الحروف الباقية/ نقد

2018-11-15
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/09e862ca-34c4-45ae-9213-a2df323955e7.jpeg
لطالما نقرأ وتستوقفنا كلمات ودلالات، وتوقع وشما في الذاكرة ونختزنها ولكن حياتها واستمرارها في تداولها .
نفض الغبار عن هذه الدلالات هدية متميزة للقارئ والمنتج .
 
استوقفني ديوان الشاعرة لطيفة السليماني الغراس " الحروف الباقية " وقفت اقرأ واحلل  لكشف "تيمة الوردة"داخل المتن الشعري، هذا ما دفعني لتقديم قراءة  لهذا الديوان في غرفة صديقات أجمل العمر ب مونتريال بحضور  نساء يمثلن الثقافة العربية بهذه المدينة، منهن الصحفية عالية كريم صاحبة مجلة معكم، والشاعرة سونيا حداد، والدكتورة سناء مليادي، والمهندسة خديجة الرياح، والناشطة بشرى الغساسي .. .
صدر للشاعرة المغربية لطيفة الغراس سليماني ديوان شعر  موسوم ب "الحروف الباقية" .   2018
جاء في تقديم  الدكتور عمر قلعي  ".. الشاعرة تهتم بالسؤال عن نبض الحروف.." 
 
وعلقت الشاعرة سونيا حداد على نفس الديوان قائلة " .. تدخل أعمق وديانك، تعريك كحبات حنطة تذروك في سماء هالة مملكتها، هالة الحروف الباقية ."
 
 مقاربة اللفظ المعجمي بين الحياة والموت - النفع والضرر .
لا حياة  للشاعرة . مقابل حياة  النص الشعري . 
 
سنقوم بعملية فك  بعض  الألفاظ الفاعلة للإبداع والتي وظّفت داخل  النص بخبرة وذكاء . ونأخذ على سبيل ذلك لفظين   " الورود - ورد "  باحثين عن الأثر الذي يتركه اللفظ بعد عملية التفكيك . محترسين  من بتر اللفظ داخل النص الشعري، منتبهين  إلى ما وراء اللفظ من إيحاءات بيانية بليغة  .
 
إن امتلاك  صور للأشياء " الورود- ورد" . يحمل طابعا فرديا  داخل المتن الشعري، لأن الصور الفنية لنبات - نافع . ضار-   تتشاكل وتتعارض وفق مقتضيات تعمل خارج نطاق الوعي الذي تهيمن  عليه  واقعية " الورود- ورد"  . سنحاول أن    نرفض واقعية " الورود- ورد" ونؤمن بأنه وهم كاذب . وذلك من خلال انزياح اللفظ من الواقعية المتعارف عليها خارج في الخارج . في مثل" الورود - ورد" . الواقعية داخل الحديقة .  إلى اللا واقعية  داخل النص . والتي  تستلزم منا قراءة  تجعلنا نخوض في  متاهة مستعصية، حيث ينفلت اللفظ  في ضوء اللا متناهي من التأويل مما يجعل اللفظ  يتلاشى  نحو فراغ معطوب . لكن القارئ الجيد الحذر  يتمسك بالوحدة العضوية للنص، في امتلاكه بنيته الجمالية التي تحول بين الانفلات . فيخلق منه إبداعا جديدا . هو نتاج  قوة تماسك الرؤية الشعرية  .
 
 لنبتعد عن كل الألفاظ المشغلة داخل المتن الشعري في ديوان  " الحروف الباقية" ونقتصر على " الورود - ورد " من أجل الاستحواذ على علامة اللفظ في دلالته . وذلك باعتبار اللغة منظومة من العلامات لها وجودها المستقل عن الواقع . الورود ليست التي نشاهدها في الحديقة، الورود هي التي نشاهدها لفظا معجميا على صفحة  ديوان " الحروف الباقية   " تتحرك داخل النص الشعري في لباقة وذكاء تختفي فيه الشاعرة ويتجلى لنا الشعر . نقلب الصفحات نتجسس على لفظ " الورود- ورد" .  ليتضح لنا توظيف اللفظ المعجمي في القصيدة والذي يحدد رؤية الأشياء للعالم المقيد داخل تأثير سلطة المتعارف عليه اجتماعيا . 
 
 لنتساءل : لماذا  لفظ "ورد".  يتكرر توظيفه داخل المتن الشعري ؟
 ما هو الهدف المقصود وراء هذا اللفظ ؟ 
 
ننطلق من فكرة أن  لا شيء يكتب عبثا، فالقصيدة تكتب  دون حذر من السلطة التي تترقب الألفاظ  وإن كان الشاعر -ة- محترسا من اللفظ المشغل وغالبا ما يخترق السلطة . يظل الأُثر بينا من خلال القراءة الجيدة . 
 
 يرد لفظ "الورود . ورد " في المتن الشعري تسع  مرات ونجد أن التشاكل والتعارض القائم داخل المتن الشعري  يحيلان على قضايا  تتقابل وتتماثل في جمالية شعرية مدهشة . تنم عن بيان أنيق وحس أدبي رفيع . لا تقوى عليه إلا مبدعة  محترفة ماهرة  ومتمرسة بضروب الشعر .
 
صفحة 15 " وردة  في الكفن"، ص 16 "فأمن الورد في الشوك ". ص18" وتراب الخريف  يحي ورودي" . ص 42 " وقد غرست لكم يوما، كل  الورود  ". ص44" وردا  مشعة ". ص 51 " أين الورود وربيعنا خريف ؟" . ص 52" وتحمل أصيصا عقيما يحلم بالورود".
ص91" وأنت في مروج الورود ". ص91 " وهل ناجتك ورود حقلي " .
 
نكرة بصيغة الجمع تفيد الضرر والنفع :
 
1- "ورود  في الكفن "  وردت أول مرة في عنوان أول قصيدة " نكرة - بصيغة الجمع ". مقرونة ب الحزن الكفن . وهذا يدل على التغيير الذي حصل " ورد ". تفيد الضرر .
2- فأمن الورد في الشوك ". معرفة - الجمع". تفيد النفع 
3- وتراب الخريف يحي ورودي ". نكرة - الجمع" . الضرر .
4-وقد غرست لكم يوما، كل الورود  ". معرفة -الجمع ". النفع .
5- ورودا منعشة . "نكرة - الجمع". النفع .
6- أين الورود وربيعنا خريف . "معرفة - الجمع ".  الضرر .
7- وتحمل أصيصا عقيما يحلم بالورود".  معرفة- الجمع". الضرر .
8- وأنت في مروج  الورد" . معرفة - الجمع". النفع .
9- وهل ناجتك ورود حقلي". نكرة- جمع" . النفع .
 
نتائج :
 
1. لم يرد اسم " وردة " داخل المتن الشعري بصيغة المفرد اعتباطا . لكن لغرض .
2. يتقصده النص المرسل . حيث نجد   " الورود- ورد " بصيغة الجمع .  يفيد خطابا جماعيا مقصودا . غايته الابتعاد عن الرومانسية التي تحيلنا عليها " وردة " . التي لها دلالة واقعية - الحقل - تجعل اللفظ  يجسد الرغبة في انطلاق التساؤل  " هل ناجتك ورود حقلي" ؟  في مثل هذا التساؤل تهدف القصيدة في معجمها اللفظي إلى الانزياح عن المفهوم المتعارف عليه في الابتعاد عن "وردة" والاقتراب من الورود -  في مثل : " نحمل أصيصا عقيما يحلم بالورود" . ينتهي النص الشعري  إلى  التساؤل الذي  هو الهدف من الإرسالية : -  " أين الورود وربيعنا خريف" ؟ . وهذا يؤكد لنا الابتعاد عن " وردة " بصيغة المفرد .  والإطلاق بصيغة الجمع الذي يفيد التعارض القائم بين النفع والضرر الذي يعبر  بين " من حياة إلى موت " . في حركة مقصودة  بين الربيع والخريف، وهو الهدف  الذي  يتجلى لنا في جميع القطع الشعرية  .
3. وهذا التساؤل داخل المتن الشعري يؤكد  التأرجح بين الحياة والموت بذكاء أنيق  يتطلب منا القراءة وإعادة القراء ة  بحس أدبي بليغ . لدلالة الورود - ورد . وإحالتهما على الربيع والخريف .
 
لطيفة حليم
رئيسة رابطة كاتبات المغرب فرع كندا.






لطيفة حليم

 أستاذة جامعية وكاتبة حاصلة على شهادة الدكتوراه، تعيش ما بين كندا وبلدها المغرب، صدرت لها روايتان “دنياجات” عام 2007 عن منشورات زاوية الفن والثقافة، و“نهاران” عام  2012   عن دار فكر المغربية بالرباط . بالإضافة إلى نشرها العديد من المقالات والمواضيع في مطبوعات متعددة .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved