نتيجة لتعاقب وتعدد الحضارات في الوطن العربي، نتج تنوع هائل في البنية النغمية والإيقاعية والآلات الموسيقية بكافة صيغها واشكالها الشعبية منها والتقليدية . وآلة القانون كانت ولاتزال في مقدمة ذلك التراث الفني الثري من الآلات الموسيقية العربية.
القانون آلة موسيقية وترية ذات اوتار مطلقة يعزف عليها بواسطة الكشتبان وهو تشبه كشتبان الخياط، وتصنع من المعدن مفتوحة من الطرفين.. يلبسها العازف في كل من سبابة اليد اليمنى واليسرى، وتوضع الريشة بين الأصبع والكشتبان. والريشة عادة ما تكون من قرن الحيوان . نشأت صناعة آل’ القانون في الوطن العربي ( تحديدا في العصر العباسي )، ويرجع الفضل الى استكمالها وتهذيبها الى الفيلسوف الفارابي بشكلها الحالي .
تعتبر آلة القانون من أغنى الآلات الموسيقية أنغاما وأطربها صوتا، فهي تختوي على حوالي ثلاثة دواوين اي ( اوكتاف )... ونصف الديوان تقريبا، وبذالك فإنها تغطي كافة مقامات الموسيقى العربيه.. ولهذا السبب تعتبر آلة القانون بمثابة القانون او الدستور لكافه آلات الموسيقى العربية، حيث نستطيع أن نقول: إن آلة القانون هي الآلة الأم والآلة الأساسية عند الشرق.. وذلك لاعتماد باقي الآلات الموسيقية عليها في ضبط ودوزنة آلاتهم.. مشابها بذلك آلة البيانو عند الغرب وأهميتها .
عندما نتتبع الرحلة التاريخية لآلة القانون عبر مختلف العصور.. سنجد حتما أن لها سلسلة حلقات.. تطورت تدريجيا منذ أقدم العصور.. وبالذات بعد نشأة الآلات الوترية التي استقرت في شكلها الحالي .
لقد اختلفت آراء المؤرخين والباحثين حول تاريخ ونشأة وتطور آلة القانون.. وذلك وفق المراجع والمصادر التاريخية التي توفرت لكل منهم.. لكن الأرجح أننا نعتمد على ما ذكره الأستاذ الدكتور صبحي انور رشيد في جميع مؤلفاته.. ذكر عن تاريخ الآلات الموسيقية العربية.. فيقول د. رشيد في كتابه ( الآلات الموسيقية المصاحبة للمقام العراقي ):إن القانون يرجع في أصله الى آلة وترية مستطيلة الشكل، وقد شدت اوتارها بصورة موازية لسطح الصندوق الصوتي.. وهي تعود الى القرن التاسع الميلادي اي ( العصر الآشوري الحديث ) . وقد أطلق العرب في العصر العباسي اسم ( النزهة ) على الآلة الوترية المستطيلة والشبيهة بالآلة الآشورية . هذا وارى أن آلة القانون بشكلها الحالي المعروف قد تشعبت من آلة النزهه.. وأخذت في وقت مالا يمكننا تحديده في الوقت الحاضر شكلها المذكور.. وحافظت النزهه على شكلها المستطيل.. وظلت تستعمل جنبا الى جنب مع القانون في الشرق والغرب.. ثم اختفت النزهة من الوجود.. وقد سيطر القانون وانفرد. هذا ولم تردنا بعد آثار موسيقية للقانون بشكله الحالي من عصور ما قبل الإسلام , بل إن أقدم عصر جاءتنا منه اثار موسيقية تصور لنا شكل القانون المستعمل في الوقت الحاضر هو العصر العباسي ..
أما عن تسمية آلة القانون.. فلقد ذكر د. صبحي انور رشيد في كتابه ( الآلات الموسيقية المصاحبة للمقام العراقي ).. أن الكلمة الأغريقية قانون لا تدل على آلة القانون المعروف.. بل تدل على آلة ذات وتر واحد تعرف باسم ( المونوكورد ) وهي آلة تستعمل لقياس نسب اصوات السلم الموسيقي، والواقع ان الأثار الموسيقية الأغريقية والرومانية ليس فيها ما يثبت استعمال ألة القانون .
ومصدر آخر يذكر أن أقدم استعمال لكلمة قانون ((الآلة الموسيقية)) يعود الى العصر العباسي.. وعلى وجه التحديد في القرن العاشر الميلادي.. حيث ورد ذكرها في كتاب الف ليلة وليلة.....
تصنع آلة القانون عادة من خشب الجوز، وأحيانا من أخشاب اخرى كالسيسم والجام، حيث تصنع على شكل شبه منحرف قائم الزاوية، يعتمد الصانع في صناعته على قياسات معينة وثابتة.. ونوعية الخشب الجيد.. حيث تجعل القانون يتميز في جمالية صوته , ومن أشهر الدول العربية التي تتميز بصناعة القانون هي جمهورية مصر العربية .
أما عن عدد اوتار القانون فيتألف القانون عادة من78 وترا، حيث إنها ثلاثية الشد.. أي على شكل مجاميع ثلاثية.. كل ثلاثة اوتار متساوية في الدقة والغلاظة والصوت.. تكون لها درجة صوتية واحدة.. وعليه يصبح مجموع الأنغام ( التونات ) 26 نغمة ذات ثلاثية الشد، يكون شدها متدرجا بالتساوي من الأسفل الى الأعلى.. ويبدأ الغليظ ( الباص ) من الأسفل ( صول قرار اليكاه ) الى قرار الرست ( الدو ) الأولى التي في الأسفل .. وهذا ديوان غير كامل ثم ديوان كامل.. يبدأ من قرار الدوكاه ( الري التي تلي الدو في الأسفل ) الى الدوكاه ( الري الوسطيه ).. ثم ديوان اخر يبدأ من الدوكاه ( الري ) الى المحير.. اي جواب الدوكاه ( الري ) .. ثم الديوان الأخير من المحير ( جواب الدوكاه ) الى جواب المحير ( الري ) الأخير في اعلى آلة القانون.. اي الصوت الحاد ( ألسبرانو ) أي كل نغمة ( تون او ثلاثة اوتار ) تكون أغلظ مما فوقها واحد مما تحتها .
وتتم طريقة تسوية اوتار القانون أو الدوزان في البدء من الديوان ( الأوكتاف ) الأوسط تبدأ من درجة الحسيني ( لا ) وتسوى بالشوكة الرنانة بدرجة 440 ذبذبة في الثانية... وبعدها الدوكاه ( ري ) الوتر الخامس من أسفل الحسيني ( لا ) ثم النوى ( صول ) وهو الرابع من أعلى الدوكاه.. ثم ضبط الرست ( الدو ) وهو الخامس من اسفل النوى (الصول ) ..وأخيرا الجهاركاه ( فا ) وهو الرابع من اعلى الرست، ثم تتم تسوية باقي الأوكتافات ( الدواوين ) وفق تسوية الديوان الأوسط .
( رست , دوكاه , سيكا , جهاركاه , نوى , حسيني , أوج , كردان ) كل هذه هي تسميات للسلم العربي الرئيسي(( سلم مقام الرست)) وهي من اصل فارسي , اي ( دو ري مي ( كاربيمول ) فا صول لا سي (كاربيمول ) دو.