جدي دافنشي

2015-05-21
 
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f01483d0-ac58-43e0-94aa-aa47c172870d.jpeg
انفق جدي وقتا طويلا..
لا ريب في ذلك..
الغرفة بما فيها من قطع اثاث وكتب غطيت بنسيج عنكبوت متداخل لا اول له و لا اخر..
واللون الوحيد الذي طغى على المكان كله..الجدران والسقف مع طلاء اطار النوافذ والستائر البالية هو اللون الرمادي.. حتى بعد تنظيفها من الغبار، وإزالة كل نتاج العناكب لسنوات طويلة..
نظارة جدي في مكانها، كما وضعها قبل اربعين عاما، قلمه مع زجاجة حبر تحول ما فيها الى قطعة من الحجر لم يحظ بلون مختلف ولا الحبر ايضا..
الاوراق رغم اهترائها واصفرارها حملت ذات اللون..
الأثاث كله رمادي كسحابة لم تجهضها الرعود..
صوره القديمة، ملابسه مع العث..
ليت ابي ترك لي شيئا سوى المفتاح مع الوصية..
شيئا ما يفسر حب جدي للون كئيب ومحير كهذا اللون، ألم يدخلها مطلقا؟.
هنالك ما هو واضح حقا : ان جدي قد عاش عمرا طويلا هنا، بين هذه الجدران الرمادية والاثاث والحبر والاوراق، يكتب دون توقف..
مخطوطات ضخمة على المكتب العتيق، مخطوطات على الارض والرفوف..
قبل ان يجرفني فضولي للكشف عن سر رمادية غرفة جدي، لم اشعر بحماس شديد لفتح مجلداته وقراءة ما كتب..
جلست ارضا خشية ان يتهاوى الكرسي او المكتب، ووضعت في حجري أقرب مجلد الي..
ظننت أن الصفحات فارغة للوهلة الاولى، لكني حين اقتربت من النافذة، لمحت تحت الغبار لونا باهتا لكلمات حائلة اللون..
بُـهـِث..، الورق رمادي.. والسطور بلون مماثل؟؟؟.
لولا الغبار لما تبينت خشونة الحبر على الورق الذي لامسته اصابعي معتليا الكلمات الشبحية هنا و هناك ..
مسحت الورق باكمامي ..
لاشك في انتظام سطور باهتة يصعب ان تقرأ..
ولا أبالغ ان قلت ان مجرد محاولة قراءتها هي الجنون بعينه، وان العثور على طريقة ما لرؤيتها كما يجب تعد ضربا من الخيال..
تناولت مجلدا اخر..
السطور الرمادية ذاتها.. و الكلمات مشفرة بزمنها.. بلونها، وباختيار جدي للون احمق ..
فتحت المجلدات التي على المكتب وعلى الرفوف ..
كلها متماثلة..
هل غيرت السنون الوان هذه الغرفة المدهشة ؟؟ ..
ام ان جدي كان مولعا بهذا اللون؟؟..
ماذا عن ابي؟؟..
هل احتار حيرتي ثم شعر باليأس وغادر عاجزا.. ثم لم يعد ابدا..او يأتي على ذكر لغز جدي لا في حياته ولا في وصيته؟؟.
تجمعنا في الغرفة جميعا الاحفاد وزوجات الاحفاد واولادهم..
فتحنا كل المجلدات..
عبثا حاولنا قراءة سطر واحد..
احد اولادي عرض احدى الصفحات لبعض الحرارة عسى ان يسود سطر فتتضح الكلمات..
صبغنا صفحة اخرى بالوان مختلفة..
اتصلت بعالم آثار علّ هنالك طريقة نجهلها للكشف عن محتويات مجلدات الجد الغامضة..
في النهاية، وبعد شهور من المحاولات المستميتة لفك شفرة جدي الدافنشية، افترقنا وفي صدورنا حسرة والم، ان تتحول اربعون عاما من الزمن الى جبل شاهق بيننا وبين كل ما جرى يوما في هذه الغرفة.. كل ما انفق جدي عمره فيه..كل ما حوته المجلدات.. كل ما اصبح الآن مجهولا ابدا لا امل في الكشف عنه في المستقبل القريب..كما أظن..

د.ماجدة غضبان 

كاتبة عراقية

طبيبة بيطرية

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved