بسن قوانين خاصة تتعارض وتلك الحقوق، وتحت تبريرات عدة.
بالتأكيد إن العمل الإعلامي يتمتع اليوم بهامش من حرية التعبير في معظم دول العالم وبدرجات متفاوتة، حتى في العراق نجد اليوم حرية غير مسبوقة خصوصا بعد عام 2003م، عكس ما كان سائدا قبل ذلك من قمع واضطهاد وتغييب للرأي الآخر، رغم الفوضى التي تعم الوضع السياسي حاليا، إلا أن هناك حرية واعدة للصحافة والإعلام.
لقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1996، على عدة حقوق، في مادتها التاسعة، حيث تضمنت التالي:
1. لكل فرد الحق في حرية الرأي.
2. لكل فرد الحق في حرية التعبير، وهذا الحق يشمل، حرية البحث عن المعلومات، أو الأفكار، من أي نوع، وتلقيها، بغض النظر عن الحدود، إما شفاهة، أو كتابة أو طباعة، وسواء كان ذلك، في قالب فني، أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. ترتبط ممارسة الحقوق المنصوص عليها، في الفقرة الثانية، من هذه المادة، بواجبات ومسؤوليات خاصة، فإنها تخضع لقيود معينة، ولكن ـ فقط ـ بالاستناد إلى نصوص القانون، وشرط أن تكون ضرورية وهي:
أ. من أجل احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
ب. ومن أجل حماية الأمن الوطني، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الأخلاق.
هذا وقد أنشأت الأمم المتحدة عدة مراكز للإعلام و(تعد مراكز الأمم المتحدة للإعلام المصادر الرئيسية للمعلومات عن منظومة الأمم المتحدة بالبلدان التي تتواجد بها. وهى مسؤولة عن تعزيز فهم أهداف وأنشطة الأمم المتحدة بنشر المعلومات عن عمل المنظمة للناس في كل مكان وخاصة في البلدان النامية.)2
وتعتبر شبكة مراكز الأمم المتحدة للإعلام إحدى القنوات الرئيسية التي تعكس صورة الأمم المتحدة للعالم عبر ترجمة المواد الإعلامية للغات المحلية وإشراك قادة الرأي ونشر مقالات الرأي لكبار مسئولي الأمم المتحدة في وسائل الأعلام الوطنية، وكذلك عبر تنظيم الفعاليات والأحداث لإحياء المناسبات أو لتسليط الضوء مما يساعد على تقريب الأمم المتحدة من الشعوب.
وهنالك العديد من مراكز الأمم المتحدة للأعلام حيث تم إنشاء أول مركزين في عام 1946. ويوجد حاليا 63 مركزا إعلاميا ومصلحة ومكتبا للإعلام لها في جميع أنحاء العالم. فلا يمكن للأمم المتحدة أن تحقق الأهداف التي قامت من أجلها إلا إذا كانت شعوب العالم على إطلاع تام بأهدافها وأنشطتها.
وتعمل هذه المراكز على ربط المقر الرئيسي للأمم المتحدة مع شعوب العالم وهي كمكاتب ميدانية لإدارة الإعلام، ومن مهامه المساعدة في الحصول على المعلومات حول المنظمة واستراتيجياتها، وسياساتها، وأولوياتها، وأنشطتها المختلفة، بهدف تبليغ رسالة الأمم المتحدة بشكل واضح وآني، ويتم ذلك من خلال أنشطة مشتركة مع الإعلام و الاتصال مع السلطات المحلية ووسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، كما تقدم هذه المراكز الدعم اللوجيستي وترتيب اللقاءات الإعلامية والمؤتمرات الصحفية.
أن حقوق البحث والاستقصاء عن المعلومات وامتلاكها هي من بديهيات الأنظمة الديمقراطية، وهو حق من حقوق المواطنة، لو كانت هنالك ديمقراطية حقيقية، التي تتطلب مقدارا من الشفافية في أداء مؤسسات الدولة وسير العمل الحكومي والخاص، وبالتأكيد تعتبر الصحافة والإعلام الناقل الطبيعي للمعلومة بين المؤسسات الحكومية والمجتمع، وهذا يتطلب حرية إصدار الصحف والمطبوعات والبث الإذاعي والتليفزيوني وغير ذلك، وتكون الحرية متاحة للجميع وبدون تمييز، مع وجود ضمانات دستورية وقانونية تكفل حرية الوصول للمعلومة من قبل الإعلاميين لإيصالها بأمانة للجمهور المتلقي.
أن حرية التعبير هي ممارسات واقعية تحكمها العديد العوامل السياسية والمصالح الاقتصادية وهذه تختلف باختلاف المجتمعات والدول والحقبة التاريخية، كما أن حرية التعبير التي يتمتع بها أصحاب المؤسسات الصحفية والمسؤولين عن إدارة المؤسسات الإعلامية الأخرى تختلف عن تلك الحرية التي يتمتع بها الجمهور المتلقي.
فأثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها وخصوصا عندما عانى العالم من الانتهاكات التي ارتكبتها النازية ضد حقوق الإنسان في ألمانيا ومن ثم ضد الشعوب الأوروبية، هذه الانتهاكات التي شكلت اعتداءا كبيرا، وسخرت كل وسائل الإعلام للدعاية النازية وبث الروح العنصرية والحرب النفسية ضد الشعوب الأخرى، أمام تلك الظروف تنادت العديد من الدول الأوروبية وغيرها من الدول من أجل سن قوانين لضمان حرية التعبير ورفض كافة أشكال الدعاية العنصرية، (فقد تحالفت أجهزة الإعلام الخاصة بدول الحلفاء "الإذاعة البريطانية وراديو موسكو وصوت أمريكا" في مواجهة الدعاية النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، كما أصبحت مسألة الإعلام "حرياته ومسؤولياته" من أبرز القضايا التي شملتها مفاوضات سان فرنسيسكو أثناء إعداد مسودة ميثاق الأمم المتحدة. وحددت المادتان 1، 55 من ميثاق الأمم المتحدة المفهوم العام للحق في حرية التعبير كجزء من الحقوق الأساسية للإنسان)3، لابد من التأكيد أن قوانين حرية الصحافة أخذت حيزا كبيرا من الاهتمام منذ نشوء الصحافة، وقد عالجت القوانين البريطانية والأمريكية ذلك وهنالك عدة قوانين يمكن الرجوع إليها لكن من المفيد جدا الإطلاع على القانون الأمريكي ففيه من التفاصيل المهمة التي اعتمدت في الكثير من المؤسسات الدولية.
لنعود إلى تثبيت الحقوق للإعلاميين، ومنها حق الصحفي في إصدار الصحف.
حق الصحفي في إصدار الصحف
أن هذا الحق هو جزء مهم من حرية الصحافة، ولابد من تثبيته دستوريا في جميع دول العالم، فهو الضمان لتحقيق التعددية والتنوع الإعلامي، فالتعددية ضرورية للعملية الديمقراطية، والتنوع يعني أن تكون الصحف الصادرة متنوعة الاتجاهات السياسية والفكرية.
ان حق إصدار الصحف ظل بعيدا عن المنال حتى منتصف العشرينات من القرن الماضي، حيث تطورت صناعة الصحافة ووسائل الإعلام وتشكلت الإمبراطوريات الإعلامية الكبيرة التي سيطرت على الكثير من الصحف ووسائل الإعلام، والتي كان مبتغاها هو الربح بالدرجة الأولى، وكان من الجانب الآخر وبعد تأسيس "الإتحاد السوفيتي" السابق، تشكلت مؤسسات إعلامية مؤدلجة تتكلم بأسم السلطة الحاكمة مما أدى إلى اختفاء التعددية والتنوع، وكانت الدول النامية تعاني من ضعف المؤسسات والتوجهات الديمقراطية ومعظمها تعاني من السيطرة السلطوية على وسائل الإعلام، فكذلك اختفت فيها التعددية والتنوع، وخضع الإعلاميون فيها لإرادة السلطة.
هذه الظروف التي كانت سائدة جعلت العديد من الرواد والمفكرين والمثقفين في العديد من دول العالم من السعي لإصدار قوانين لمقاومة الاحتكار في مجال الإعلام، ولكن تلك الأفكار جابهت مشاكل كثيرة، واتجهت الأفكار إلى قيام الصحفيين أنفسهم بإصدار الصحف وإدارتها، كون الصحفيين هم أصحاب المصلحة الحقيقية لتحقيق التعددية في مجال الصحافة، وبرزت فكرة الشركات الصحفية التي سرعان ما انتشرت خصوصا في فرنسا، وفكرتها (قيام الصحفيين بتأسيس شركة فيما بينهم وفقا لأحكام القانون، ثم تساهم هذه الشركة في رأس مال الشركة المالكة للصحيفة، وذلك بنسبة تمكنهم من المشاركة بإيجابية في إدارة الصحيفة والدفاع عن حقوقهم الأدبية والمشاركة في اختيار رئيس التحرير، وأخذ رأيهم في القرارات المصيرية المتعلقة بالصحيفة مثل حل أو تصفية أو إدماج الشركة المالكة لها أو تعديل نظامها الأساسي)4، وكان المشرع الفرنسي على وعي بأهمية الدور الذي تقوم به هذه الشركات في تحقيق الإدارة الديمقراطية للمؤسسات الصحفية وتحقيق التعددية والحماية من الاحتكار، وهنالك شروط وضعت يجب أن تتوفر للمساهمين في هذه الشركات، أما في الدول العربية ولو أخذنا مصر كنموذج كونها من الدول العربية الرائدة في مجال الصحافة العربية، والتي لازالت قوانينها وتشريعاتها تكشف عن تحكم السلطة في إصدار الصحف مما يعيق التعددية والتنوع الذي نتحدث عنه، ففي دستور 1971م، كفلت المادة 47 حرية الرأي، والمادة 48 كفلت حرية الصحافة والنشر بدون تحديد أو تقييد، (وكان من الضروري عقب إصدار دستور 1971 أن يتم إلغاء جميع النصوص القانونية التي تقيد حق إصدار الصحف حيث أنها أصبحت متناقضة مع نص المادتين 47و48 من الدستور، لكن السلطة لم تفعل ذلك، ثم قامت في عام 1980 بإضافة فصل إلى الدستور بعنوان سلطة الصحافة والذي تضمن المادة 209 التي نصت على أن حرية الصحف وملكيتها للأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة وللأحزاب السياسية مكفولة طبقاً للدستور)5 ، ونرى التحديد الواضح للفقرة وهذا يتناقض مع الفقرتين المشار إليهما، ثم جاء القانون6 رقم 96 لسنة 1996م ليضع قيودا جديدة على حرية إصدار الصحف ويحدد الصلاحيات، ولمناقشة ذلك الأمر نحتاج إلى عدة دراسات مستقلة لكن ما أردناه هو التنويه إلى واقع حرية الصحافة في أهم بلد عربي كمثال يمكننا من خلاله أخذ صورة تقريبية عن الموضوع.
حق الصحفي في الحصول على المعلومات:
من البديهي أنه كلما تمكن الإنسان من الحصول على المعلومات والمعرفة كلما أصبح أكثر قدرة على تطوير حياته وأصبحت قراراته أكثر دقة وأصبحت مساهمته في بناء المجتمع أكثر كفاءة، (فلا قيمة لحرية الصحافة إذا أوصدت في وجهها أبواب الأخبار)7، ومن خلال المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا النص حريته في اعتناق الآراء والحصول على المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، أي يحق لكل شخص أن يتلقى الأخبار والمعلومات وكذلك له حق إرسالها إلى الآخرين، كما أكدت المادة ان الحدود الجغرافية لا يجب أن تعيق حق الأشخاص في تلقي المعلومات أو إرسالها، لكن ذلك الحق دائما ما يصطدم بالواقع المغاير عند التطبيق العملي، وفي معظم الدول حتى الأكثر ديمقراطية، وهذا ما أكدته لجنة "ماكبرايد"8 في تقاريرها الذي جاء فيه، (إن استقراء التجارب المختلفة يؤكد على أن السلطات بكل أنواعها تميل دائما إلى منع وصول أنواع معينة من المعلومات إلى الجماهير، ولذلك من الصعب مقاومة الرأي القائل بأنه لا توجد حكومة مهما تكن حكيمة ينبغي أن تكون القاضي الوحيد الذي يقرر ما يحتاجه الناس من معرفة)9
هذا التقرير ونتائجه وتوصياته ذات أهمية كونه يعكس أمور لازالت مهمة حتى اليوم، وهذه التوصيات حددت مفهوم الحق في الاتصال ومكوّناته الأساسية كونه ينطوي على مجموعة من الحقوق ونبّهت إلى مسألة احتكار المعلومات والتكنولوجيا الاتصالية والعقبات أمام امتلاكها كما كشفت الفارق الكبير بين البلدان وحاولت رفع الحيف والهيمنة السائدة بين من يمتلك تكنولوجيا الإعلام وبين من لا يمتلكها، وطبعا الدول العربية من الدول النامية التي لا تملك التكنولوجيا، ولهذا دعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم خبراء الإعلام العربي لوضع تصور لموضوعة الحق في الاتصال سنة 1982، وكان خلاصة ما تم تحديده من مشكلات في الدول العربية (ما يأتي:10
1ـ تركيز وسائل الاتصال في كل قطر على الشؤون المحلية وعلى إبراز الشخصية الذاتية للدولة العربية الواحدة في الغالب.
2ـ عدم التوزيع المتساوي للترددات المقررة لكل دولة بما يكفل عدم التداخل فيما بينها وبين دول العالم الثالث وعدم تكامل المحطات الأرضية.
3ـ نقص بنوك المعلومات ومراكز البحوث الإعلامية ومعاهد التدريب.
4ـ عدم كفالة حرية العاملين في ميدان الاتصال وبالتحديد في المجال الصحفي والثقافي.
5ـ قلة التبادل البرامجي إذ أنه بالرغم من أننا نعيش في عصر التكتلات الدولية في المجال السياسي والاقتصادي والإعلامي فإنّ هنالك نقصاً في حجم التبادل البرامجي).
وهذا ما يميز دول العالم النامي كافة.
لقد دافعت اليونسكو طويلاً عن حق البلدان النامية في الاتصال ونبهت إلى المخاطر المترتبة على سياسة الهيمنة وعدم التكافؤ والتدفّق الاتصالي من جانب واحد، فالمعطيات تؤكد وجود وكالات أنباء قليلة تعود ملكيتها إلى بلدان غربية متقدمة صناعياً وتكنولوجياً ومعلوماتياً وتؤكد كذلك تبلور شبكات فضائية عملاقة تحتفظ بأسرار وتقنيات الفضاء، وهذا الواقع يتطلب الانتباه له والعمل على تجاوزه من أجل أعطاء مصداقية لحرية التعبير.
يمكن اعتبار القانون السويدي والفرنسي نموذجا لحرية الحصول على المعلومات، (إذ لم يجد المشرع الفرنسي ضرورة لإفراد نص خاص يقرر هذا الحق للصحفيين باعتباره من حقوق المواطنين كافة)11، وقد ثبت القانون الفرنسي الصادر في 17 تموز 1978م، حق جميع المواطنين في الإطلاع على الوثائق التي عرفها بأنها كل الدراسات والتقارير والبيانات والمحاضر والإحصائيات والأوامر والتحقيقات والنشرات والمذكرات والاستجوابات الوزارية التي تتضمن تفسيرا للقانون الوضعي أو تحديدا للإجراءات الإدارية، (كما نصت المادة الثانية من هذا القانون على أمكانية الإطلاع على الوثائق الصادرة من وحدات الجهاز الإداري للدولة أو الهيئات المحلية أو الهيئات ذات النفع العام)12.
أما في السويد فهنالك نظام يعتبر أفضل نموذج ساطع لدعم حرية الصحافة، بل ونموذج رائع للحرية والديمقراطية للمجتمع ككل، فالقانون يسمح ويحمي حق كل المواطنين في الإطلاع على الوثائق العامة المحفوظة لدى المؤسسات الحكومية، ويحمي حرية الصحفي في التعبير عما يقتنع به دون أي محاسبة قانونية، وجاء في المادة ال 19 من قانون حرية الصحافة وهو وثيقة دستورية تثبيت حق (كل المواطنين في الإطلاع على الوثائق)، رغم أن هنالك قانون للسرية صدر سنة 1980م، والذي يسمح للسلطات حجب بعض الأسرار التي تتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية للدولة والتحقيقات الجنائية والمصالح الشخصية والمالية للأفراد، والمعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للمواطنين13.
ورغم ذلك يحق للمواطنين رفع قضية أمام المحاكم في حالة عدم قناعته بحجب شيء ما، وفي حالة أن تجد المحكمة لا ضرورة للحجب فتقوم بإلزام الحكومة برفع الحجب.
ومن هنا يمكن تفسير ومعرفة موقف الحكومة السويدية الرائع خلال الأزمة الدبلوماسية بينها وبين أسرائيل على أثر نشر صحفي سويدي تقرير يتهم فيه إسرائيل بانتهاكات صارخة ضد الفلسطينيين، وبعيدا عن تفاصيل الموضوع هذا، لاحظنا كيف تحترم السويد قوانينها، وتلتزم بالدستور، فلم تعتذر ولم تحاسب الصحفي، فالدستور قد ضمن له أن يكتب ما يقتنع به دون أدنى محاسبة.
خلاصة القول علينا أن ندرك إن الفساد الإداري والمالي بمختلف أشكاله كان دائما ما ينمو في أجواء النظم السياسية التي تحجب حق امتلاك ونقل المعلومة، ونجد إن المفسدين هم من يعارض سن قوانين خاصة لحرية الحصول على المعلومات من الدولة.
حق الصحفي في حماية أسرار مصادر معلوماته:
أن الإعلام لا ينشر الأخبار فقط بل أيضا معلومات مستقاة من مصادر ربما تكون سرية، مما يعرض الصحفي لخطر البوح عن مصادر المعلومات عندما تكون هنالك قضايا حساسة وعنده أسرار متعلقة بها،
ان حق الصحفي في حماية أسرار مصادر معلوماته هو ضمانة لتحقيق حق المواطنين في الحصول على المعلومات والمعرفة، وقد مر هذا الحق في مرحلة طويلة إلى أن تم إقراره في العديد من دول العالم، كون هناك مصلحة أساسية للمجتمع في هذا الحق، وهو من جانب آخر هو أمر يتطلبه الالتزام الأخلاقي من قبل الصحفي، خصوصا أنه طالما يتعهد الصحفي للمصدر بالحفاظ على سرية مصادره ومعلوماته وبالتالي فالنكوص بالتعهد يفقد الصحفي ثقة الآخرين به.
لكن في النهاية فأن مصلحة العدالة تتطلب أن تبان الحقائق دون مواربة ويمكن الموازنة بين الموضوعين كأن تحتفظ المحكمة بالمعلومات دون بثها، ففي فرنسا ينص قانون إصلاح الإجراءات الجنائية في 4 يناير 1993 في المادة 109/2 على ما يلي، (أي صحفي يستدعى للشهادة أمام المحكمة فأن من حقه عدم الكشف عن مصادره)، وتنص المادة 56/2 على، (لا يجوز تفتيش مقرات الصحف وشركات الإذاعة إلا بواسطة القاضي أو المدعي العام والذي يجب أن يتأكد من أن عملية التفتيش لا تعرض حرية الصحافة للخطر، ولا تعوق تدفق الأنباء)14.
أما في مصر، فقبل سنة 1980م لم تكن هنالك حماية لذلك، ولكن قانون سلطة الصحافة رقم 148 الصادر سنة 1980م، نص في الفقرة 5 منه على، (لا يجوز إجبار الصحفي على إفشاء مصادر معلوماته)15، وفي السويد لا يسمح القانون السويدي الخاص بالصحفيين معاقبة الصحفيين على المواد التي ينشرنها، ولا يعاقب أي موظف يكشف للصحفيين عن معلومات ما، مما يتيح أكبر قدر من الحرية أما تدفق المعلومات.16
حق الصحفي في التنظيم النقابي والتدريب:
أن حق الصحفيين في التنظيم النقابي مسألة أساسية للدفاع عن حقوقهم وحمايتهم ضد ممارسات ومضايقات السلطات، وكذلك لها عدة وظائف أخرى، ويعتبر التنظيم النقابي اليوم سلاحا مهما بيد الإعلاميين يدافع عن حقوقهم ويعزز وحدتهم، وقد ضمنت معظم دساتير العالم الحق في التنظيم، فانضمام الصحفي إلى النقابة هو حق ولا يجوز فرض أية قيود عليه.
وقد تشكلت عدة نقابات صحفية عالمية وهنالك في كل دولة نقابة للإعلاميين، ومن المهام التي تتولاها النقابات هو تعليم وتدريب الصحفيين، فكلما زادت كفاءة الصحفي كلما زادت مهارته وقدرته ليقدم خدمة أفضل للمجتمع، ان التطور الكبير في وسائل الاتصال يفرض الإعداد العلمي لمن يقوم بالاتصال، فاليوم الإعلام صناعة عصرية تحتاج إلى التدريب المستمر، وأصبح الإعلام علما له فلسفته ونظرياته التي تتطور وتتجدد باستمرار، وهنالك طرق وأساليب عديدة اليوم لإقناع المتلقين، والتعليم والتدريب والتخصص يعتبر مهما وأساسيا لاكتساب المهارات الضرورية، وفي هذا الصدد يقول راسم محمد الجمال (إن التأهيل للعمل الإعلامي يتطلب قدرا كبيرا ومكثفا من التطبيق العملي الذي يتعين أن يتم جزء منه في المؤسسات التعليمية ذاتها وتحت أشراف أساتذة الإعلام أنفسهم سواء تم ذلك التدريب في هذه المؤسسات أو في المؤسسات الإعلامية القائمة في المجتمع)17، فالتدريب للإعلاميين هو حق يجب أن تضمنه قوانين الدول.