البَحْرُ العذب

2008-07-17

:الثلاثاء ,18/11/2008

البَحْرُ العذب


أناسٌ إذا وَردَتْ بحرهُم
صَوادي العَرائِبِ، لمْ تُضْرَبِ
(الكُمَيْتُ)
كأن الكميت الأسدي، رحمه الله، يشير إلينا، لنفرق بين البحر والبحيرة، أو بين مسافر ومسافرة.
يذهب أحدهم في سفر إلى بلدة ما، في البر والبحر، فيعود إلى دياره، كما ذهب، صفر اليدين، خلو الكفين، فكأنك ما غزوت يا فلان بن فلان الفلاني.
ويسافر أحدنا، فيركب مطية الهواء، أو يقود مطية الصحراء، أو يجعل البحر مطية له، فيمر على القاهرة أو غرناطة، أو يمر بتطوان، أو يقيم فترة بلندن، ثم يعود إلى ديار أهله، كما يصل دجلة إلى العراق، والنيل إلى مصر.
وسمّت العربُ الماء الكثير، مالحاً أو عذباً، بحراً. ولهم في ذلك كلام كثير، تتواضع بين يديه هذه السانحة، ويعتبر الكلام بمقام المرموز له، ويجتهد المنشئ ليلظم الخيط القصير، بخيطان هي البحار في القول والفعل والأخلاق والمروءة، لأن العروبة بحر، والعربي بحر.
والبحر الكبير، عذب الماء، عميق الغور، بسيط في صعوبة، وسهل في غموض، وهو متلاطم في داخله، وصاخب، بينما يحسبه الناس هادئاً، كأنه الصمت.
وما أدراك ما "صمت البحر".
وأنت تسمي الفرس السبوق بحراً.
قالوا: ركب النبي ذات يوم، الفرس "مندوب" العائدة إلى أحد الصحابة الكرام، فقال عليه الصلاة والسلام: "إني وجدته بحراً"، أي: واسع الجري.
والبحر، أيضاً، من صفات الفرس، فلقد قالوا: فرس بحر، وفرس فيضُ، وفرس سكْبٌ، وفرس حتّ، وهذا يقال للجواد إذا كان كثير العدو.
ووصف النبي عليه الصلاة والسلام، عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، بأنه بحر. أراد بذلك أنه واسع العلم والمعرفة. لِمَ لا، وهو صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه ذات يوم: هذا حَبْرُ الأمة؟
فتعالوا، نتبحر في العلم، ونستبْحر في المعرفة، لنشقّ في أرضنا، وفي كل أرض تستقبلها، بحراً، لأن لغتنا تقول: الاستبحار: الانبساط والسعة. وسمّي البحر بحراً لأنه شق في الأرض شقاً. والبحر في كلام العرب الشّقّ.
وعندما تقوم الدنيا ولا تقعد، كما في أيامنا هذه، حيث "الأزمة العالمية" التي سببتها مغامرات أمريكا، نجد من تسمّوا بحاراً ذات يوم، هم في الأصل شياه مغلوبة على أمرها، وقد شقت أذناها، تمييزاً لها من قطيع من الشياه والخرفان، هي ليست بالبحر بإطلاق.
فأين هذه البحيرات من ذاك البحر؟
بحارنا كثيرة، ولله الحمد أولاً وآخراً، ومنها، وبينها، من يجعل العلم والمعرفة والثروة، في خدمة الإنسان، ويخوض البحر من أجله علناً وفي السر.

 

جمعة اللامي
www.juma-allami.com

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved