لقاء افتراضي، فرصة للتدرب على  رتق زربية (سجادة) الجزا الثاني

2020-08-01
زربية
 
غزل المرأة موغل في التاريخ 

الزربية تتميز برسومات على أشكال هندسية أبعاضها  خطوط ومربعات ودوائر، والأبعاض الأخرى  تمثال مقتبس من الطبيعة: هلال، قمر، نجم ..ألوان صباغتها يغلب عليها الأحمر من عصير زهر شقائق النعمان وحبات الرمان.. وغيرهما.

تركيبة غزلها من زمان. لم تعرف فيه المرأة تفكيكية، ولا مربعا سميائيا مؤلفا من حياة وموت  عند  فلان، ولا لذة علامات فلان ، ولا إيغالا في غابات أمازون فلان، ولا جنون فلان، ولا رموز وعلامات عند عبد الكبير،  ولا الطبيعة والتمثال عند أحمد .

كل غزل صوف تنسج به الزربية يمتلك زمن العهود الماضية، يتعارض ويتشاكل حضورها مقدس ومدنس. بين عرس ومأتم، بين زغرودة وعويل..لهذا حري بنا، نحن صديقات أجمل العمر، أن نكشف مشهد قرن من الزمن فنبحث فيه وسط فجوات الزربية عن لوحة تجريدية لعلامات غامضة تدعونا إلى اقتفاء الأثر واستنطاقه ومواجهته في صبر جميل، في نسج يعود لتاريخ 1920، ورتقه من جديد. نتذكر من خلال فتف الغزل، مغربا منهارا تحت وطأة الحماية، وتحت سنوات انكسار الأحلام. نتذكر أبا صاحبي بالأطلس المتوسط .  كان شابا في ريعان الشباب وقد خطا خطوه رفضا للحماية، لم يكن مضى عليها زمن طويل: ثمان سنوات في سنة 1920.  كان أبو صاحبي يتربع فوق زربية  نسجتها ميمونة عقيلته الأولى الأمازيغية، يفكر في تحريك القبيلة ضدا على استيلاء الفرنسيين على أراضي القبائل في الجبل والسهل وينسج خطة للتعبير عن الاحتجاج، ولإرباك الحماية في جبال الأطلس المتوسط . بعد ذلك بسنوات قليلة سجنه الفرنسيون ووجهوا إليه تهم بث الاضطراب و المس بالأمن. كان قد هيج أهل القبيلة والقبائل المجاورة كي يرفضوا التجنيد في الجيش الذي كانت تعده فرنسا لمحاربة ثوار الريف، نتذكر ذلك وغير ذلك.

 

فلنرتق الفجوات التاريخية ولنبرز القيم الفنية في الزربية ولننسبها باستحقاق للمرأة . هذا الفن نسجت غزله منذ عهد قديم واكتسبت فيه مهارات وموروثا غدت معه الزربية عملا كلاسيكيا فتميزت باللون الأحمر، الذي يندرج تحته البني القاتم بلون صوف الغنم، والفاتح بلون السواك، والأحمر الفاقع بلون زهر النعمان، والأحمر الباهت  بلون حب الرمان، والأصفر الناري  بلون الزعفران..الألوان يركب بعضها البعض في نسق جميل.

 

نحن صديقات أجمل العمر نرتق الفجوات، لترويض الزربية وللتعاطف  مع الماضي، حتى لا ينفلت النسج الذي تلاشى وترك الأثر شاهدا، نعيد إنشاء   الزربية من جديد و نجعلها تتسامى ويختفي عند الرتق العويل و تتجلى الزغرودة.

 نكاشف برهان الذاكرة  الخفية بزربية في زمن "كورونا" . نقتفي الأثر برتق  مائة رقعة ورقعة ، هي خلق جديد ينبض . يظهر   حضارة علامة  منسية هلكت. لقد ظل نسج غزلها يحتاج إلى الرتق كما يحتاج المخطوط إلى الحرف.

 نرتق ونعتذر لسيدة  منسية نسجت هذه  الزربية . ونسقت  الألوان وجعلت حضارة العلامة وثيقة حياة. زربية تعيش أكثر من مخطوط ضاعت حروفه.

 

"""

نبتعد عن التداعيات الميتا- زمانية. ونقترب من هذه الزربية القابلة للفحص والتأويل،   قاومت هزات مائة سنة. نشتغل على آلية هزة رتق بغواية إبرة وخيط.  نكاشف زمن مائة سنة مرت عليها.

،شكلت حضارة  علامات تعكس تذويت الذات الأنثوية .جسدت قوة المبدعة المصممة القادرة على خلق أشكال هندسية بحسابات عددية. فيها دليل  يقظة وفطنة. لم تكن  عالمة  بالهندسة و الحساب. ولم تملك اليراع كأبي العلاء . لكنها ترسم حضارة علامات من مخيلتها قبل رقنها على الزربية لها القوة على الإنشاء ، قوة ما قبل اليراع  . 

في زمن "كورونا".نرتق ونحاول فهم تشاكل وتعارض العلامات برتق مائة رقعة ورقعة.   لا شيء يرتق عبثا كل شيء له علامة ويترك الأثر. العلامات  المنسوجة فوق الزربية وضعت بعناية وموسيقى تنبعث من خرير مياه الجبل وندف الثلج وعطر الأرز. لها ما يماثلها في النسق المعرفي من استعارات أسطورية وأخيلة دقيقة ورموز تؤدي وظيفة الإشارة بحكي هيروغليفي تبناه الإنسان قديما قبل معرفته الحرف عرف العلامة، ولهذا شغلت المرأة العلامة  كوسيلة لمواجهة الطبيعة في شراستها وقسوتها عندما تعصف عاصفة ثلجية أو تجري سيول جارفة أو يهز بالريح  أزر.   

وضع السكون على حرف الواو"كورونا"

... إذا كان المخطوط يتطلب عناية في تحقيقه من طرف اللغوي و المؤرخ، فإن الزربية تتطلب عناية أكثر في رتق الفجوات التي فتق غزلها . ورتقتها صديقات أجمل العمر من جديد، في لحظة  حلول الذات مع  الغزل لخلق فضاء  يمتد مجاله ليسع غرابة الحلم وأسرار الحكاية وروعة الأساطير ... ولتشكيل حضارة علامة  خفية  تتجلى لنا بعض فجواتها من خلال تذويت الذات المركبة  التي تحيلنا  على استحضار مجازي للجسد الأنثوي الصانع ..

رغم كل ما قلناه لم نصل بعد إلى مكاشفة  الزربية في زمن "كورونا"- بوضع السكون على حرف الواو-.

...

لطيفة حليم

 أستاذة جامعية وكاتبة حاصلة على شهادة الدكتوراه، تعيش ما بين كندا وبلدها المغرب، صدرت لها روايتان “دنياجات” عام 2007 عن منشورات زاوية الفن والثقافة، و“نهاران” عام  2012   عن دار فكر المغربية بالرباط . بالإضافة إلى نشرها العديد من المقالات والمواضيع في مطبوعات متعددة .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved