خط الصمت

2010-11-30

أُطارَدُ في أزقةِ الاتهاماتْ .. هرباً من رصاصاتِ أسئلةٍ مللتُ من الإجابة عليها .. أنظرُ في زوايا سقف المقهى وأتصنعُ اللامبالاة .. عنكبوتٌ يبحثُ عن زاوية آمنة .. يُحرجني إصرارُكِ على الخوض في نفس الحديث .. أُريد إشعال سيجارة عاشرة ولكنني أضعتُ علبة الكبريت وأضعتُ كل مساحاتِ الدفء التي بيننا .. الحب أعلن انسحابه إلى خط الصمت .. وعلى وجهك الغائم .. تلوح بوادر عاصفةٍ مميتة .. تسكتينْ .. تنظرين عبر الزجاج إلى خبط حبات المطر المخيف .. تهرسين شيئاً ما بقبضة يدك .. ودمعةٌ ممزوجةٌ بغيرتكِ المتوحشة تفجّرُ هذا السكون الطويل .. أتركُ لك حرية الشتم وتكسير الفناجين .. تقذفين في وجهي علبة الكبريت المهروسة .. وتغيبين مسرعةً خلف زجاج المقهى الذي يُبعثر شكلك بفعْلِ الأمطارِ المنسكبةِ عليه .. أُكمل فنجاني وحيداً وسط صمت الناس ونظراتهم المذهولة .. أُلملم أعواد الكبريت .. والصور الفوتوغرافية تنهال علي غزيرة كالأمطار .. أناور .. أبتسم .. أصرخ في وجوههم .. أدفع الحساب وأهرب ..

تُزعجني تلك المخدةُ الفاصلةُ بيننا على فراشٍ واحد .. وضوءُ القمر النافذ إلى الغرفة .. يرسم فوقنا بفعلِ الستائر الحريرية قضباناً تؤلمني .. وكأننا في سجن .. نعم .. لا أعرف من منا وضعنا في هذه الزنزانة .. أهمس باسمك العذب وأتلمسُ رموشَكِ بأطراف أناملي .. تفتحين عينيك .. موجةٌ من اللاوعي تغمرني ولحظاتٌ من الخوف تسلب روحي .. أنتظر من شفتيك نبأ حريتي وإعلان نهاية الصمت .. عيناك تنظران في عيني .. تبحثان عن شيء فيّ .. أرى جيداً هاتين الدائرتين السوداوين .. يغمرهما الطوفان .. وتغوصان في العمق .. وتبتعدان أكثر فأكثر .. تنسحبين من الفراش ودموعُك ما زالت رطبة على وجه المخدّة .. أتلمسها .. أستنشقها .. أضمُّها إلى صدري وأتألم .. ومن خلف النافذة .. أرى القمر يختبئ خلف الغيوم .. وأمطارٌ أخرى تنهمر ..


أنبشُ ترابَ صدري وأدفنُ تحته أحزاني .. أتذكّر مشاهد مثّلتها تشبه ما حدث .. أذكر أنني بكيتُ حينها فصفّق الجميع و ارتفع أجري .. ولكنني الآن لا أملك سوى الغصّة والألم .. أكتشفُ أن الدموع رياء .. أقنع نفسي أنني أتاجر بدموعي ومشاعري .. وأنني أُمثّل أمام الكاميرا كما أمثّل أمام البقال وموظفة البنك و و و .. كل شيء أصبح في حياتي كذب وتمثيل .. إلا هي .. إنها الحقيقة الوحيدة التي أعيش من أجلها .. ومن حقها أن تغار من كل ما يدور حولي من إعجاب .. أقنعُ نفسي بما لم أقتنع به .

أحتاجها جداً .. أدفن رأسي تحت المخدة وأغط في نوم حزين .


أعرفُ أنها رحلتْ .. وأنها ربما لن تعود .. سأوقفُ في هذا الصباح كل ما يتعلق بي كرجلٍ مشهور .. الماء ساخن .. أُشعل التلفاز وأتجه نحو الحمام .. صورٌ لنا توقفني مذهولاً .. إنهم يتحدثون عما جرى بالمقهى ليلة البارحة .. تُجلسني الصدمة فأتجرّع إشاعة طلاقنا بأعصابٍ متلفة .. أكادُ أجن .. أرتجفُ تحتَ دوش الماء الساخن وأسمعُ صوتَك الطفولي يُداعب مسمعي كحلمٍ بعيد .. يُشتتني .. ويرمي بي إلى الضياع .. أُوقف الماء بعنف .. ألبسُ رداء الحمام وأخرج .. صوتٌ ما يشبه الخشخشة .. بتُّ أفقد صوابي .. تبعتُ مسار الصوت بجنون .. ها أنتِ من خلف الباب .. تطلّين بكل ما عرفته فيك من جمال وطفولة ..وحنان وصفاء ورُقيّ وحب .. في يدك علبة كبريت جديدة .. تطبعين على خدي المبلل قبلة ناعمة .. وتهمسين في زوايا روحي .. أُحبك .


عمرو حاج محمد

Amr.h.m@hotmail.com

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved