تسللت شمس الصباح الى قاعة الرسم في المدرسة ، تشاكس جدائلها الحريرية عيون الأطفال من ذوي الإعاقات الجسدية ، الذين كانوا يجلسون على امتداد أشعتها العابرة عبر نافذة عريضة . كانت أصابعهم تداعب أوراقاً بيضا أمامهم على رحلاتهم الدراسية ، حيث موعد حصة الألوان التي يحبون العبث بها .
طلبت منهم معلمتهم أن يرسموا مايفكرون به ، بينما كانت ثمة أصداء لانفجارات بعيدة أخذت تدوّي بين جدران القاعة المزينة برسوم تمثل وروداً وفراشاتٍ وحمائمَ وطائرات ٍ ورقية .
بدأ الصغار يرسمون على أوراقهم ، ويضحكون ويتمازحون بتلوين وجوه بعضهم البعض ، لكنها ضحكات كانت تـُقاطـَع مع زئير الانفجارات بين وقت وآخر ، فيما تقوم المعلمة بطمأنتهم ودعوتهم لمواصلة الرسم التنافسي قبل انتهاء السنة الدراسية ، لتعطي اللوحة الأجمل الدرجة الأعلى .
بدا التوجس واضحا في عيون الصغار حتى وجدوا الفراشات والحمائم والورود والطائرات الورقية تغادر الجدران وتحلق حولهم بانسيابية على إيقاع موسيقى انطلقت مع رقصة التحليق . ضحك الصغار مطمئنين وعادوا يركزون على أوراقهم ، بينما انسحبت الفراشات والحمائم والورود عائدة الى أماكنها تاركة موسيقاها تصدح في القاعة .
رسم طفلٌ أبكم فماً وردياً وسط وردة امتدت على فراغات لوحته . بينما رسم طفل أصم بيانو تتطاير منه بالونات ملأى بأشكال النوتات .
كان ثمة طفل فاقداً لذراعه اليسرى يرسم باليمنى ذراعاً تمسك بالشمس وتقطفها كثمرة من شجرة .
على مقربة منه ، رسمت طفلة مقعدة ساقين وقدمين وحذاءً وردياً مزيناً بالورود .
وهكذا فعل الأطفال الآخرون ، انهمكوا برسم أفكارهم وتلوين أحلامهم .
عصف في القاعة دوي انفجار عنيف ابتلع صوت الموسيقى . هلعت المعلمة والصغار . تطايرت الأوراق برسومها البكر بين أذرع العصف الوحشية ، فيما الصغار مع أول لحظة فزع سببه العصف رسموا لأجسادهم أجنحة حلقوا بها ، وتناثروا بين الورود والفراشات والحمائم على جدران القاعة ، بينما العصف مستعر ، يواصل عبثه باللوحات الورقية .
كانت اللوحات تتناثر في الفضاء بين الطائرات الورقية التي قاومت محاولة أصابع الدخان لف بعض خيوطها حول البعض الآخر .. قاومت كثيرا .. قبل أن تواصل صعودها نحو السماء .