
تُقدم البروفيسورة بَوِن عرضاً موجزاً لمداخلتها في هذه المقابلة، وتتحدث عن حياتها التي كرَّستها للعمل في مجال تعليم الكبار وتمكين النساء.
تتضمن المحاضرة التي ستلقيها البروفيسورة بَوِن، التي تبلغ من العمر 82 سنة، عن محو الأمية والتمكين في إطار الاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية، التجارب الميدانية والبحوث التجديدية التي أجرتها، طوال حياتها، في العمل في مجال تعليم الكبار.
أمضت البروفيسورة بَوِن الجزء الأكبر من حياتها المهنية في إفريقيا، حيث قامت بدور بالغ الأهمية في تصميم ونشر برامج تعليمية للكبار في جامعات غانا وأوغندا ونيجيريا. وأفضت البحوث التي أجرتها في مجال محو أمية النساء إلى إعداد تقرير مؤسس بعنوان "إعداد المستقبل ـ النساء، محو الأمية والتنمية: تأثير محو أمية الإناث في التنمية البشرية ومشاركة النساء اللاتي يعرفن القراءة والكتابة في عمليات التغيير".
تشرح البروفيسورة بَوِن كيف أثّرت والدتها، التي كانت تتمتع بشخصية مرموقة، في مسار حياتها الخاصة.
تقول في هذا الصدد :"
أُتيحت لوالدتي فرصة الالتحاق بالمدارس حتى بلغ عمرها 17 سنة، وهو ما كان يُعتبر في ذلك العصر اتجاهاً تقدمياً إلى حد بعيد. وعندما طلب والدي أن يتزوجها، أخبرته أنها لن تقبل الزواج منه إلا إذا وافق ـ بادئ ذي بدء ـ على أن تتمتع ذريتهم من البنات بنفس الفرص المتاحة للصبيان. وكان لها ما أرادت؛ ثم أنجبا ابنتين، ولم يخلف والدي بوعده".
"كان لي الحظ في أن أدرس التاريخ في جامعة أكسفورد، حيث كنت واحدة من 600 فتاة بين 6000 من الطلاب الذكور. وتخرجت من هذه الجامعة ولديّ شعور بالمسؤولية التي تقع على عاتقي. فقد تلقيت عروضاً عديدة للعمل في مجال الإدارة، ولكنني رغبت في أن أعمل بما يعود بالنفع على الآخرين. وعندما بدأت بلدان كثيرة تابعة للإمبراطورية البريطانية في الحصول على استقلالها، قررت الذهاب إلى هذه البلدان لمساعدتها".
اتجهت البروفيسورة بَوِن إلى افريقيا، حيث ركزت جهودها على برامج تعليم الأدب والفنون الإفريقية، ونظمت أنشطة منها المؤتمر الأول من نوعه بشأن الثقافة الإفريقية الذي انعقد في القارة الإفريقية. ويندرج الكتاب الذي ألفته تحت عنوان " قرنان من الإنجليزية في إفريقيا" (1973) مباشرة فيما بذلته من جهود ترمي إلى إضفاء الصفة الإفريقية على البرامج المتعلقة بالتعليم النظامي وفي المجتمعات الإفريقية بصفة عامة. تبنّت الأستاذة بَوِن ابنتين توأمين من نيجيريا، وتولت تربيتهما منذ أن بلغتا سن الخامسة.
كانت إقامة البروفيسورة بَوِن في إفريقيا هي التي لفتت نظرها للمرة الأولي إلى الآثار الناجمة عن الأمية، وحثّتها على دراسة تأثير تعلم القراءة والكتابة في الظروف الحياتية للنساء.
تقول البروفيسورة بَوِن :" لن أنسى أبداً ما قالته لي، على حق، امرأة من موزمبيق، وهو أن "الجهل بالقراءة والكتابة يثير دائما مشكلات مخيفة: فكيف يمكن، على سبيل المثال، لشخص أميّ أن يستدل على الطريق المؤدي إلى مستشفى؟ أو كيف يمكن له قراءة دليل تناول أدوية؟".
"ومن ثم، فقد اقتنعت كل الاقتناع بأن اكتساب مستوى معين من تعلم القراءة والكتابة، حتى وإن كان أبسط المستويات، يؤثر تأثيراً كبيراً في عملية التمكين، وذلك في المجالات الشخصية، والاجتماعية والسياسية. وفيما يتعلق بالنساء، فإننا نلاحظ تغييراً جوهرياً في سلوكهن إذ أن تعلم القراءة والكتابة يُمكِّنهن من بناء الثقة بالنفس والاعتداد بالذات".
لا تلتزم البروفيسورة بَوِن التزاماً كاملاً بالنهج الإنمائي الأكثر شيوعاً، إذ أنها تؤكد أن :"محو أمية النساء إنما يرتبط، اليوم، بالطريقة المؤدية إلى تحسين الظروف المعيشية لأسرهن وأطفالهن، وكذلك بمؤشرات الصحة، وهو ما يمثل أمراً بالغ الأهمية. وإضافة إلى ذلك، فإن لمحو الأمية دوراً مهماً في تعزيز القدرات الشخصية للنساء ومكانتهن في المجتمع، خارج محيط أسرهن".
بدأت البروفيسورة بَوِن، أثناء التسعينات، في إعداد تقرير جمعت فيه ما أجرته من تجارب بشأن تأثير تعلم القراءة والكتابة في حياة النساء. وتقول: "لقد دهشت إلى حد بعيد عندما اكتشفت أنه لم يتم من قبل إجراء بحوث بشأن هذا الموضوع. وأعتقد أن ذلك يعود إلى أن تعلم القراءة والكتابة إنما هو أمر يتعلق، في كل الأحوال، بالمدارس والأطفال. فجميع الأفراد، سواء أكانوا نساءً أم رجالاً، لهم الحق في تعلم القراءة والكتابة بطبيعة الحال؛ لكن الحاصل أنه يمكن للرجال، في معظم المجتمعات، أن يتسلموا مقاليد الأمور، كما في اللجان القروية، حيث يتم اتخاذ القرارات، حتى وإن كانوا أميين. والمؤسف أن ذلك لا ينطبق على النساء.
فيما يتعلق بمجال التعليم، ترى البروفيسورة بَوِن أن برامج محو أمية الكبار الجيدة النوعية لا تنال، في معظم الأحوال، ما تستحقه من اهتمام. وتقول في هذا الصدد: "ليس من المفهوم أن يتولى معلم مدرَّب تعليم الأطفال في المدارس، في حين أن تعليم الكبار غالباً ما يقوم به أيّ متطوع غير متخصص". "إني مقتنعة بأنه إذا أراد الناس، بالفعل، تعلم القراءة، فإنهم ينجحون في تحقيق هذه الرغبة، حتى وإن كان المعلم عديم الكفاءة؛ غير أنه من الأفضل تكليف معلمين مدرَّبين للقيام بهذه المهمة".
ترى البروفيسورة بَوِن أن الإرادة السياسية هي من العناصر الأساسية للقضاء على الأمية. "وسواء أكان مصدر هذه الإرادة المنطقة أو الإقليم، فالمهم هو أن تكون إرادة قوية كفيلة بالنهوض بمستويات محو الأمية. والواقع أن ما ينبغي عمله هو القيام بحركة على النطاق العالمي ترمي إلى محو الأمية، غير أنه من المستبعد إلى حد بعيد تحقيق ذلك. ويُبين النجاح الذي أحرزته بلدان مثل كوبا وبنغلاديش وإثيوبيا فيما يخص رفع مستويات محو الأمية ما يمكن عمله عندما يتعلق الأمر بالمصلحة العامة. وقد رأيت كيف استطاع الرئيس جوليوس نييريري، في تنزانيا، تغيير أوضاع شعبه على نحو جذري في هذا المجال. ولهذا السبب بالذات، فقد كان يُطلق عليه لقب "المعلم"، بدلاً من "صاحب الفخامة".
من الممكن لمؤسسات أخرى، غير الحكومات، تستند إلى المجتمعات المحلية، أن تضطلع على نطاق أضيق، بدور فعال للغاية في مجال محو الأمية. "ففي إفريقيا، ساهمت الكنيسة المعمدانية إسهاماً كبيراً في مجال محو الأمية؛ وفي باكستان، أثار إعجابي عمل من أفضل الأعمال في مجال محو الأمية أنجزته "حركة المرشدين" التي تقودها بصفة رئيسية نساء باكستانيات ممن تعلمن تعليماً جيداً واضطلعن بمسؤولية كبيرة تجاه النساء اللاتي لم ينلن قسطاً كبيراً من التعليم".
ترى البروفيسورة بَوِن أن الكتابة ما زالت تمثل عاملاً حاسماً رغم انتشار الإنترنت، وذلك من حيث كونها الوسيلة المستدامة والقليلة الكلفة لحفظ المعارف وتقاسمها، حتى وإن ظلت المشكلات المتعلقة بوسائل محو الأمية باقيةً على حالها.
أكدت البروفيسورة بَوِن أن"الأطراف الفاعلة المعنية بمواد التعلم تتشكل من الرجال وحدهم في باكستان".
ترى البروفيسورة بَوِن أن من الضروري للمنظمات الكبرى مثل اليونسكو أن تلتزم بقدر كبير في مجال تمويل برامج محو الأمية. وتقول في هذا الصدد: "عندما ألاحظ أنه لا يتم تخصيص سوى مبالغ "قليلة" لهذا الغرض، فإني أدرك أن مجال محو الأمية لا يُعتبر في الواقع هدفاً أساسياً". "ومن المحتمل أيضاً أن يؤدي ما أسميه فكر "البنك الدولي" إلى اعتبار أن عوامل التكلفة والإدارة هي أهم من الناس المحتاجين إلى المساعدة".
السيرة الذاتية
وُلدت البروفيسورة بَوِن في مقاطعة ساري الواقعة في جنوب ـ شرق المملكة المتحدة سنة 1927. ودرست في كلية البنات في تشيلتينهام وفي جامعة أكسفورد، حيث حصلت على مرتبة "الشرف الثانية" في مادة التاريخ الحديث (1949)، ثم شهادة الماجستير (1952). وقامت بالتدريس لفترة قصيرة في جامعة أدنبرة قبل أن ترحل إلى افريقيا، حيث درَّست في جامعة ساحل الذهب في غانا، وجامعة مكيريري في أوغندا، وجامعة إيبادان في نيجيريا، وجامعة زامبيا، وجامعة أحمدو بيللو في نيجيريا، وجامعة لاغوس.
في عام 1975، حصلت البروفيسورة بَوِن على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة التعليم عن بُعد للجميع في المملكة المتحدة "تقديراً للخدمات التي أدتها في مجال تعليم الأشخاص المحرومين"، ونالت جائزة ويليام بيرسون توللي من جامعة سيراكوزا، فكانت أول سيدة تحظى بهذا الامتياز. وفي عام 1981، عادت إلى المملكة المتحدة وعملت في قسم تعليم الكبار والتدريب المستمر في جامعة غلاسكو. وفي عام 2002، منحتها هذه الجامعة درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب.