لطالما نقرأ وتستوقفنا كلمات ودلالات، وتوقع وشما في الذاكرة ونختزنها ولكن حياتها واستمرارها في تداولها .
نفض الغبار عن هذه الدلالات هدية متميزة للقارئ والمنتج .
استوقفني ديوان الشاعرة لطيفة السليماني الغراس " الحروف الباقية " وقفت اقرأ واحلل لكشف "تيمة الوردة"داخل المتن الشعري، هذا ما دفعني لتقديم قراءة لهذا الديوان في غرفة صديقات أجمل العمر ب مونتريال بحضور نساء يمثلن الثقافة العربية بهذه المدينة، منهن الصحفية عالية كريم صاحبة مجلة معكم، والشاعرة سونيا حداد، والدكتورة سناء مليادي، والمهندسة خديجة الرياح، والناشطة بشرى الغساسي .. .
صدر للشاعرة المغربية لطيفة الغراس سليماني ديوان شعر موسوم ب "الحروف الباقية" . 2018
جاء في تقديم الدكتور عمر قلعي ".. الشاعرة تهتم بالسؤال عن نبض الحروف.."
وعلقت الشاعرة سونيا حداد على نفس الديوان قائلة " .. تدخل أعمق وديانك، تعريك كحبات حنطة تذروك في سماء هالة مملكتها، هالة الحروف الباقية ."
مقاربة اللفظ المعجمي بين الحياة والموت - النفع والضرر .
لا حياة للشاعرة . مقابل حياة النص الشعري .
سنقوم بعملية فك بعض الألفاظ الفاعلة للإبداع والتي وظّفت داخل النص بخبرة وذكاء . ونأخذ على سبيل ذلك لفظين " الورود - ورد " باحثين عن الأثر الذي يتركه اللفظ بعد عملية التفكيك . محترسين من بتر اللفظ داخل النص الشعري، منتبهين إلى ما وراء اللفظ من إيحاءات بيانية بليغة .
إن امتلاك صور للأشياء " الورود- ورد" . يحمل طابعا فرديا داخل المتن الشعري، لأن الصور الفنية لنبات - نافع . ضار- تتشاكل وتتعارض وفق مقتضيات تعمل خارج نطاق الوعي الذي تهيمن عليه واقعية " الورود- ورد" . سنحاول أن نرفض واقعية " الورود- ورد" ونؤمن بأنه وهم كاذب . وذلك من خلال انزياح اللفظ من الواقعية المتعارف عليها خارج في الخارج . في مثل" الورود - ورد" . الواقعية داخل الحديقة . إلى اللا واقعية داخل النص . والتي تستلزم منا قراءة تجعلنا نخوض في متاهة مستعصية، حيث ينفلت اللفظ في ضوء اللا متناهي من التأويل مما يجعل اللفظ يتلاشى نحو فراغ معطوب . لكن القارئ الجيد الحذر يتمسك بالوحدة العضوية للنص، في امتلاكه بنيته الجمالية التي تحول بين الانفلات . فيخلق منه إبداعا جديدا . هو نتاج قوة تماسك الرؤية الشعرية .
لنبتعد عن كل الألفاظ المشغلة داخل المتن الشعري في ديوان " الحروف الباقية" ونقتصر على " الورود - ورد " من أجل الاستحواذ على علامة اللفظ في دلالته . وذلك باعتبار اللغة منظومة من العلامات لها وجودها المستقل عن الواقع . الورود ليست التي نشاهدها في الحديقة، الورود هي التي نشاهدها لفظا معجميا على صفحة ديوان " الحروف الباقية " تتحرك داخل النص الشعري في لباقة وذكاء تختفي فيه الشاعرة ويتجلى لنا الشعر . نقلب الصفحات نتجسس على لفظ " الورود- ورد" . ليتضح لنا توظيف اللفظ المعجمي في القصيدة والذي يحدد رؤية الأشياء للعالم المقيد داخل تأثير سلطة المتعارف عليه اجتماعيا .
لنتساءل : لماذا لفظ "ورد". يتكرر توظيفه داخل المتن الشعري ؟
ما هو الهدف المقصود وراء هذا اللفظ ؟
ننطلق من فكرة أن لا شيء يكتب عبثا، فالقصيدة تكتب دون حذر من السلطة التي تترقب الألفاظ وإن كان الشاعر -ة- محترسا من اللفظ المشغل وغالبا ما يخترق السلطة . يظل الأُثر بينا من خلال القراءة الجيدة .
يرد لفظ "الورود . ورد " في المتن الشعري تسع مرات ونجد أن التشاكل والتعارض القائم داخل المتن الشعري يحيلان على قضايا تتقابل وتتماثل في جمالية شعرية مدهشة . تنم عن بيان أنيق وحس أدبي رفيع . لا تقوى عليه إلا مبدعة محترفة ماهرة ومتمرسة بضروب الشعر .
صفحة 15 " وردة في الكفن"، ص 16 "فأمن الورد في الشوك ". ص18" وتراب الخريف يحي ورودي" . ص 42 " وقد غرست لكم يوما، كل الورود ". ص44" وردا مشعة ". ص 51 " أين الورود وربيعنا خريف ؟" . ص 52" وتحمل أصيصا عقيما يحلم بالورود".
ص91" وأنت في مروج الورود ". ص91 " وهل ناجتك ورود حقلي " .
نكرة بصيغة الجمع تفيد الضرر والنفع :
1- "ورود في الكفن " وردت أول مرة في عنوان أول قصيدة " نكرة - بصيغة الجمع ". مقرونة ب الحزن الكفن . وهذا يدل على التغيير الذي حصل " ورد ". تفيد الضرر .
2- فأمن الورد في الشوك ". معرفة - الجمع". تفيد النفع
3- وتراب الخريف يحي ورودي ". نكرة - الجمع" . الضرر .
4-وقد غرست لكم يوما، كل الورود ". معرفة -الجمع ". النفع .
5- ورودا منعشة . "نكرة - الجمع". النفع .
6- أين الورود وربيعنا خريف . "معرفة - الجمع ". الضرر .
7- وتحمل أصيصا عقيما يحلم بالورود". معرفة- الجمع". الضرر .
8- وأنت في مروج الورد" . معرفة - الجمع". النفع .
9- وهل ناجتك ورود حقلي". نكرة- جمع" . النفع .
نتائج :
1. لم يرد اسم " وردة " داخل المتن الشعري بصيغة المفرد اعتباطا . لكن لغرض .
2. يتقصده النص المرسل . حيث نجد " الورود- ورد " بصيغة الجمع . يفيد خطابا جماعيا مقصودا . غايته الابتعاد عن الرومانسية التي تحيلنا عليها " وردة " . التي لها دلالة واقعية - الحقل - تجعل اللفظ يجسد الرغبة في انطلاق التساؤل " هل ناجتك ورود حقلي" ؟ في مثل هذا التساؤل تهدف القصيدة في معجمها اللفظي إلى الانزياح عن المفهوم المتعارف عليه في الابتعاد عن "وردة" والاقتراب من الورود - في مثل : " نحمل أصيصا عقيما يحلم بالورود" . ينتهي النص الشعري إلى التساؤل الذي هو الهدف من الإرسالية : - " أين الورود وربيعنا خريف" ؟ . وهذا يؤكد لنا الابتعاد عن " وردة " بصيغة المفرد . والإطلاق بصيغة الجمع الذي يفيد التعارض القائم بين النفع والضرر الذي يعبر بين " من حياة إلى موت " . في حركة مقصودة بين الربيع والخريف، وهو الهدف الذي يتجلى لنا في جميع القطع الشعرية .
3. وهذا التساؤل داخل المتن الشعري يؤكد التأرجح بين الحياة والموت بذكاء أنيق يتطلب منا القراءة وإعادة القراء ة بحس أدبي بليغ . لدلالة الورود - ورد . وإحالتهما على الربيع والخريف .
لطيفة حليم
رئيسة رابطة كاتبات المغرب فرع كندا.