الفروض الغائبة عن السياحة العربية

2018-07-30
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/047c4da7-3461-4243-a6cb-0391c7740d9c.jpeg
يظن كثير من العوام أن صناعة السياحة مجرد صناعة ترفيهية توفر الأموال الكثيرة لمن يعملون بها دون النظر الي الابعاد الانسانية والثقافية الهامة لهذه الصناعة الكبري ودون  التفرقة الضرورية والواجبة بين اقتصادي وما هو اجتماعي واخلاقي .

ومن سوء التقدير لمهنة السياحة والذي نراه واضحا في كافة أقطارنا العربية ظاهرة الربط بين السياحة وبين كل المظاهر الأخلاقية الغير محمودة فنجد أن أغلب العوام وخاصة في المناطق النائية أو الريفية يعتقدون إعتقادا مترسخا في وجدانهم بأن كل من يعمل بالسياحة هو بالضرورة إنسان سيء الخلق والطباع ولا يتواني عن إرتكاب كل الموبقات والفواحش .
 
هذا الإعتقاد ظل سائدا بين طبقات كثيرة لفترات طويلة ومازال هناك كثير من العوام يؤمنون به .
واقع الأمر أن صناعة السياحة مثلها مثل أي صناعة أخري تجذب من أبناء الوطن الواحد من يهوي العمل بها، في حين يفضل آخرون البحث عن وظيفة في قطاع آخر .
 
ومن الأمور التي أثارت العجب بداخلي بل إستوقفتني كثيرا أنني وجدت شريحة كبري ممن يفترض أنهم من أصحاب التعليم العالي والثقافة العريضة يصفون العمل بالسياحة، علي انه أمر حرام وبه من الشرور الكثير .

لست هنا في موقف الرد علي الآراء المختلفة ولكن ما يهمني هو عرض لبعض تلك الشبهات حتي نقف علي مواطن الخطورة ونسعي لإيجاد الحلول المناسبة .

عندما نري أن هناك شريحة كبري من المواطنين يحتقرون هذه المهنة ويبتعدون عن كل من يعمل بها فلابد لنا أن نتوقف لنسأل أنفسنا من الظالم هنا ومن المظلوم ؟
 
أصحاب الرأي والكلمة ومعهما الإعلام هم المسؤولون عن هذه الكارثة التي أصابت مجتمعاتنا العربية من ضحالة الفكر وسيطرة الأفكار الرجعية علي كثير من العوام .
 
ليس هناك شيء أدعي لأن نقف أمامه أكثر من هذه القضية .
ونعود مرة أخري لرؤيتنا عن صناعة السياحة ونكرر بأن السياحة والسياسة وجهان لعملة واحدة وما تفشل السياسة في تحقيقة تنجح السياحة في القيام به بشكل مختلف .
 
لذلك عندما نري جماعات الفكر المتطرف وهي تنمو وتترعرع في مجتمعاتنا العربية وعدم مقدرة بعض الحكومات علي مواجهتها لابد لنا من ان ننادي بتغيير استراتيجيات المواجهة والبحث عن أدوات جديدة لمواجهة هذا الفكر المتطرف ومن أهم هذه الأدوات صناعة السياحة .

السياحة بإختصار صناعة توفر التواصل الحضاري بين الشعوب، هذا التواصل الحضاري له فوائد جمة منها علي سبيل المثال معرفة كيف يفكر الآخرون، وإذا ما إستطعنا أن نعرف كيف يفكر الآخرون سنعرف كيف يمكن أن نتواصل معهم بالطريقة المثلى .
 
ومنها أيضا تصدير صورة حقيقية عن مجتمعاتنا التي أصبحت في موقف المدافع عن تاريخها وحضاراتها  منذ زمن ليس بقريب .
توغل العديد من الأفكار والرؤي الرجعية خلق أجيالا مختلفة عنا تماما وأصبحت الآن تمثل البنية الأساسية التي تعتمد عليها جماعات التطرف والإرهاب .

ولكي أكون منصفا هناك العديد من الأسباب أدت إلي التدهور الأخلاقي الذي أصاب مجتمعاتنا، من أهمها من وجهة نظري هو تقصير المبدعين والكتاب في التواصل مع جموع الشعوب العربية .
 
لقد إكتفي المبدعون بمخاطبة بعضهم البعض وعزلوا أنفسهم طوعا بعيدا عن كل ما يدور في مجتمعاتنا حتي تولدت ثقافة جديدة بين العوام وخاصة حديثي السن جوهرها الإبتعاد عن القراءة والإطلاع، فأصبح الجيل الصاعد جاهلا بأشياء عديدة أهمها على الإطلاق حب الوطن والإنتماء إليه .

بعيدا عن الكلمات التي لا يفهمها عوام الناس وبدون أي انتقاد لكتابنا الكبار في عالمنا العربي أسألهم لمن تكتبون وماذا تريدون من وراء كتاباتكم التي لا يقرأها إلا بعضا من المتابعين أو المحبين لكم ؟
 
ما أفهمه هو أن الفكر والأدب والشعر كلهم يهدفون في النهاية إلي سعادة الإنسان ورقيه أما أن يبتعد عنا أصحاب القلم والموهبة فهذا أمر غير مقبول .

خاطبونا بما نفهمه وحاورونا بقلوبكم حتي نستوعب ما تكتبون .
 
إذن المشكلة ليست مشكلة القطاع السياحي، فالقطاع جزء من مجتمع أهملت فيه الثقافة إلي حد بعيد .
ومع التغيرات السريعة والمتتالية في الحياة وإرتفاع الأسعار أصبح من الصعب علي المواطن البسيط شراء جريدة أو كتاب .
الأوطان العربية شبيهة ببعضها البعض ولا توجد فروق كبيرة بين بلد عربي وآخر . 
 
التكنولوجيا سيطرت علي عقول الشباب وتراجعت قيم القراءة والأخلاق والسلوك القويم أمام قيم السوق المفتوح والاستثمار .
وإذا ما تشاركنا الرؤي حول الأهمية القصوي للجوانب الاجتماعية والثقافية للسياحة وقدرتها الفائقة علي خلق نوع من النقاش والحوار بين أصحاب الثقافات المختلفة فسوف نصل إلي حلول سريعة لكافة التحديات التي تواجه مجتمعاتنا .
 
أما عن البعد الاقتصادي فهو يوفر الأرباح العالية لكل الأطراف مما يجعل الجميع في رغبة مستمرة للتعاون والتكافل علي كافة الأصعدة وتبني وجهات نظر مشتركة تجاه العديد من القضايا .
 
نستطيع التأكيد على أن مجتمعاتنا العربية لم تستفد بعد من صناعة السياحة الإستفادة التي نبحث عنها، ولم تقم بإستثمار الأبعاد الثقافية والإجتماعية لهذه الصناعة الكبري .
 
حفظ الله اوطاننا .

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved