جماعة الإخوان بمصر... تحفر قبرها... وتدفن تاريخها...!

2014-06-19
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/55553894-4017-4652-a8b2-5d0cb0c9c2dd.jpeg
 لقد اعتقد إخوان مصر ''ضلالاً'' أن الوثوب إلى منصب رئاسة مصر يعني حقهم في (أخونة) أجهزة الدولة، وبالتالي الهيمنة تدريجياً على المجتمع المصري وتطبيق مفاهيمهم على مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية من خلال الإرهاب المنظم.‏ وهو العمل الوحيد الذي أثبتت الأحداث أنه يتقنه تنظيم الإخوان المسلمين أينما حل بلاؤه.‏ 
فبعد إرسال مندوبهم إلى قصر الاتحادية، تنكر الإخوان لوعودهم كافة، وحاولوا السيطرة على كل المناصب في مصر، وعملوا على أخونة الدولة، وأرادوا فرض نهجهم الاجتماعي على الجوانب الاجتماعية الحياتية على الشعب المصري. ليس ذلك فقط وإنما حَللوا كل الموانع السابقة التي تمثلت في: استمرار عقد الاتفاقيات مع الولايات المتحدة، وإبقاء معاهدة ''كامب ديفيد'' مع إسرائيل، وإجراء الحوارات الكثيرة مع الدول الغربية، وقطع العلاقات نهائياً مع سوريا. عملوا على تكميم الأفواه في الداخل وقمع الحريات، والتهديدات المستمرة بالسجن والمحاكمة للمعارضة. تلك هي التهديدات التي أطلقها ''مرسي'' بحق المعارضة. 

اكتشف المصريون حقيقة الإخوان خلال سنة واحدة فقط من حكمهم. سنة من الفشل والأوهام والادعاءات المزيفة، احتكروا الدين الإسلامي الحنيف ووظفوه من أجل إقصاء كل القوى الأخرى التي اعتبروها (عدوَّة) لهم! لقد صعَّد الإخوان المسلمون الوضع وجعلوه أقرب إلى الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية.
فقد انزلق النظام الأخواني الفاشي إلى مستوى متدن من خطاب الكراهية والتحقير لخصومهم بشكل لا يليق مطلقا برسالة الإسلام السامية. وتبارى إعلامهم في التحريض العلني على سفك الدماء والانتقام من المعارضين ونعتهم بأسوأ الكلمات. بل وصل الأمر ذروته حين انزلق بعض قادتهم إلى استخدام لغة طائفية وخطاب عنصري مذموم حول الخلاف السياسي إلى خلاف حول المذهب والعقيدة والدين. وارتكب الرئيس المعزول ''محمد مرسي'' خطأ لا يغتفر حين صمت على تصاعد حدة هذا الخطاب دون أن يوقفه أو يحاسب من يروجه. في حين سمحت جماعته بأن يعتلي منصتها مجموعة من الموتورين دينياً وأيديولوجياً كي يبثوا رسائل العنف والكراهية دون خجل.
وشهد عام حكم الإخوان اتجاه الأوضاع الداخلية المصرية الاقتصادية ـ الاجتماعية، نحو مزيد من التأزم، واللجوء إلى الاستدانة الخارجية والارتهان، خلافاً لمبادئ الشريعة التي تدعيها الحركة، وشعاراتهم خلال فترة تواجدهم في المعارضة بوصفها حلول تهدئة مؤقتة ومشروطة أيضاً.
كما لم يعمل الإخوان على تنفيذ وعودهم حول إسقاط اتفاقية ''كامب ديفيد'' أو تعديلها بالحد الأدنى، لما تضمن من انتقاص لسيادة مصر، لا بل واصلوا تطوير علاقاتهم مع إسرائيل، كذلك مع الدول الغربية وأمريكا، وبالتالي تقزيم دور مصر عربياً ودولياً إلى درجة الذيلية والتبعية.
فى ظل هذا المناخ الفاسد لم يكن غريباً أن يسقط ''مرسي'' وجماعته ويسقط معهم خصومهم سياسياَ وأخلاقياً.
ويسجل لثورة 30 حزيران أنها استطاعت وخلال 72 ساعة فقط، الإطاحة بنظام الرئيس ''محمد مرسي'' وتصحيح مسار ثورة 25 يناير، إثر المظاهرات المليونية التي عمت ميادين  المدن المصرية ضد القوى التي اختطفتها والمتمثلة في حركة الإخوان المسلمين، وأنصارها في الجماعات الإسلاموية المتطرفة. وساعد في نجاح هذه الاحتجاجات وإنجازها لخطوتها الأولى، الموقف الوطني للمؤسسة العسكرية، التي حاول مرسي تحجيمها، والتي أعلنت في المقابل وأمام هذا الحراك الجماهيري  إنذارها الشهير بمنح 48 ساعة للتغيير والتوافق في الطيف السياسي المصري بمكوناته المختلفة، نزولاً عند رغبة عشرات الملايين المحتجين، على أسس جديدة تضمن مواصلة مصر لدورها الوطني والقومي والتاريخي، وأيدته في ذلك قوى التغيير والإصلاح في اجتماعها الطارئ مع أركان القوات المسلحة، وهذا ما رفضه ''مرسي'' وجماعته وأدت تالياً إلى إقصائه.
الإخوان المسلمون المتعطشون للسلطة منذ بداية نشأة هذا التنظيم عام 1928 في لندن انتهجوا سياسة القتل والاغتيالات والتحريض على العنف واستغلوا الحراك الشعبي ضد نظام ''حسني مبارك'' ليتسلقوا إلى السلطة حيث فشلوا في تحقيق مطالب المصريين ولم يستطيعوا التخلص من سياسة كل ''من ليس معنا يجب محاربته وقتله''.
''الإخوان المسلمون'' الذين نزلوا إلى الشوارع، يدّعون شرعية فقدت شرعيتها في ميادين الملايين في الثلاثين من حزيران، أخطؤوا عندما اختزلوا مصر كلها بحزبهم، واختصروا كل المصريين بجماعتهم، وتمادوا في خطأهم أكثر وأكثر عندما اعتبروا الكرسي هو المبتغى، ودونه رقاب ودماء، ولكن خطأهم الأكبر تجلى بإمعانهم في تحليل الأموال التي قبضوها من أمريكا عبر خيانة مصر المحروسة وتحويلها إلى ساحة حرب لا متناهية.‏ 
وبشكل مفاجئ تحولت جماعة الإخوان المسلمين إلى دولة داخل دولة، وظهرت الأسلحة التي خزنت بكثافة في الشهور الماضية، وانتشرت الميليشيات التي دربت مسبقاً تعلن التمرد، وكثر الهرج والمرج، وعاثوا في الأرض فساداً وترهيباً بقتل المعارضين للرئيس المخلوع ''مرسي'' ورميهم من فوق أسطح العمارات، والتمثيل بجثثهم، والتحرش بالمتظاهرات، ومضايقة المتظاهرين بالسلاح الأبيض، وحتى إطلاق النيران عليهم، والدخول في مناوشات مع القوات المسلحة النظامية، واستخدام الأسلحة الثقيلة وقذائف الهاون و''آر بي جي'' في مهاجمة مطار العريش ومواقع الجيش المصري والشرطة في سيناء، ومناداة كل قياداتهم بإعلان الجهاد بإسم الجماعة على القوات النظامية والشعب المعارض.
فهم، لم يقتنعوا حتى الآن أن الشعب المصري قال كلمته التي أكدت عدم صلاحيتهم للحكم وأن زمن حكم الإخوان قد ولى بعد الفشل الذريع في تحقيق ما تمناه المصريون خلال حراكهم الشعبي وذلك في العيش الكريم والحفاظ على هيبة الدولة المصرية وعدم الرضوخ للاملاءات الخارجية التي تتربص شراً بالمصريين حيث باتت مصر في زمن حكم الإخوان رهينة بيد المرشد الذي يأتمر بأوامر التنظيم الإخواني الدولي الذي تموله قطر وترعاه تركيا... 
لم تدخر جماعة الإخوان المسلمين في مصر أي عمل إجرامي أو لا إنساني إلا وعمدت إلى تنفيذه في سبيل العودة إلى السلطة بعد أن تم عزل زعيم عصابتهم ''محمد مرسي'' من قبل الشعب العربي المصري. 
فما فعلته ومازالت، جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد عزل الدكتور ''محمد مرسي'' من منصب رئيس الجمهورية هو انتحار سياسي بإصرارها على ممارسة العنف، واعتبار ما حدث انقلاباً على الشرعية، وأن الجيش المصري انقلب على ''مرسي'' وأنهم سيواصلون ممارسة العنف لحين عودة ''مرسي'' إلى الحكم، وهو ما أسفر في النهاية إلى وقوع أحداث دامية، كان آخرها أثناء فض اعتصام ''رابعة العدوية'' و''النهضة'' ومسجد ''الفتح''... تلك النهاية المأساوية والدموية التي راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى. 
والمتابع لتصريحات قيادات هؤلاء ''الإخوان'' وتبجحهم العلني باستدعاء قوى الغرب المتصهين لتوجيه ضربة عسكرية ضد الجيش المصري، فضلاً عن أحاديث المتحدث بإسم جماعتهم ''جهاد الحداد'' والتي خصها لصحيفة ''معاريف'' الإسرائيلية وحاول فيها توصيف الجيش المصري بالقاتل، ويدرك تماماً بأن'' الإخوان'' لن يألوا جهداً ولن يتوانوا عن ارتكاب أي حماقة أو قذارة في سبيل اغتصابهم للسلطة مجدداً، كما أنهم وبإسم الدين والشرع والحلال والحرام الذي هو منهم براء سيحرقون الأخضر واليابس وسيمعنون في تصفية كل من يعترض طريقهم أو يقول لهم لا مهما كان الثمن ومهما بلغت التكاليف البشرية، كيف لا... وتاريخهم الأسود موصوم ''بالانتحاريين والجهاديين''، وحافل بالعمليات الإرهابية الدموية والتفجيرات والاغتيالات و القنابل الحارقة التي لم تستثن حتى الرُضَع.
وفي هذا السياق قال ''محمد البلتاجي'' أحد قيادات تنظيم الإخوان المسلمين أن الوضع في سيناء سيعود إلى الهدوء في الوقت الذي يعود فيه محمد ''مرسي'' إلى سدة الرئاسة الأمر الذي يشير إلى مدى تورط عصابة الإخوان المسلمين في توتير الأجواء في مختلف أنحاء مصر ومسؤوليتهم في سفك الدم المصري وتعطشهم إلى السلطة والعمل على استردادها بآي وسيلة كانت ولو كان ذلك على حساب مصالح ودم الشعب المصري وبما يخدم العدو الصهيوني.
والمساومة التي أطلقها ''محمد البلتاجي'' القيادي في حركة الإخوان المسلمين بضمان الهدوء ومنع العنف واستهداف الجيش والشرطة المصريين ومراكزهما في سيناء مقابل إطلاق ''محمد مرسي''، تعتبر مساومة خطيرة تحمل دلائل كثيرة وخبايا عديدة، وتعيد الذاكرة إلى حادثتي مقتل الجنود المصريين الستة عشر، وخطف الجنود المصريين السبعة ومن ثم الإفراج عنهم بصورة غامضة.

مشهد القتل والتعذيب والسحل الذي تمارسه جماعة ''الأخوان'' مخيف يوحي بأن مصر قد باتت على أبواب حرب أهلية، فقد نهبوا المتاحف الأثرية وأحرقوا حضارة أمة وشعب، وأحرقوا الكنائس القبطية في عدة محافظات، وكأنهم على عداء مع دور العبادة التي يعود بناء بعضها إلى ما قبل الفتح الإسلامي، بينما عاش الأقباط عصورهم الذهبية بعد الفتح الإسلامي لمصر وحتى في تاريخ مصر الحديث باعتبارهم الجناح الأصيل لتقدم مصر وبناء أمجادها، وفي اليوم ذاته أحرقوا عدداً كبيراً من مخافر الشرطة والنقاط الأمنية ونشروا الحرائق والأدخنة في شوارع المدن المصرية كي تصل رسالتهم الهمجية إلى العالم، وليقولوا لمن لم يفهم، أن هناك مؤامرة كونية يتم تنفيذها على أيدي التكفيريين، والمخطط الذي تم وضعه للمنطقة هو ''صوملة دول الربيع العربي'' وأن الأدوات المجندة لنشر الفوضى والخراب هي التكفيريين الذين اختبؤوا وراء الدين ليوجهوا فيما بعد الضربة القاصمة للأديان جميعها وللقيم الإنسانية وللحضارة وللتراث الإنساني... وللأمن والأمان أيضاً.
فإقدام الحكومة المصرية على إخلاء الميادين عنوة وليس بطيب خاطر هذه الفئة المتصهينة علها تنفض عنها غباراً حاول تلويث المشهد المصري خلال حكم الإخوان، جاء بعد أن أفرغت مصر كل ما بجعبتها من دعوات للحوار رفضها الإخوان مراراً مراهنين على الميادين، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الغرب وواشنطن وبعض الدول الإقليمية التي علقت آمالاً كبيرة على استعصاء جماعة الإخوان في الميادين، فمن هذه الدول المتآمرة من سارع إلى الاستنكار ودعوة لاجتماع مجلس الأمن ومنهم من توعد وندّد، ولكن بالمقابل تناسوا أو تجاهلوا حجم العنف والدمار الذي مارسته هذه الجماعة بحق دور العبادة وإحراق الكنائس والمساجد بإسم الشرعية بهدف إشعال فتنة مذهبية وتهديد أمن مصر واستقرارها.‏ 
ولذلك نجد أن الإخوان يعملون الآن بمساعدة من يمولهم من الدول الإقليمية التي تنتهج نهج الإخوان ولاسيما في تركيا على توتير الأجواء وجر مصر نحو العنف والفوضى وبما يخدم أجندتهم ومنهجهم في التمسك بالسلطة بأي وسيلة كانت ولو أدى ذلك لتقسيم البلاد والعباد وهو ما يتقاطع مع أجندة المشروع الصهيو أميركي لتقسيم المنطقة بما يحقق الحفاظ على مصالح الدول الاستعمارية وحفظ الكيان الصهيوني.‏ 
ويبدو أن الإخوان قد فضلوا اختيار طريق العنف، ومواصلة سياساتهم ذات الأفق الضيق التي كانت سبباً في استفزاز الأغلبية الشعبية، ودفعها إلى الثورة عليهم وإخراجهم من الحكم في وقت مبكر. ولكن ذهاب الإخوان إلى المواجهة لا يقود سوى إلى إخراجهم من الحياة السياسية، ومواجهة قياداتهم السجن، أو الهرب واللجوء إلى العمل السري من جديد، وهذا يعني أنهم يعيدون إنتاج تجربتهم مع الرئيس الراحل ''جمال عبد الناصر'' في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما حاولوا الوقوف في وجه سياساته التغييرية الوطنية والاقتصادية والاجتماعية المعبرة عن تطلعات الشعب المصري. 

فإخوان مصر، وهم الذين مضى على تنظيمهم أكثر من ثمانين عاماً سرعان ما انقشع وضعهم الحقيقي، وظهروا كحزب تكفيري استبدادي معزول يلبس لبوس الدين بالاسم فقط، ويتحالف مع أعداء مصر والعرب والمسلمين من أجل تحقيق مآربه. وهذا ما تأكد بشكل واضح خلال الأيام القليلة الماضية، إذ ظهر الإخوان كتنظيم لا علاقة له بالعروبة والإسلام، ويرتبط ارتباطاً مباشراً بالمشروع الأميركي، ولا يجد أي حرج في الحصول على الأموال القطرية وغيرها في سبيل تخريب مصر، وضرب جيشها العربي الأصيل. لذلك كان ''الإخوان المسلمين'' في مصر مجرد أداة لتنفيذ المخطط التخريبي في المنطقة.

ويبدو أن الإخوان بسلوكهم هذا الطريق إنما يحكمون على أنفسهم بالموت السياسي، وقد يصبحون من التاريخ، كما قال الكاتب البريطاني ''روبرت فيسك''. 

هذه المعطيات دفعت رئيس الأركان الأميركي إلى القول، أمام الكونغرس: إنه ''يجب الإبقاء على المساعدات لمصر باعتبارها استثماراً ناجحاً ومستحقاً''، على حين قالت مجلة ''فورين بوليسي'' الأميركية المتخصصة: إن طريق استعادة الديمقراطية في مصر عقب ثورة 30 حزيران هو عبر الجيش، وإن ''فكرة تدخل الجيش واستعادة الديمقراطية حالة ليست فريدة بل إنها جزء من التاريخ''، وإن عزل ''مرسي'' ''جاء بدعم شعبي غير مسبوق''.

انطلاقاً من ذلك يبدو رهان الإخوان على تدخل خارجي، أو دعم أميركي يضغط على الجيش رهاناً خاسراً، وبخاصة أن واشنطن باتت خائفة من أن تؤدي ممارسة أي ضغوط على الجيش المصري إلى دفعه لسلوك خيارات أكثر راديكالية معادية للسياسة الأميركية، على غرار ما حصل مع الرئيس ''عبد الناصر'' في بداية حكمه، ومن ثم فلتان زمام الأمور من يدها وخسارة مصر، وبخاصة أن هناك بدائل قد يلجأ إليها الجيش المصري والحكم الجديد، ومنها الاتجاه نحو تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، القوتين الصاعدتين عالمياً في مقابل تراجع القوة الغربية.

فإذا كانت أميركا تحلم بعودة الإخوان إلى الحكم فإنه قد ينقلب كابوساً لن يقتصر على مصر وحدها؟! ماذا يعني كل هذا؟ إجابة واحدة. وهي أن الإدارة الأمريكية اختارت طريقاً للتعامل مع بلدان العالم يقوم على أساس أنها مصدر الأحكام ومرجعية الفتوى... وطريقة تعاطيها مع الأوضاع في مصر تعني أشياء منها أنها تريد الإيحاء للعالم بأن مصر شأن أميركي حصري ولا علاقة لأحد غيرها بهذا البلد... وإن كانت تتحدث على نحو هلامي عائم بعبارات من شاكلة أن مستقبل مصر يصنعه الشعب المصري... فإنها في الوجه الآخر لعملة التصريحات تقذف في وجه المسؤولين والشعب تصريحات تبدأ بـ يجب وأحياناً بـ فوراً أو بشكل سريع... من هنا لا يخفى على عاقل محاولات واشنطن امتطاء صهوة التغيير أياً كان شكله لحرفه عن الهدف وتحويله إلى منصات في خدمة الاستراتيجية الأمريكية.. 

إن سقوط حكم الإخوان في مصر ساهم في حدود ليست قليلة، في احتدام أزمة ما يسمى ''الربيع العربي''، بعد أن سقطت لافتات الديمقراطية والإصلاح... فما جرى لجماعة الإخوان المسلمين في مصر سيترك آثاره المزلزلة على الجماعة ليس في مصر وحدها، بل في عدد من الدول العربية ودول المنطقة كذلك، لأن الحديث يدور في جميع أنحاء العالم ليس عن ضربة سياسية، سواء أكانت متوقعة أم مفاجئة، ذلك أن ما فاقم خطورة ما تعرضت له جماعة الإخوان يحمل في طياته ضربة آيديولوجية ملازمة تمامًا مع الضربة السياسية.

وعندما يجري الحديث عن أن الجماعة فقدت في سنه واحدة 90 بالمائة من شعبيتها التي بنتها في مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية، فإن ذلك يفسر عمق الصدمة التي تعرضت لها الجماعة ليس فقط في فقد قاعدتها الشعبية في الشارع المصري، بل في عدد من الدول خارج مصر.

فقد وجد كل من ''أردوغان'' و''الظواهري'' و''نتنياهو'' أن سقوط ''مرسي'' والإخوان المسلمين في مصر سيولد على هذه الأطراف الثلاثة أخطاراً مهما كانت النتائج التي ستحملها نهاية خارطة الطريق وتغيير الدستور الذي وضعه الإخوان المسلمون.

فإسرائيل لها مصلحة إستراتيجية في عدم استقرار مصر بعد ثورة 30 حزيران وهذا ما يؤكده مركز الأبحاث الاستراتيجية في جامعة تل أبيب في دراسة عرضها فيه (راز تسيميت) الذي يقول إن (إسرائيل ستتكبد خسارة سياسية كبيرة بعد سقوط ''مرسي'' والإخوان المسلمين لأن مصر ستسير الآن باتجاه فوضى داخلية تفقد فيها قدرتها على حماية وصيانة اتفاقية السلام مع إسرائيل وستشل قدرتها على قيادة تيار عربي ـ إسلامي يتصدى لإيران وسورية وحزب الله).
 
ويذكر أن الخطاب ما قبل الأخير الذي ألقاه ''مرسي'' وأعجب القيادة الإسرائيلية هو الذي أعلن فيه عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية والاستعداد للقيام بأي دور ضد سورية... فإسرائيل لا ترغب بأن يكون لمصر وشعبها وأي قيادة جديدة تتمتع بثقة الشعب دور عربي حتى لو بقيت اتفاقية ''كامب ديفيد'' على حالها لأن أي دور كهذا سيبعد إسرائيل عن التدخل بشؤون ومصالح بقية الدول العربية والهيمنة عليها، وها هي تركيا تشكل خير مثال على أن إسرائيل لا تقبل بأن يكون لتركيا دور متميز في العالم العربي إلا إذا كان عن طريق إسرائيل والاتفاق معها ومشاركتها في المصالح رغم التنسيق العسكري والسياسي بين تل أبيب وأنقرة والعلاقات المتينة مع حلف الأطلسي والولايات المتحدة.

فالتغيير الجاري في مصر ستراقبه إسرائيل في كل ساعة وستدرس من أجله كل تقرير أميركي يصلها وكل تقرير يعده سفير إسرائيل في القاهرة لكن إسرائيل في النهاية لن تتمكن من تغيير إرادة وتوجهات الشعب المصري بعد رحيل ''مرسي''؟!
وبالاستناد إلى ما كشفه (عوزي آراد) الذي عمل في جهاز الموساد لمدة عشرين عاماً: يصبح من الطبيعي أن تتداول تل أبيب وواشنطن يومياً بتطورات الوضع في العالم العربي منذ بداية ثورة 25 حزيران في مصر وملاحقة كل خطوة لأن أيَّ تحول يطرأ على سياسة مصر تجاه ''إسرائيل'' سيضع تل أبيب وواشنطن معاً في أضعف حلقة إقليمية لا تستطيع ''إسرائيل'' تحملها وخصوصاً أن جبهة الشمال ضد ''إسرائيل'' أي سورية ولبنان أصبحت أكثر قوة من أيِّ وقتٍ مضى.‏ 
ولهذه الأسباب جرى الاتفاق مع قادة الإخوان المسلمين في مصر على اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب، واستمرار التنسيق العسكري والأمني في محاربة ''الإرهاب'' مقابل سكوت المجلس العسكري المصري الأعلى على قواعد جديدة مع حركة الإخوان المسلمين.‏ 
وهذا ما ثبت عملياً حيث أعلن مسؤولون في الإخوان المسلمين عن ''احترامهم للاتفاقات'' التي وقعها ''السادات'' و''مبارك'' مع تل أبيب وواشنطن. ولذلك يقول (بعاز غانور) أحد المسؤولين في مركز هرتسيليا: إن رحيل ''مبارك'' جرت السيطرة على نتائجه وظهر لاعب جديد بدلاً منه هو (الإخوان المسلمون) وعلى خطاه نفسها بطريقة إسلامية هذه المرة.‏ 
ويبدو أن ''إسرائيل'' اليوم، من أكثر الدول قلقاً وترقباً وخوفاً من التحولات السياسية الكبيرة التي تشهدها مصر والمنطقة العربية عموماً، فلقد اعتادت ''إسرائيل'' على زمن سياسي عربي معين يقوم على الجحود والقبول والاستسلام، وعدم الحراك من دون أي دور للشعوب في تقرير شكل العلاقة مع ''إسرائيل''، ولذلك فإنها أمام حالة تغيير إقليمية جذرية، وذلك أن الذي حدث ليس مجرد تغيير في شخص الحاكم بقدر ما يعني تحولاً في التوجهات والمحددات السياسية، وهذا ما قد تفرزه التطورات السياسية بعد إعادة بناء منظومة النظام السياسي المصري بالكامل، وبسبب الدور المركزي والمحوري الذي تمثله مصر، ودورها الحاسم في خيارات الحرب والسلام في المنطقة، وبحكم أن لـ ''إسرائيل'' علاقات دبلوماسية رسمية ومعاهدة وضعت حداً لخيار الحرب في المنطقة، ومعاهدات أخرى في المجال الاقتصادي وتصدير الغاز الطبيعي، لكن كل هذه العلاقات لم ترقَ إلى المستوى الشعبي، فظلت العلاقات رسمية، تتسم بالبرود، وتتم في إطار رسمي ضيق. 
ولابد أن نعترف أن سقوط ''مرسي'' وجماعته شكّل أيضاً صفعة مريعةً للسياسة الأمريكية، وهزيمة لمشاريع الإدارة الأمريكية التي راهنت على وصول الإسلاميين إلى السلطة  في مصر، وفي العالم العربي والإسلامي، مقابل:‏ 
التصالح مع إسرائيل، وقطع العلاقات مع إيران... وتحويل الصراع إلى صراع طائفي مذهبي... ومواجهة قوى المقاومة اللبنانية، وترويض حركة حماس، بتحويلها من حركة مقاومة، إلى حركة إخوانية تأتمر بأمر المرشد، وبأمر السلطان العثماني الجديد ''رجب طيب أردوغان'' ودعم تدمير الدولة السورية آخر خنادق الكرامة العربية، والنضال من أجل تحرير فلسطين.
لم يكن مطلوباً من الإخوان في مصر أمريكياً التركيز على المشكلات الداخلية ''الفقر، والبطالة، والحرية، واحترام حقوق الإنسان، ووحدة الأمة، ومواجهة تحديات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، والقدس، والأقصى والضفة الغربية، وإنما السير في الاتجاهات التي تطلبها أمريكا، وقد كانت القضية السورية أحد هذه الاتجاهات، فأمر ''مرسي''  بقطع العلاقة مع سورية، وتهدد باستعمال الجيش المصري ضد النظام في سورية، لكن الجيش رد عليه بأن الجيش المصري ليس لقتال الأشقاء، وإنما لحماية مصر...
إن  بقاء الإخوان المسلمين في السلطة  كان سيقود مصر، إلى الخنوع الكامل ليس لأمريكا وحسب، وإنما لأدواتها وأزلامها الصغار في المنطقة، كقطر وتركيا، لتتحول  مصر ''عبد الناصر''، مصر العروبة، مصر انتصارات 1956، ومصر القطر الجنوبي في دولة الوحدة مع سورية، مصر حرب 1973 التي سطرت  جيوشها أروع الملاحم البطولية، وحطمت خط بارليف  أكبر خطوط العالم تحصينا... إلى دويلة قزم...‏
 فالشعب المصري في الثلاثين من حزيران  رفض ''تقزيم'' مصر، و أن تتخلى مصر عن عروبتها، وإسلامها السمح القويم... وبرهن الشعب العربي المصري، أن لا حدود لطاقات هذا الشعب ثورياً، ونضالياً، وانتماء لهذه الأمة ...‏ وأكد بتحد وغضب، لا أحد يمكنه أن يعلن موت العروبة في مصر، ولا حدود لطاقة الشعوب العربية في تحقيق ثورتها، وعنفوانها القومي.‏ 
ولا قدرة  لأحد في الداخل العربي، أو خارجه على قتل وعيها  السياسي والديني والنضالي، ولخطر الإسلام السياسي الذي يهدف إلى إثارة المذهبيات والطائفية، والإثنية، وتأجيج الصراعات خدمة للغرب، لأن مشروع الغرب القديم ''سايكس بيكو'' اعتمد التقسيم الجغرافي، والمشروع الجديد يشكل أدواته الوهابيون والإخوان باعتماد التقسيم المذهبي والطائفي.‏ 
إن خطاب جماعات الإخوان، في ظاهره الدين، وفي باطنه الكفر بالدين... 
في ظاهره وحدة الأمة، وفي باطنه تمزيق الأمة، وإضعاف  قوتها...
وخطابهم  يشوه القيمة الحقيقية للإسلام، ويدمر العلاقات التاريخية التي قامت بين الأديان والمذاهب على امتداد الجغرافيا العربية منذ ألف وأربعمائة سنة.‏ 
ولا شك في أن لهذه الثورة تداعياتها على صعيد استعادة دور مصر ومكانتها الإقليمية والدولية، وإعادة تقييم ومراجعة لدوائر السياسة المصرية، وبلا شك سيكون التوجه العربي والإفريقي له أولوية في المرحلة القادمة. كل هذه التوقعات والتداعيات لا بدَّ أن تحدد نمط التفكير والسيناريوهات والخيارات التي ستحكم قرار إسرائيل'' في المرحلة القادمة.
إن على مصر أن تمنع الأيدي الآثمة التي تعبث بأمنها ومواطنيها من العبث، وأن ترفض التدخل الخارجي في شؤونها أيًّا كان مصدره وشأنه، وأن تتحمل كل ما يترتب على رفضه، فحرية الوطن وحرية المواطن صنوان متلازمان بينهما وحدة عضوية متكاملة، ومن يرتهن حرية هذا يرتهن حرية ذاك... وتحرير الاقتصاد الوطني مفتاح تحرير المواطن والوطن... ومن أماني ألا تسمح مصر، تحت أي مسمى أو مسوِّغ، لأي جهد أو جهة أو تنظيم أو فكر أو مال أو قوة أو... أو... بأن تخترق مجتمعها وبنيانها الثقافي، أوتمس بكيانها الفريد وخياراتها المبدئية وأهدافها القومية وانتمائها العريق لأمتها العربية، ولا بسياساتها وخياراتها وثوابتها... لأن في المحافظة على ذلك كله بقاء مصر وهيبتها وقدرتها على التحرك والتأثير والقيادة والريادة... وبقاء مصر قوية معافاة بقاء لنا وسنداً للأمة وقضاياها العادلة وكفاحها الطويل من أجل التحرير والتنمية والتقدم، وببقاء مصر نبقى لها وفيها. 
إن قدر مصر أن تكون موحدة ودولة مدنية وقوية ومصدر إلهام لشعوب الأمة العربية كما كانت، وأي خلل أو ارتداء أو تراجع عن هذا الدور الطليعي سينعكس سلباً على مجمل الأوضاع العربية، ومنظومة العمل العربي المشترك، والأمن القومي العربي، مثلما أدى غزو العراق واحتلاله وخروجه من معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني إلى الإخلال بموازين القوى بالمنطقة لصالح أطراف وقوى لها أطماع ومشاريع بالمنطقة تتقاطع مع المشروع القومي العربي واشتراطاته.
فالثورة لها قانونها في كل حقب التاريخ، وهو القانون الذي لا يُستخرج من مصانع الشمع، بل من مصانع الفولاذ، والمزاوجة بين قسوته وصلابته ومرونة الديمقراطية، هي المهمة الصعبة التي يتوجب على الثوار المصريين أن يبدعوا فلسفتها، فالديمقراطية لا تتسع لشبكات القتل ومحترفي صناعة الديناميت، والديمقراطية لا تتسع لمن يدعي أنه يمتلك تفويضاً إلهياً لحشر البشر في الجحيم، أو تمليكهم صكوك الجنة، والديمقراطية أخيراً ليست صندوق اقتراع فحسب، بل هي ثقافة مجتمعية قبل كل شيء، وهي حوار فكري وسياسي وبرامج نهضة يتنافس الناس على كسب أنصارها دون إكراه ودون تدليس، وتجربة القوى الظلامية في حكم مصر لم يكن فيها شيء من ذلك كله، فالمجتمع كان بالنسبة لها هو الإخوان ومشتقاتهم فقط، والثقافة في هذا المجتمع هي النصوص البالية التي سطرها مرشدوهم ومنظروهم من ''حسن البنا'' و''سيد قطب''، إلى ''مهدي عاكف'' و''محمد بديع''، فلتتشبث ثورة الثلاثين من حزيران بقانونها الفولاذي، وتنظف شوارعها من مروجي التكفير، وتعيد إرساء الهرم على قاعدته، قبل أن تغتالها سيوف فتاوى الضلال!
من هنا تكمن أهمية استعادة مصر لدورها وحيويتها، وتجاوز كبوتها وعودتها إلى أمتها رائدة وأملا لمشروعها القومي المناهض للهيمنة الاستعمارية والصهيونية التي تسعى لمصادرة قرار الأمة المستقل وإخضاعها لمشروعها الذي يتقاطع مع إرادتها الحرة.

ويقيناً، إن انتقال مصر من حال السكون والتردد والتراجع إلى فضاء التأثير واستعادة مكانتها ودورها القومي المعهود ستكون له ارتدادات إيجابية كبيرة في محيطها العربي والإقليمي لا سيما في دول الربيع العربي، مثلما أحدثت ثورة الـ23 من يوليو عام 1952 بقيادة الزعيم ''جمال عبد الناصر'' صحوة قومية ونقلة نوعية في الوضع العربي لم تتحمله قوى الاستعمار والصهيونية لمخاطرها على مصالحها الحيوية وخاصة أمن الكيان الصهيوني.


مصطفى قطبي

باحث وكاتب صحفي من المغرب

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved