أول الكلام:
ندرس التاريخ لكي نتعظ من دروسه، ونحتفل بالمناسبات الحزينة أو البهيجة لكي نقف على عبرها ونستخلص معانيها.. ببساطة التاريخ هو بمثابة الذاكرة للإنسان، فهل بوسع الإنسان أن يحيا بدون ذاكرة ؟!
مرت قبل أيام ذكرى الخامس من حزيران.. وهنا بودي أن أسأل الجيل الصاعد إن كان منه من يقرأ سطوري: هل تعرف ما هي مناسبة الخامس من حزيران؟! وما هي دروسها ؟
لن ألوم أحداً إذا أعياه الجواب.. فقد مرت قبل أيام ذكرى هزيمة العرب الكبرى أمام إسرائيل أو التي تعرف لدى غير العرب بحرب الأيام الستة أو يمنحها الإعلام الرسمي اسماً متلطفاً بها وهي نكسة الخامس من حزيران عام 1967.. وهي هزيمة لا تُشبه الهزائم لإنها مخزية، فقد سبق الحرب الكلام أي الإعلام وما قصّر الإعلام بقيادة أحمد سعيد بل وما قصّر الرئيس جمال عبد الناصر الذي قال : أهلا بالحرب.. "حنرمي" إسرائل في البحر! وما قصرت الأغاني من قبيل يا أهلا بالمعارك .. يا بخت من يشارك...الخ.. ثم يُباغَتِ الجيش العربي المصري بهجوم القوة الجوية الإسرائيلية الكاسح حيث دمر المطارات المصرية والطائرات الجاثمة في حضائرها، وبذلك شلت اليد المصرية الضاربة واكتسحت القوات البرية في سيناء وأبيد معظم الجيش ومن سلم من الجنود قطعوا الصحراء مشياً على الأقدام ليرووا فصول الهزيمة .. لا أريد أن اكتب التطورات المأساوية من استقالة الرئيس عبد الناصر وعودته تحت مظاهرات اجتاحت مصر ليعود .. ولا عن "انتحار" المشير عبد الحكيم عامر ولا غير ذلك..
لقد هزت هذه الهزيمة الكيان العربي من الخليج "الثائر"الى المحيط "الهادر" وثار الشعب في كل بقعة عربية ثأراً لكرامته المهدورة وتغيرت نظم عربية عن طريق انقلابات التفت على إرادة الجماهير العربية؛ وكان الأمل معقوداً على المقاومة الفلسطينية الصاعدة التي جددت الثقة بعدالة القضية والتفت حولها جماهير العرب ورفدتها بشبابها لكن هذه المقاومة الباسلة وياللألم قد خنقتها الحكومات العربية حتى أرتمت في أحضان المبادرات الاستسلامية الى أن وصلت الى ما هي عليه الآن !!
ولله درّ الإمام الغزالي :
وكان ما كان مما لستُ أذكرُه – فظنَّ خيراً ولا تسألْ عن الخبرِ
أتمنى لو أعرف هل لهزيمة حزيران ذكر في المناهج المدرسية ؟!!
ثانياً :
أظهر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خطاباً جديدأ ما يشكّل نقلة جديدة فقد قطع عهداً في المحافظة على أصحاب الدخل المحدود والذين يشكل المتقاعدون جزءاً هاما منهم ووعد بعدم الإستقطاع وأصدر الغاءً لقرارات سابقة مجحفة بحقهم وصيانة الرواتب والعمل على إنصافهم..
بل ذكر الشيوعيين ونضالهم ونزاهتم وضريبة الوطنية العالية من تاريخهم في المعتقلات بما فيها نقرة السلمان وقطار الموت.. وأحسب أن هذا شكّل منعطفاً كبيراً فيه تجاوز للخطابات الشعبوية السابقة لعلاوي والمالكي والإشيقر الجعفري والعبادي ووعد بمواصلة مكافحة الفساد وحل الميليشيات الحزبية ...الخ، وهذا الأمر أرعب إيران وعملاءها الأمر الذي ينبىء عن جهود محمومة من إيران وذيولها لإزاحة الكاظمي وتسليم رئاسة الوزراء الى المالكي الذي بدا يتكلم بصوت عال في بعض الفضائيات وكأن تجاربه المليئة بالنكسات المخزية صارت نسياً منسيّا.. وهناك من يزعم أن هادي العامري يعمل هو الآخر ويجلب النار لرغيفه !! ما يستوجب على الكاظمي الحذر وفضح المؤامرات وما يحاك في الخفاء وإجهاض المخطط في مهده، فهل سيفعل الكاظمي وهل سيعتبر من سابقيه ؟! هذا ما سنراه في القريب.. أما السيد مقتدى فهو في حالة ترقب للصراع وسيكون مع الأقوى بعد تمنع ودلال !!
ثالثاً :
كلما يسؤ حاضرنا تزداد غربة الإنسان ويحِنّ إلى ماضيه، وهكذا صارت جملة " الزمن الجميل" تتردد على الألسن وعلى الأقلام.. والملفت ألا يحدد الزمن الجميل، فهو رهين بعمر الفرد وتجربته ومشربه الفكري والسياسي.. وبالنسبة لمعظم أبناء جيلي أو الأقدم ممن شهد العصرين الملكي والجمهوري فهو على الأكثر يعتبر الحقبة الجمهورية الأولى والتي حكم فيها الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم أربع سنوات وبضعة أشهر قدم فيها ما لم يقدمه لا سابقوه ولا لاحقوه .. والأمر معروف للجميع بل حتى من حاول اغتياله كصدام حسين شهد له بإخلاصه وكفاءته، كما أن مسعود برزاني أقرّ بخطأ والده الملا مصطفى في معاداة الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم ..
لأجل هذا فعند نشري لصور عن والدي وزملائه في نادي الصويرة وهي مدينة عبد الكريم قاسم حازت على إعجاب كثير من أبناء الصويرة وغيرهم، فقد أخذت الصور في عام 1960 في نادي الصويرة الجميل في بنائه وحدائقه الغناء، عكست نخبة من مثقفي الصويرة ووجوهها الإجتماعية التي حملت سمات الزمن الجميل في أناقتهم وانسجامهم بغض النظر عن القومية والدين والمذهب والمشرب . أفيحق لنا أن نسميه "الزمن الجميل" ؟! أجدد الشكر للأستاذ حسن العذاري على تزويدي بالصور..
رابعاً :
كانت الصويرة مدينة مميزه في تنوعها وطبيعتها الخلّابة ونظافتها، فهي العراق مصغراً وهي مدينة اليسار العراقي وهي تستحق لقباً أطلق على عدة مدن عراقية "موسكو الصغيرة" والدليل ؟
عندما تكونت جبهة الإتحاد الوطني عام 1957 لم تتحقق هذه الجبهة في الصويرة كما لم تنعقد في كثير المدن رغم التوصيات في أن تكون الجبهة شاملة كل الشعب العراقي ! والسبب عدم وجود غير الحزب الشيوعي من أحزاب أخرى !!
أحسبني أنني كتبت عن الصويرة ملياً وسأذكرها مع النجف، وهما مدينتاي اللتان أعتز بهما أيما اعتزاز..
خامساً:
مازال شبح كرونا حاضراً بين ظهرانيينا يضعف ويشل في مناطق وينعدم في نيوزيلندا والصين، بينما يقوى في البرازيل والولايات المتحدة.. وهنا حيث أقيم مازال الحظر مطبقاً وإن خُفِفَ بعض التخفيف، وداعيكم مازال رهين صومعته لا يغادرها إلا لضرورة، ولهذا أتفنن في قتل الوقت أحياناً من طبخ ولعب مسلية وقراءآت خفيفة واستماع موسيقى وأجعل التلفون وسيلة للإتصال والإطمئنان.. فأنا لا أحب التلفون ولا أقوى على الحديث به طويلا.. إلاّ إذا وجدت متحدثاً لبقاً يشد السامع أو يجعل الحديث مثل المنشار أخذاً وردّا !!
الرابع عشر من حزيران 2020