مدارات صوفية : تراث الثورة المشاعية في الشرق
المؤلف : هادي العلوي
عدد الصفحات : 264
الناشر : دار المدى للثقافة والنشر/دمشق/1997م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقديم:
يرى الباحث المفكر هادي العلوي، من الناحية النظرية، أن سبب انتكاس التجربة الإشتراكية المعاصرة في أوربا يرجع إلى عدم توفر القاعدة الشيوعية المناسبة لها؛ وأن سبب إنتكاس التجربة المشاعية القديمة في آسيا يرجع إلى عدم إكتشاف المشاعيين المنهج العلمي،لإدارة الصراع الطبقي، واستلام السلطة.وانطلاقا من تعليله هذا، يبني نظريته، دامجاً بين تراث الفكر المشاعي المحلي(الشرقي)،والفكر الماركسي الإجتماعي(الغربي)،معتبرا الأول نسخة الشيوعية الأصلية، والثاني نسختها الحديثة.ولهذا لا يحسب الشيوعية فكرة وافدة من أوربا للشرق،بل هي اسم جديد لمسمى قديم.وقد عرض هذه النظرية التدامجية،على الشيوعيين العراقيين لمناقشتها،تحت عنوان:"التنظيم المشاعي للمجتمع"(انظر مجلة الثقافة الجديدة،العدد217،لشهري آب وأيلول 1996م.)..وتراث الفكر المشاعي المحلي(الشرقي) في بحوث هادي العلوي يتكون من جزئين:تراث الحكمة الصينية الذي ألف فيه كتاب "التاو"في1995م، وتراث التصوف الإسلامي الذي ألف فيه كتاب "مدارات صوفية"في1997م. وبهذا المؤلف الأخير تكتمل أجوبته على الأسئلة الملحة التي تثيرها الأزمة المحلية والعالمية،كاسرا الصمت ، لزحزحة العوائق الثابتة ،في طريق الإنسان المعذَّب في الأرض ،بحثا عن خلاص. لذا رأيتني،بدافع المسؤولية الإجتماعية ،لا الترف الثقافي،أتناول كتابه "مدارات صوفية"، بالتحليل لعرض محتواه ، وكشف دلالتيه:الظاهرة والباطنة، مساهمة في عملية التغيير المشتركة، وتجديدا لذكر فقيد الفكر الإنساني، والوطنية العراقية العلامة الراحل هادي العلوي الذي ستصادف ذكراه السنوية الرابعة عشرة في اليوم السابع والعشرين من شهر أيلول الجاري لسنة 2012م ...
الفكرة الرئيسة:
تدور فكرة الكتاب الأساسية حول النضال من أجل "الخلق"، أي من أجل الجنس البشري كله ، من حيث جوهره
الإنساني،بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين، انطلاقا من تراث التصوف الإسلامي كمحور رئيس يتداخل مع الحكمة الصينية،والماركسية الإجتماعية،لتحقيق العدالة الإنسانية اجتماعيا،بإشراف " المثقفين الكونيين" كما يصطلح عليهم العلوي أي المشاعيين الفعليين (مدار النون ص11_ص30-).وقد بني محتوى الكتاب في جملته على وحدتين متعارضتين، تتصارعان فيما بينهما حول الإنسان.الأولى تريد أن تشبعه وتعزّه، وهي تتكون من ثلاثة عناصر: المتصوفين المسلمين_وهم جوهر البحث_،والحكماء الصينيين،والماركسيين الإجتماعيين.والثانية تريد أن تفقره وتذلّه،وهي تتكون من ثلاثة عناصر أيضا: الحكّام ،والأغنياء،ورجال الدين.وعناصر كل وحدة تترابط فيما بينها، وتتداخل في علاقة شبكية لتكوين بنائها العام المتضاد مع بناء الوحدة الأخرى المترابطة عناصرها فيما بينها،والمتداخلة في علاقة شبكية كذلك.ولأن العلوي يرى أن الحقيقة الصوفية ظاهرة فردية من فعل "الأقطاب" أطلق على موضوعه مصطلح" التصوف القطباني"وليس التصوف مطلقا.وبوصفه "القطباني" يكون قد قصره على كبار التصوف،وأخرج منه صغاره الذين لا يعبرون عنه (مدار الميم ص53_ص102). ولأن هذه الحقيقة الصوفية تشوهت في الفترة العثمانية،حدد نهايتها الزمنية في القرن التاسع الهجري، لإخراج الدروشة منها.. ولكي يعيد إلى التصوف صورته،كما هي، أسقط عنه الشوائب التي علقت به من الدخلاء عليه، أو ممن كتبوا عنه من المستشرقين،والكتّاب العرب المعاصرين. وصنّفه إلى ثلاثة أصناف: الأول التصوف الإجتماعي. والثاني التصوف الفلسفي.والثالث التصوف الإهتيامي.ثم ألحق به التصوف الكردي،ونصوصا شعرية قديمة وحديثة,وبيانا عن"تشكيل الهيئة المشاعية للشعب العراقي"(المدار الأخيرص227_ص262)...
أولا_ التصوف الإجتماعي:
وهو يمثل الجانب العملي من التصوف في الصراع الطبقي، والعنصر الفاعل؛ لأنه حركة نضالية تاريخية في الساحة الآسيوية. يرافقها حكماء الصين والمسيح، ضد سلطة الدولة وسلطة المال اللتين تتحملان مسؤولية المأساة الإنسانية، ويتأسس مذهب هذا الصنف التصوفي في معارضة السلطتين المذكورتين على المبدأ الآتي: إن تراكم الثروة الإجتماعية لدى فئة الحكّام ،وفئة الأغنياء، يؤدي بالضرورة إلى نتيجتين: حرمان الأكثرية وترف الأقلية. وحرمان الأكثرية يؤدي إلى إفقارها وإذلالها.فالفقر يمنع الإنسان من حقه الطبيعي في الحياة. والذل يمسخ جوهره البشري.كما أن ترف الأقلية يؤدي إلى فساد المترف،وإفساد غيره.ولذلك تكون سلطتا الدولة والمال مصدرين أساسيين للطغيان،يوجبان معارضتهما دفاعا عن حقوق الخلق(الناس). والمتصوفون الإجتماعيون ،كما يرى هادي العلوي، يتفاوتون في درجة النضال الإجتماعي. وحين جرب "الحلاج" مشروع الثورة المباشرة على السلطتين آنفتي الذكر،لإقامة الدولة المشاعية،،وانتهت به ثورته إلى الصلب،انحصر نضال الآخرين من بعده على الثورة غير المباشرة التي اعتمدت على تطبيق السلوك الفردي المعارض.مثل: عدم جواز العمل مع الحاكم،وخدمته، ومشاركته في أي فعل,وعدم جواز القبض منه لأن ماله حرام،وعدم جواز الأخذ من مال الصدقات لأنها تفضّل الأغنياء بينما يجوز الأخذ من مال الزكاة لأنها واجبة ومنتزعة بالقوة،وعدم جواز معيشة الصوفي من مصدر غير مصدره الشخصي، كالعمل اليدوي، لأن العمل فريضة واجبة، وتحريم اكتناز الأموال وتحريم منعها عن الفقراء...إلى آخره (مدار الميم ص33-ص102). ومن أهم المتصوفين الإجتماعيين بعد "الحلاج" هو"عبد القادر الجيلي" أو(الكيلاني) الذي كان يرى أن أصحاب السلطة لصوص،والذي أصدر دعوة لنهب أموال الأغنياء وتوزيعها على الفقراء، متمنيا لو أن الدنيا في يده ليطعمها الجياع.ومنهم "النفِّري" الذي وضع مشروع الدولة المشاعية قيد العمل منتظرا فجرها المرتقب..والتصوف الإجتماعي ،في رأي العلوي، ليس عقيدة، وإنما هو موقف إجتماعي معارض.يبدأ بـ "إبراهيم بن أدهم"حتى "عبد القادر الجيلي"ويلتقي مع حركة المسيح المشاعية التي انطلقت نضالا إجتماعيا وانتهت بعد صلبه ديناً.والموقف،على رأي العلوي،هو الذي كان يحدد درجة العلاقة بين الدولة الشرقية والمثقف سلبا أو إيجابا.لأن سلطة الدولة لم تحارب الثقافة لأنها ثقافة،بل حاربت المثقف المنحاز طبقيا ضد مصالحها.وعلى الرغم من اعتقاد المثقفين المعاصرين أن الموقف الإجتماعي قد فشل، فإن جوهره باقٍ مع الحياة،يأتي بين حين وآخر بأعراض جديدة كما عادت روح المسيح وأهل التاو وأهل التصوف بأجساد البلاشفة الروس، والشيوعيين الصينيين،في العصر الحديث.ويدعونا العلوي إلى التجريب، وعدم الإستسلام إلى اليأس قائلا:" نحن الآن في نقطة الصفر.. ويمكننا أن نبدأ بداية قوية وصحيحة بعد أن جربنا وسقطنا وجربنا وسقطنا وجربنا و.. وقد نجرب ولا نسقط".ويقدم لنا أمثلة نموذجية من الأعلام الإنسانية التي تتباين مكانا وزمانا، وتتماثل موقفا وأخلاقا، للإقتداء بسلوكهم الأممي العالمي في اختيار الموقف وثباته. وقد أفرد لهم معظم "مدار الباء" (مدار الباء ص103-ص158) في كتابه وسماهم "الأبدال" وهم:"لاوتسه، أبيقورس، موتسه، منشيوس، تشوانغ تسه، يسوع الناصري، مزدك، أبوذر الغفاري، روزبه الأصفهاني(سلمان الفارسي)، عامر العنبري، إبراهيم بن ادهم، الحلاج، النفَّري، أبو العلاء المعري، عبد القادر الجيلي، شاويونغ،غوته، كارل ماركس، لينين، تولستوي، ايغارلويوها نسون"...
ثانيا_ التصوف المعرفي
إذا كان التصوف الإجتماعي يمثل الجانب العملي، فإن التصوف المعرفي يمثل الجانب النظري الذي يدعمه في الصراع الطبقي.وإذا كان التصوف الإجتماعي يتعارض مع سلطتي الدولة والمال؛فإن التصوف المعرفي يتعارض مع سلطة الدين، ويتميز باقتصار أقطابه على التنظير دون الإنخراط الفعلي في ساحة النضال باستثناء "الحلاج".وهو يبدأ أي المعرفي بـ"أبي يزيد البسطامي"ممهِّدا،ثم يبلغ ذروته المعرفية مع الفيلسوف "ابن عربي"، مرورا بـ"أبي بكر الشبلي" و"الحلاج"، واستمرارا بـ"عبد الحق بن سبعين"، واختتاما بـ"عبد الكريم الجيلي"... تتعارض نظرية الصوفية معرفيا مع الدين في مفهوم الألوهية،وفي مفهوم النبوة،وفي علاقة الإنسان بهذين المفهومين:إن العلاقة بين الله والإنسان، كما يصورها الدين، هي علاقة عبودية بين عابد ومعبود.تتأسس على الترغيب والترهيب؛والصوفية تريد أن تسمو بها،من المستوى العبودي إلى المستوى الندَّي.فالبسطامي،مثلا، حين يخاطب الله قائلا:" كل العالم عبيدي غيرك" ينكر العلاقة العبودية بين الخالق والمخلوق،فالوجود علاقة تبادلية بين الله والإنسان:وجود الله بوجود الإنسان، ووجود الإنسان بوجود الله،كما يقول "ابن عربي": نحن جعلناه بمألوهيتنا إلهاً".و"الحق" أي الله كالماء الذي يأخذ لون الإناء"المتجلّي" فيه.فوجوده مفتقر إلى الموجودات لأنه موجود بها, ووجود الموجودات مفتقر إلى وجوده لأنها موجودة به.فالمخلوق هو الخالق،والخالق هو المخلوق؛كما يصور البيتان الشعريان التاليان هذه العلاقة الجدلية في الوجود: "فيحمدني وأحمده _ ويعبدني وأعبده/لذاك الحق أوجدني _ فأعلمه وأوجده"...ووحدة الوجود في تدامجها بين الموجود والموجد عند "ابن عربي"،هي وحدة تضادية.فليس من شئ في الوجود إلا هو ضدّه.وتلتقي هذه الضدية الصوفية(الإسلامية) مع الضدية التاوية(الصينية) ومع الضدية الديالكتيكية(الماركسية).ويفرق المتصوفة بين إله الأديان والإله المطلق.فإله الأديان ليس جوهره واحدا بل هو متعدد.وإله المتصوفة هو ذات مجردة.هي روح الكون كله.والكون عند "ابن عربي" يديره قانونه الداخلي، وليست القوة الخارجة عنه،والإله الذي يعبده المؤمن هو المحدود وليس اللامحدود. ولعدم محدودية اللامحدود فأنه لايدخل المحدود(أي قلب المؤمن).ويبدو أن في وحدة الوجود نفيا لمفهوم الخالق.ولكن هذا النفي لايعني المادية الصرفة،؛لأن في حيوية الروح الكونية التي يؤكدها المتصوفة تمييزا بين المادية الصوفية والمادية الصرفة.وإله المتصوفة الذي هو "الحق" يتوزع على جميع الأديان السماوية والوثنية. فليست هناك من حقيقة دينية،يستأثر بها دين دون آخر.والآلهة تختلف.ولكن إله كل معتقد به هو إلهه الحق، ولا يجوز تكفيره.لذا يفضل المتصوفة مصطلح "الحق" بدلا من الله،ومصطلح"الخلق" بدلا من المسلمين.وحول العلاقة بين الحق والخلق،وبين الخلق أنفسهم،يقول:"ابن عربي":"الكل مشهود وشاهد.والكل فاضل ومفضول.فإن قال أحدهما :أنا.قال الآخرله:أنا. وإن قال أحدهما:أنت.قال الآخر له:أنت".والمتصوفة ربوبيون كلهم، ولكنهم ينكرون النبوات.فالنبوة باطلة عندهم من حيث هي واسطة تتعارض مع التوحد الوجودي المباشر بين المتصوف وإلهه المطلق الذي هو عينه وفيه.ولكنهم لا يحسبونها كذبا وإنما هي تخيّل.ووحيها من الداخل لا من الخارج. ويقول أحد المتصوفة في معنى الإستغناء عن الوحي:""إن الرسل طوّلت الطريق إلى الله" قاصدا كثرة الفرائض، والتكاليف الدينية. وجعل المتصوفة "الولاية"تكافئ النبوة.وقد يكون الولي هو الأفضل.لأن علاقة النبي بالله هي علاقة عابد ومعبود؛وعلاقة الولي بالله هي علاقة محب ومحبوب.وشتان بين العبودية والمحبة علاقة. ويبرز التعارض الصوفي معرفيا مع الدين في أعلى درجاته، حين يصرح المتصوفة بعدم العدالة في تفاوت الرزق بين الخلق في الدنيا، وعدم العدالة في تعذيبهم في الآخرة عذابا لا يتناسب في أبديته مع نوع خطاياهم.وهم يريدون من هذا الإحتجاج تعديل صورة الدين لكي ينفوا عن "الحق" صفة الجلاد،وصفة التاجر،كما يقول العلوي،وصفة الإله المجسم الذي يبدو صنماً للوثنيين، وإمبراطوراً يجلس على العرش للسماويين،قاصدين إراحة "الخلق" من المتاعب، ومساواتهم في العيش والكرامة الإنسانية(مدارالميم ص57-ص102)...
ثالثا_التصوف الإهتيامي(الرومانسي)
عرفه المؤلف العلوي انه:"هو الذي يدور حول الحب والجمال. إلهيا كان أم بشريا" وجوهره المحبة. والمحبة هي محور التصوف بأصنافه الثلاثة،ورابطة أقطابه كلهم؛ لأنها أساس الوجود بالنسبة إليهم، وسبب الجذب فيه.ويراها "ابن عربي" هي الدين الذي يمكنه أن يوحد البشر جميعا على الخير.والمحبة عند المتصوفة أقسام:حسية ونفسية وقلبية وعقلية وروحية.والحسية هي أدنى مراتبها.والروحية هي أرقاها:المحبة الحسية هي التي يحب بها المؤمن الله لإحسانه إليه.والمحبة الروحية هي التي يحب بها المتصوف "الحق" لذاته المجردة لا لأفعاله، لأنه لا يرجو فيها من محبوبه ثوابا، ولا يخشى منه عقابا.وحين يبلغها تزول الحجب بين المحب والمحبوب.وقارن العلوي في هذا الصنف من التصوف بين حب الشعراء وحب المتصوفة.وبين حب المرأة وحب الرجل.وعزا الإنحراف في الحب المعاصر،في الغرب وفي البلاد العربية،إلى تقدم المدنية..ثم مرَّ بأعلام التصوف الإهتيامي.ووقف عند "رابعة العدوية" من النساء،وعند "ابن الفارض" من الرجال.ولم يستغرق في هذا الصنف، كما استغرق في صنفي التصوف الإجتماعي والتصوف الفلسفي،وهو صنف غزير المادة،ولعله لم يرد أن ينأى عن غايته التي حددها.وهي التصوف الإجتماعي الذي اكتشف فيه "النضال من أجل الخلق"،وما أورد هذا الصنف إلا لتكتمل صورة التصوف في البحث.(مدار الهاء ص159-ص176.)... وبعد أن قدمت لكتاب"مدارات صوفية"، وعرضت أهم مضامينه الأساسية باقتضاب شديد؛ أحاول الآن أن اكشف ما يدل عليه هذا الكتاب ظاهريا وباطنيا،لإستكناه أهميته الفكرية والإنسانية في الوقت الحالي...
الدلالة الظاهرة والدلالة الباطنة:
كتاب"مدارات صوفية"هو من أخطر ما ألف هادي العلوي من مؤلفات.وفيه خطورتان:الأولى مباشرة. سمَّيتها: الدلالة الظاهرة.لأنه يضاد سياسيا ودينيا واجتماعيا جميع مراكز القوى المحلية التي تبدو منقسمة بتناقضاتها الثانوية شكليا،ولكنها متوحدة بمصالحها الرئيسة المشتركة ضد أي مثقف جرئ يتمرد على ثوابتها المقدسة ،لتصفيته جسديا أو فكريا.والثانية غير مباشرة.سمّيتها الدلالة الباطنة.لأنه يضاد مركز القوة العالمية التي تدير المجتمع بواسطة تثبيت تلك القوى المحلية لتحقيق مصالحها،واستمرار نفوذها في المناطق الغنية اقتصاديا.إن الدلالة الظاهرة في كتاب "مدارات صوفية" تكمن في ربط الحاضر بالماضي، بصورة منفتحة على التجربة الإنسانية الكونية، انطلاقا من تراث التصوف الإسلامي، وتركيزا على منحاه الإجتماعي المناضل، في معارضة سلطة الدولة وحكامها، وسلطة الدين ومدعيه، وسلطة المال ومترفيه؛لتحقيق غايتين:أولاهما:تحويل الأموال الخاصة إلى أموال عامة، لحفظ قيمة الإنسان ماديا ومعنويا.وثانيتهما:تكوين شخصية ثقافية فاعلة مبنية على الموقف الإجتماعي لا العقيدة. الغاية الأولى تتعلق ببناء الشيوعية من القاعدة الشعبية الى القمة.وليس العكس الذي أدى إلى فشل تجربتها الإشتراكية.والغاية الثانية تتعلق بالثقافة المحلية المعاصرة:فالمثقفون الحاليون ،كما يصفهم هادي العلوي، منعزلون تماماً عن القاعدة الشعبية في المجتمع .يطالبون بحقوقهم الثقافية الخاصة ؛ معتبريها حقوق الشعب،ويقيسون وطنية الدولة على مقدار رعايتها الثقافة، مستمدين هذا المفهوم من مصادر الثقافة الغربية المترجمة، والناتجة عن ظروف مختلفة عن ظروفنا الخاصة.فهم مشغولون بالنظرية الثقافية،لا بالإلتزام الإجتماعي، وبذواتهم لا بالآخرين.وقد يحمل بعضهم عقيدة إنسانية ولكنه لا يحمل قلبا إنسانيا. وأرجع العلوي فساد الثقافة المعاصرة إلى عاملين:عامل نفطي،وعامل ثقافي غربي.ثم طرح الصورة الثقافية النموذجية المرتجى ظهورها بديلا للثقافة الحالية. وسمَّى مثقفيها الجدد بـ"المثقفين الكونيين".ووصفهم بأنهم شعبيون عمليون،وملتزمون اجتماعيا ،ومعارضون سياسيا وطبقيا ودينيا،وزاهدون أحرار لا يخضعون لحسابات الربح والخسارة.يقودون حركة الصراع الطبقي لتخليص الإنسان من سيطرة الإنسان، ويعتمدون في مصادرهم الثقافية،على التصوف الإسلامي، وعلى الحكمة الصينية،وعلى الأفذاذ من حكماء الغرب.أما الدلالة الباطنة في الكتاب،فتكمن حضاريا بتأكيد شخصيتنا الخاصة،وتجربتنا الخاصة أيضا،من خلال التحرر من قيدين مزدوجين، خارجي وداخلي: القيد الخارجي يتمثل بالسيطرة الأجنبية علينا منذ خمسة قرون.بدءا بالإحتلال العثماني وانتهاء بالإمبريالية الغربية الحالية، التي لا تحكمنا مباشرة، وإنما بواسطة جكامنا الذين تصنعهم إرادة الغرب الأور_إمريكي لا إرادتنا.والقيد الداخلي يتمثل بالقيم التقليدية الموروثة التي تمارس فعلها باسم الدين،انفصالا عن الحاضر والمستقبل؛وبالقيم الأجنبية الدخيلة التي تمارس فعلها باسم الديمقراطية والتحرر،انفصالا عن حاضرنا وماضينا الخاصين،إضافة إلى ذوي المال المتحالفين مع كل من يخدم مصالحهم.هذان القيدان يتلاحمان فيما بينهما مصلحيّاً، رغم التناقضات الثانوية،ويشكلان عائقا كبيرا أمام حركة المجتمع ،يعرقل نهوضه ويوقف تقدمه. ومسؤولية المثقف الفاعل تبدأ من مواجهة هذا العائق،ومعارضة جميع سلطاته الداخلية والخارجية لتغيير الإنسان من حال استغلاله واستعباده، إلى حال المساواة الإجتماعية والحرية الإنسانية.إن هذا المثقف المخاطر ضد جميع سلطات القمع من أجل الإنسان المضطهد،هو الموصوف بـ"المثقف الكوني" ،كما مرّ ذكره،والمعبر عن إرادته المفكر الراحل هادي العلوي في كتابه الموسوم بـ"مدارات صوفية"،والطامح لإستمرار نوعه،وتكاثره،أملا بالخلاص وبناء المستقبل الإنساني السعيد...
أهم المراجع عن العلوي:
1- مدارات صوفية_هادي العلوي_ دار المدى_1997م
2- كتاب التاو_هادي العلوي_ دار الكنوز_1995م
3- المرئي واللامرئي_ هادي العلوي_دار الكنوز_1998م
4- ديوان الوجد_ هادي العلوي_دار المدى_1998م
5- المستطرف الصيني_هادي العلوي_دار المدى_1994م
6- محطات في التاريخ والتراث_هادي العلوي_دار الطليعة1997م
7- شخصيات غير قلقة في الإسلام_هادي العلوي_دار الكنوز1995م
8- من قاموس التراث_هادي العلوي_الأهالي1988م
9- المنتخب من اللزوميات_ تقديم ودراسة_هادي العلوي_مركز الدراسات الإشتراكية1990م
10- هادي العلوي:إعداد خالد سليمان وحيدر جواد_دار الطليعة1999م
11- الظاهرة الطائفية في العراق:هادي العلوي وعلاء اللامي_ مخطوط نشر جزء منه في الثقافة الجديدة
12- جريدة نداء الخلق_ لسان الحركة المشاعية_ الأعداد1_2_3_4_5
13- رحيل هادي العلوي -الطبعة الأولى1999م