الإبتكار أو الإنحدار

2018-07-19
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/047c4da7-3461-4243-a6cb-0391c7740d9c.jpeg
السياحة صناعة كبري وهامة تقوم في الأساس علي العامل البشري، وهي صناعة شديدة الخصوصية والحساسية، تستطيع توفير ملايين فرص العمل وتشكل حائط صد منيع ضد تغلغل الأفكار الهدامة بين صفوف الشباب المشتغلين بها .
 
المناخ العام في الأوطان العربية يدعوا إلي التفاؤل وحث الخطي علي الإستثمار وتوجيه الجهود نحو بناء الإنسان .
 
لقد أثبتت السياحة أنها صناعة غير هشة وقادرة علي الصمود في وجه كافة التحديات الاقتصادية التي أصابت عالمنا العربي خلال السنوات الماضية .
 
فالإرهاب الذي أصاب عدة بلدان عربية بالإنهيار شبه التام في سبيله إلي الإنحسار والتراجع، وسبل دحضه ومحاربته أصبحت أكثر فاعلية عن ذي قبل .

هذه الصناعة الهامة لها عدة محاور أشهرها علي الإطلاق المحور الاقتصادي الذي يوفر الأموال اللازمة للدول والحكومات لضخها في مشاريعها الإستثمارية ورفع كفاءة البنية التحتية .
 
ولكن هناك أبعاد أخري لا تقل أهمية عن البعد الاقتصادي ومنها البعدين الإجتماعي والقومي . للسياحة دور هام ( لو أحسن إستغلاله ) في بناء الشخصية الوطنية ورفع درجات الولاء والإنتماء للأوطان . 

المتابع لحركة نمو وتطور السياحة العربية يلاحظ تطورا كبيرا على الصعيد الإنشائي . وبعقد مقارنة بسيطة بين أوضاع القطاع في بداية ثمانينيات القرن الماضي وبين الوضع القائم الآن لأيقنا علي الفور حجم الطفرة الإنشائية الضخمة التي تحققت .
 
ولكننا مع الاسف تناسينا في غفلة من الزمن الدور الأهم للسياحة والذي نحن في أشد الحاجة إليه الآن ليقف جنبا إلي جنب مع مجهودات الدول في محاربة جماعات الظلام وإحتكار الأديان وتكفير كل من يخالفها الراي .

هذا الدور يتلخص ويدور حول كيفية إستغلال السياحة لتشكيل وعي مجتمعي مضاد لكل قوي الشر والظلام، وليقف حائطا منيعا أمام هجمات الفكر المتطرف .
 
لا يمكن غض الطرف عن وجهة النظر القائلة بأن الإرهاب فكرة تنمو وتترعرع في المناخ الذي يفرض قيودا علي حركة الفكر والثقافة في حين أن كل الرؤي الظلامية تختنق وتتلاشى في المناخ الذي يسمح للإنسان بالتفكير والابتكار .

ولا يمكننا إغفال القصور والعوار الذي أصاب منظومة التعليم العربية مما جعلها تفرز لنا وجوها وشخصيات مشوهة غير قادرة علي إستيعاب الآخر والتعايش معه . هذا التعليم أخرج لنا نماذج غير مؤهلة للتعامل مع الواقع، في حين كانت هناك دول تسابق الزمن من أجل تطوير منظومة التعليم .

للإعلام دور في محاربة الإرهاب، ولكن ليس عن طريق مهاجمته فقط، بل بالتوعية ونشر قيم التسامح والمودة بين البشر . السياحة في مفهومها الإجتماعي تعتبر واجهة للدول للتعبير عن مدي تحضرها وإستعدادها لقبول الآخر والتعايش معه .

سوق العمل السياحية تعتمد إعتمادا مباشرا على الشباب ممن يلتحقون بالوظائف المختلفة بالقطاع السياحي . هذا الشباب في حاجة ماسة للتوعية بأهمية هذه الصناعة . الآلاف ممن يعملون بالقطاع السياحي لا يحصلون علي التدريب الكافي لتهيأتهم نفسيا لمهنة تعد من اكثر المهن خطورة على الأمن القومي لبلادنا العربية .

نعم الشباب من المشتغلين بمهنة السياحة هم أشد خطرا علي السياحة من الإرهاب . لأن هذا الشاب الغير مؤهل فكريا وثقافيا سيكون أكثر أدوات هدم الصورة الطيبة التي يعرفها السائح عن بلادنا العربية .
 
علي الدول العربية توجيه طاقات مبدعيها وفنانيها لتنمية عقول شبابنا لكي يحدث التطور الذي نسعي إليه جميعا . لابد أن نؤكد أن الابنية الخرسانية الصماء لن تجدي نفعا إذا لم تكن هناك عقول واعية تدير هذه الأبنية وتسوق لها، وتسعي إلى الجودة في كل ما تقدمه للسائح من خدمات .
 
مشاكلنا الإقتصادية أكبر من طاقاتنا وإمكانياتنا والحل الأمثل لتجاوز التحديات التي تعوق النمو يكمن في الإبداع والابتكار . إطلاق العنان للعقل العربي لكي يحلق في سماء الفكر لينهل من معطيات العصر علي كافة المستويات، وتنمية قدرات الإنسان الإبداعية سيخلق مجتمعات قادرة على إستيعاب الآخر والتعامل معه .
 
الذي سيكسب رهان الإستثمار في الحياة هو من يمتلك القدرة علي الإبتكار، أما الآخرون فليس لهم مكان في عالم اليوم . لابد من السعي إلي إبتكار سبل جديدة للمعيشة تخفف من وطأة وقسوة الحياة، وتوفير المناخ الملائم للإنسان لكي يحتفظ بروحه التي دهستها التكنولوجيا وإكتفت فقط بمظاهر خادعة لا تغني عن الروح . قطاع السياحة يمثل لنا أمل في تحقيق أكبر فائدة ممكنة من التواصل الإنساني الذي يشبع رغبة الإنسان في التواصل مع الآخر وفهمه والتكيف معه .

إنسان العصر تحول إلي ماكينة موجهة لا مكان في حياته الجديدة للتواصل الذي يغذي روحه بالقيم والمبادئ . أما الفكر المستنير هو الذي سيحفظه من الوقوع فريسة لأفكار أخرى مناهضة لفكرة الإبداع والتواصل . لا غني أبدا عن فكرة التواصل الموصول بالتعرف على حضارات وثقافات الغرب الذي أهدى إلينا الكثير من المنح التي أفادت وأضرت في ذات الحين حتي نستطيع أن نكتشف أنفسنا فنحن لم نعد نعرف من نحن وماذا نريد .
 
من واقع تحديات نمو القطاع نجد أن إنحلال شخصية الإنسان أصبحت سمة جديدة على إنسان العصر الذي أصبح تائها في صخب الحياة وضغوطها المتلاحقة فأصبح يكيف نفسه علي إستغلال الآخرين . هذا الإنسان هو من سيعمل بمهنة السياحة وكل ما يتعلق بها فكيف نثق في أنه سيؤدي الخدمة المطلوبة منه علي أكمل وجه .

الإستثمار في الإنسان هو الحل المناسب لأن التنمية لن تتحقق علي أرض الواقع إلا بأيدي أقوام صحيحي البدن والعقل .
حفظ الله اوطاننا .

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved