
مساءاً..، كانَّ قبالة البحر، الأمواج تداعب حصى الساحل وخيوط القمر تتراقص على صفحة الماء، كانَّ منشغلاً بالشاطئ الآخر، هناك شاطئ نهر الفرات في مدينته الجنوبية، كيف هو، وماآلت إليه حاله؟!.
في الطائرة التي تحمله صوب بغداد، كانّ حريصاً على أن يجد أجوبة شافية وافية عن كل مايدور في ذهنه وعن كل مايقال...فماذا وجد!.
زيادة في العداوات.. جاذبية أقوى إلى الجريمة.. تخريب متعمد...الخ.
بغداد مُتعَبة وبلا روح، لقد فارقّتها أنفاس محبيها وإن كان بعضهم متدثراً بها.
كان يأمل أن تكون عودته للعراق هي عودة للحياة ولو بمشقة وتعب مضاعفيين فالماضي أيامه حزينة ، لقد قتلوا الحياة بالجمر والحديد وبالسياط، أما اليوم فما يراه يصعب عليه وهو الذي لم يكفر بالعراق يوماً.
أي طاقة تتحمل هذا العنف والقسوة!.
هذا الشريط ألذي يُعرَض أمامنا، هذا الطريق الذي يتلوى والذي يحدثنا عن مدينة يائسة لا تملك من جاذبية العواصم إلا النقيض.
هذا الشريط يصفعنا بلقطاته العارية لمدينة مستباحة، كما والتعليق يلقي ضوءاً كاشفاً عورتها التي لم تعد مستورة، حزن كئيب..بنايات محروقة والأهم من ذلك الإنسان التعيس، كل شيء يتكلم عبر الآلاف بل ملايين الأفواه.
رغم التعليق وحركة الكاميرا تبدو المشاهد صامته فالخراب يكمل الصورة وزيادة!.
هل حقاً إنّ العراقيين من فصيلة الأجناس المهزومة، رعب .. لامبالاة، (يوحي بعضهم بأنه مستمر في العيش لان ذلك مجرد عادة لا يقدر على التخلص منها).
هؤلاء المتثائبون دون وضع اليد على الفم، بعطورهم التي لا تقوى على إخفاء نتانة أنفاسهم، المزدحمون على أبواب الخليفة، المتهافتون على موائد السلطان، وهو المدثر بالصبر والسامع بقبقة العصائر في بطونهم.
ترك (كاظم الداخل) الرعب والبؤس الإنساني وعاد إلى جنوب السويد ناظراً حوله، حاملاً كامرته بيد وفرشاته باليد الأخرى، الكاميرا وصفت ما رأى فهل كانت الرؤية كاملة.. دقيقة، أم عابرة؟.
هل إلتفت إليها المسؤولون هناك، ثم ماذا يعني أن تُلفت إنتباه شخصاً مسؤولاً وهو على دراية كاملة ولم يفعل شيئاً أو لا يقوى على ذلك!.
ثم هل نحن حقاً لا نملك إلا أن نحلم فقط.

