يخبرنا علم الفيروسات، إنها كائنات دقيقة جداً أصغر من البكتريا بعشرات المرات أو أكثر ولا يمكن رؤيتها بالمجهر العادي.. وهي كائنات تعتبر حية جزئيا لأنها تبدو محيطة نفسها بغشاء بروتيني تزيحه حين تتوسم أنها في عائل يلائمها.. فتدب فيها الحياة وتخترق جدران الخلايا الحية ! وتعبث بها وقد تسبب المرض، ولهذا لايمكن علاجها بالمضادات الحيوية إلّا اللهم بقتل الخلايا !!
هذه الفيروسات تتمييز بعدم استقرارها جينياً، أي تنتابها طفرات وراثية قد تضعفها إلى حد التلاشي أو تقويها إلى حد أن تكون مَرضية شرسة.. وأشهرها فيروسات الإنفلونزا المسببة ل "سارس"،ومنها كورونا التي ظهرت في السعودية عام 2012 وصارت قديمة، لأننا أمام جيل جديد هو كورونا الجيل الجديد (كوفيد – 19) الذي اندلع وانتشر مثل النار في الهشيم في ك1/ديسمبر 2019 في مدينة ووهان الصينية وعبر الحدود نحو العالم .... ولست بصدد أن أستغرق بفايروس كورونا الذي سرق الأضواء من سيارات تويوتا كرونا ليصبح معارة تلحق أذى بالآسيويين !!
ومن أخطر أنواع التمييز أن يُميّز الآسيويون خارج بلدانهم بشتى أنواع النبذ والنبز بإطلاق كلمة "كورونة" عليهم وإسماعهم هذه الكلمة.. فلئن يحصل مثل هذا في أمريكا وبريطانيا وإسرائيل فهو أمر له أرضيته أو حاضنته . أما أن يعتدى على شابة صينية في الضفة الغربية من قبل شابتين فلسطينيتين فهو أمر شائن ومؤسف ولا يتماشى مع تقاليد الضيافة الفلسطينية ولا العربية، ناهيك أن الشعب الفلسطيني نفسه يعاني من الإضطهاد العنصري الصهيوني.. وهكذا حصل مع اليابانيين في بلدان يعملون لمساعدتها !
وفي الدنمارك البلد المتحضر ترفض شابة دنماركية كوب القهوة من النادل الشاب الصيني وعندما عبّر عن استغرابه فأخبرته بخشونه أنه لم يضع القناع وراحت ترمي الكوب في صندوق القمامة.. والشاب هو طالب في الجامعة يتقوى بالعمل لمواصلة دراسته والعودة لبلده.. وعند استياء مرتادي القهوة وتدخلهم اعتذرت منه على مضض ..
والحوادث كثيرة قد تبعث على الملل لكنها تبعث حقاً على الأسف في عالم متوحش رغم مظاهر المدنية يقتنص الفرصة ليعبر عن نفس مترعة بالحقد لأسباب شتى ! مما يشي أن أمام الإنسان في القرن الواحد والعشرين مسافة طويلة حتى يستوعب قيم المدنية ومبادئها الأهم ألا وهي : احترام الإنسان للإنسان بغض النظر عن عرقه ودينه ولونه..
***
وما يعزز ما قلته في الأسطر الأخيرة عن معاملة المهاجرين (أو المهجَّرين) من العوائل السورية الذين خرجوا أو أخرِجوا من ديارهم، من ضحايا الحرب على إدلب حيث سمحت لهم القوات التركية بعبور 130ألف نسمة ليس رحمة بهم لإيوائهم - وهي التي سفّرت بالقوة ألوف السوريين – بل لكي يهاجروها نحو أوربا عقاباً نكالاً لأوربا التي قطعت مساعدتها المغرية لتركيا؛ فماذا حدث للمهاجرين ؟!
أما الذين خاطروا واختاروا عبور بحر إيجا بقوارب مطاطية تتقاذفها الأمواج، فحين اقتربوا من السواحل اليونانية تصدت لهم قوات السواحل اليونانية وراحت تقطع الطريق عليهم عاملة أمواج عالية تهدد حياة الراكبين لإغراقهم، ولم تكتف بهذا بل راحت تضرب المهاجرين بقضيب معدني على رؤوسهم لتضطرهم العودة من حيث أتوا.. ثم بادرت باطلاق النيران على محيط الزورق المطاطي .. هذه المعاملة سبق أن مارستها القوات التركية التي لها سجل حافل فيي الإعتداء على المهاجرين ..
أما من "اختار" الطريق البري مسلكاً له عن طريق أدنه فقد رحبت بهم تركيا لمغادرة حدودها، وما أن غادروها حتى تصدت لهم القوات المسلحة اليونانية وأمطرتهم بوابل من ذخيرتها المطاطية فقتلت(*) طفلا وأصابت العشرات وحين حاولوا الرجوع وجدوا أن الحدود التركية قد أغلقت بوابتها بوجوههم، وأصبح المهجرون عالقين بين تركيا وبين اليونان يعانون من البرد والجوع، ولا من معين ! والعالم كذاك، القرد الذي لايسمع ولايرى ولا يتكلم !!
ولكني أود أن أختتم بحادثة حصلت قبل سنوات قلائل شاهدتها على أكثر من قناة نقلتها وكالت الأنباء الصينية : في إحدى المدن الصينيه وقف رجل عجوز طاعن في السن يروم العبور منتظرا الأخضر ووقف بقربه جمهور المنتظرين، فرمقه شابان غريبان أخذتهم به رأفة فتطوع أحدهم وحمله على ظهره ليمكنه العبور قبل أن يظهر الأحمر ويعرض نفسه للخطر فقرر الشابان الإستئناف، وحاولا أن يفهما أين يريد فترجم أحد المارة لهم واستغرقا في حمله بالتناوب وكانت الكامرة تلاحقهم حتى وصلا إلى حيث يريد العجوز فاستوقف الشابين شخص وطلب عنوانهم فاستجابا له .. في المساء إذيع الخبر من محطة التلفزيون يشيد بأخلاق الشابين العربيين السوريين.. وشُكرا من قبل محافظ المدينة الذي رحب بهم وسهل لهم أمرهم !
ولله در الحطيئة :
من يفعلِ الخيرَ لم يَعدَمْ جَوازيَهُ – لا يَذهبُ العُرفُ بينَ اللهِ والناسِ
(*) أنكرت اليونان ذلك لاحقا، بينما شاهدت الفلم يوثق الخبر من قناة موثوق بها : أناس في الأرض ينزفون.. وأعداد غفيرة في شبه تظاهرة يطالبون بالسماح لهم بالعبور لا البقاء في اليونان !
6/آذار/2020