في التعقيب
على : يوم في حياةِ ديك
لنبيل عودة من – فلسطين
رابط النص في الروافد
http://arrawafed.net/?p=6352
مُذْ أفاقَ من غفوتِه ذاتَ صباح ؟
ينطلقُ مُؤَذناً
معلنا على الملأ
مع أولى خيوطِ الفجر ولادةَ يومٍ جديد
"ديونيزيوس" إله النشوة والعربدة في اليونان القديمة، يبيت لياليه في مخدع "أفروديت" إلهة الحب والخصوبة، "والبغاء المقدس".. ! أجمل من رأتها العيون، وخفقت لصورتها قلوب الكائنات على مرّ العصور .
حارسُه وأمين سرّه يدقّ عليه الباب، لينذرَه مع أولى خيوط الفجر، لكي لا يدركَه نورُ الصباح وينكشفَ أمره للبشر الفانين . لكنه تلك الليلة كان تعِباً أخذتْه غفوةٌ فنام وانفضحَ أمرُ العاشِقَيْن، حينما أدركتهما شمس الصباح وهما عن حالهما لاهيان . هكذا انتقم الإله من الحارس الطائش، ومسخه ديكاً يؤذن ويشهدُ على طلوع الفجر .
والصباح لم يكن مرهونا بالصياح . لكن ديكا في الزّمان كان كإخوانه يشهد على طلوع الفجر؛ فيعتلي قمامة الحيّ وينادي دجاجَهُ يُخَرِّبُ حقول الجيران ويتسلط على الأرزاق . وصاحب المزرعة الحريص على ثروته من البيض والدجاج، تناهى إلى سمعه خفوتُ صياح الديك، وقد تقدّمت به السن ولم يعدْ يستجيب لرغبة الدجاجات .
فاشترى ديكا آخر؛ والديكُ الشاب الذي اشتراهُ المزارع ؟ أثارَ حفيظةَ الديكِ الأساس وحَرَّكَ الغيرةَ في قلبِه، لأنه تَعَوَّدَ أن يستأثر وحده بالدجاجات، ولم يقتنع بعد بمرور الزمن وانقضاء الشباب . طارَ صوابُ الديكِ العجوز من الوافدِ الغريب، ولكنه كان يكابر ويكذب حتى أعياه الصبر والقدرة على الاحتمال؛ فاستدرجه للمبارزة والنزال .
في صراعٍ مميت تَخَضَّبَ بالدماء نُصْرَةً للحق أو الباطل.. لا فرق، تعاركا على المكاسب والنفوذ . طالت المعركة واحتدمت بين الجانبين، والديك العجوز يستميت في الدفاع حتى النفس الأخير؛ عن حقه المُغتصب السليب .
وحينما تَوَقّفَ الكرُّ والفرّ بين الطرفين، وانتهى الهجوم الشرس والدفاع الضعيف ؟ أسفرت المعركة على مرأى من دجاجات الحيّ عن انتصار الدِّيكِ الغريب؛ فانسحب الديك المهزوم العجوز وهو يسترجع أنفاسه المقطوعة، وينزوي مهانا جريحا في زاويةٍ من زوايا خمٍّ قديم . بينما راحَ الديك المنتصر الجديد ينفشُ ريشَه، ويمشي على رؤوس أصابعِه مزهواً مُنْتَشياً من التِّيه . تسَلّقَ مَزْبَلةً الشرفِ الرفيع، وراحَ يتطلعُ باعتزازٍ إلى رعاياهُ الدجاج .
من على المَزبلة راحَ الديكُ المُظفّر، يعلنُ انتصاره بصياحِ المستبدِّ القادر اللئيم . علا صياحُه حتى بلغ مسامع عُقابٍ يحومُ في سماء البلاد، فانقضَّ الطائرُ الكاسر؛ وحملَ الديكَ المنتشي بين مخالبه.. وعاد يحلق في الفضاء .