كان يا مكان في أطهر مكان على الأرض في كل عصر وزمان .. وأقدس بقعة في حقب البطولة والفداء .. كانت مجموعة من الأطفال يلعبون في ساحة الأحزان التي عبث بها وحوش من البشر .. وكانت الحراب والبنادق مصوبة نحوهم بدون ذنب اقترفوه .. في ذلك اليوم المتلعثم باللهو البريء واللعب العفوي ،جلس صبي يراقب أقرانه يركضون وراء هدف ما ،كانوا يجمعون الحجارة .. ويصنعون مقلاعاً خشبياً يحاولون تثبيته بالأرض التى يتصارعون عليها مع أولئك الأشرار .. حاول صهيب أحد الأطفال الشجعان أن يضع المطاط الذي أحضره من والدته فوق الجهات التى حفرت وثبتت فيها عصاتين متشابكتين بما يسمى المقلاع ، مشكلة إشارة النصر التى تعلموها وهم في بطون أمهاتهم بإيمانهم القوي أنهم منتصرين على عدوهم حتى آخر رمق في حياتهم ، وكان صهيب يبذل جهدا كبيراً في تثبيت المطاط حول المقلاع .. فالتفت اليه ذلك الجندي الذي كان يراقبه من زاوية الحي .. وصوب بندقيته نحو الطفل صهيب وقد ارتسمت على وجهه ملامح الحقد والغيظ والغيرة والغضب.. ومن خلال عدسته القناصة الموجودة في البندقية التي تعتلي كتفه ،، صوبها نحو صهيب وحدد اتجاه الرصاصة التى يريد أن يطلقها باصرار وترصد وبحقد كبير .. وأطلقها بعنفوان فتسارعت وانطلقت الرصاصة المطاطية المسمومة بعد أن حاولت الرأفة بالصبي لتتراجع لكن تلعثمت الكلمات من فوهة البندقية الحائرة واندفعت نحو صهيب الضعيف الجسم القوي الفكر والتحدي لهذا العدو الغاشم ،، ولم تكن الرصاصة التي لم تنطق_ ودوّى صوتها عالياً مستصرخاً_ غير مدركة أنها تقصد طفلا أعزل من السلاح الحربي الذي يملكه ذلك الجندي المتعثر المصير.. ولم تكن تدرك أنها صنعت بايادي ظالمة لتمحق الأبرياء العزل ولم ترحم حتى الأطفال ،،وأسرعت متثاقلة و قد اخترقت جسما طريا ناعما ما زال ينمو ويكبر ليُثبت حقه في الحياة، في ذلك المشهد المبكي المحزن المضحك الساخر انحنت البندقية خجلة بعدما استقرت الرصاصة في ذلك الجسد .. فمزقت تلك الخلايا .. وقطعت شريان الحياة في أواصره ،،وتوشحت ثيابه الرثة بالدم المخضب بالمسك والحناء .. بعدما أن انتشرت رائحة زكية زغردت لشذاها الطيور الفزعة التى صفقت من فوق أعشاشها محلقة بالفضاء الرحب وصارت الرياح والشجر بحفيفه والقمر ببدره والشمس بحرارتها وحتى نجوم الطهر والندى الذي حضر متسارعاً هو الآخر ينادي الغيوم الضبابية لتحمي وتظلل الجسد من حرارة المنظر ورهبة الواقعة والمصيبة المحرقة التي عمت بالمكان .. وهبت عواصف الغضب و أسرع الأطفال نحو جسد صهيب وهو يتهاوى يصرخون ويبكون وفي عيونهم غضب آت وحرب ضارية قادمة على أولئك الأشرار ،،وعم الصمت برهة حتى جاءوا بعلم الحرية الحمراء وغطوه به امتزج بالأحمر بالدم بالتضحية بالطهر والشهادة بالأسود بالحزن بالغضب بالأخضربالخصب بالعطاء بالأبيض بالسلام لا الإستسلام .. بدأ الأطفال يهتفون يزفون صهيبا نحو بيته الصغير الذى تم تجهيزه له .. كان اشبه بروضة خضراء يحوطها النخل تسبح بذكر الله .. يحيط به سعف النخيل الباسق المبارك .. تسبح وتردد الله أكبر الله أكبر .. وفي جنبات بيته الأخير ، تحول الريحان الى بساط أخضر يمهد للجسد كي يستقر هناك .. أما حبات التراب التى بدأت تنزلق فوقه فقد دمعت من الفرح لأنها ستكون غطاء دافئا له تحميه من العواصف ومن زمجرة الأشرار وتبعد عنه صوت دباباتهم وقنابلهم .. بكي الأطفال وزغردت النساء وأقسمن بأن ينذرن أطفالهن كي يكونوا فداءً لارضهم المغتصبة المحتلة و ما هي الا لحظات حتى استقر الجسد في التراب .. بعد أن أقسم أصدقائه الأطفال من حوله قبل وداعه بأن عرس صهيب سيستمر معلناً النصر مهما طال الزمان وحتى يقضي على العدو المحتل ويرحل عن وطنهم الصامد الصامت .
Sahar Hamzeh
Journalist Editor
Akhbar AlArab - United Arab Emirates
P.O. Box: 21912
Mobile: +971 - 50 3986053
Tel: +971 - 6 7468108
Fax: +971 - 67467102