لم أكن أنوِي احتراف السرقة 2

2020-07-09

خليل عبد القادر. ألمانيا . هارفارد2

على بركة الله وصلت إلى مدينة هارفارد . تسللت لصة خفيفة، إلى مرسم الفنان التشكيلي خليل عبد القادر، ألماني من أصل سوري، زوج صديقتي الشاعرة مها بكر . ألمانّية  هي الأخرى من أصل سوري . صداقتنا من زمان، عمرت أكثر من ربع قرن .. من زمان، كانت تبعث رسائلها البريدية بخطها الجميل ما زلت أحفظ  قصيدة موسومة ب - هذا مساء جميل جدا،  كنت على علم منها، أن زوجها هو الفنان التشكيلي السوري المعروف خليل عبد القادر .

 حللت بدارها في وضح النهار بمدينة هارفارد . وعادة اللصوص أنهم  يسرقون في غسق الليل، مع نور النهار، تعذر عليَّ أمر القيام ب مهمة سرقة لوحة  للفنان خليل من دار صديقتي  الشاعرة مها، لم تكن نائمة  ولم تكن بالمطبخ، كانت  بغرفة نومها تكتب قصيدة .

شعرت بالاطمئنان وأنا أتحرك  وسط دارها، الشعراء  يغرقون عند الكتابة، أخاف عليها  أن تغرق مثل فيرجينيا وولف في النهر .

الشاعرة مها تكتب قصيدة :

ثوب أسود

ما شكل القمر .. قل لي عندما تغيب ..

وما طعم جذورك.. وغرس اللذة..

لا تعفن، ولا ملح في قاع وردة .

ولجت غرفة مرسم خليل عبد القادر بالحضيض، أبحث عن لوحة برسم وردة، بقدرة قادر عميَ بصر الفنان  خليل عبد القادر، هو الآخر غارق  يرسم الورود، بحذر أتحرك، الله يراني، خليل لا يراني، تعلقت بسرقة لوحات الورود منذ  وصول "كورونا" إلى المغرب، أرى زوبعة ورود بريشة الفنان خليل، تأسرني اللوحات تطوحني تبعدني عن "كورونا".

.. أصبحت سارقة  محترفة ماهرة، صقلت موهبتي بكثرة الإشتغال اليومي على ولوج الديار .  تحوطني  الكرامات الربانية، تيسر لي أمر  السرقة، لم تعد الأبواب موصدة عندما أحل بدار،  تنفتح أمامي الأبواب، في الحقيقة لم أقدر على سرقة  لوحات زوج صديقتي، لوحاته  أسعارها مرتفعة .

خليل فنان تشكيلي من مدينة الحسكة السورية يقيم أكثر من ربع قرن في بلاد الجرمان يعيش مع الكتابة والرسم، في كل ركن من الدار توجد لوحة أو تحفة أو كتاب .

أرى كتاب"الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" .  أتعجب من الفارسي حافظ الشيرازي، الذي عاش بعد حوالي مئة عام، بعمق بتعاليم ابن عربي، ومن ثم بعد عدة قرون، تعلّم الشاعر والأديب الألماني "غوتة" الفارسية ليقرأ شعر حافظ .

أرى  على أريكة لوحة غير مكتملة، خليل مسحور بصباغة  الألوان الفضفاضة كأنها صواعق  تحدث زلزالا، تهز المشاهد يتحرك مع تدرج اللون الأصفر المفرح والأحمر القاتم  وأخرى لا تفصح صباغتها عن اسم لونها ..  لها ظلال وأبعاد  تهزك إلى بقع مجهولة، يشغل  الظل والنور يستفيد في تقنية الرسم ببراعة فنان يثقن الحرفة مع الموهبة، تحضر في  لوحاته النساء القرويات تتشابك الألوان في  بهاء زيهن الذي يحاكي الطبيعة  في صعود الشمس وغياب القمر . الألوان عند الفنان خليل  تحمل أفكارا متعارضة لتشكل لوحة تنذر بويلات الحروب اللامتناهية، وكأنه من زمان يتنبأ بوباء "كورونا".خليل داخل مرسمه ما زال يرسم . أنا أتحين فرصة  يغرق فيها  الفنان المجنون، وفي لحظة  يرتفع إلى السماء برقصة صوفية وغواية مدهشة . يختفي مع القمر ويتجلى مع الشمس .  التقطت بعدسة هاتفي الذكي صورة فوتوغرافية من  لوحة  ما زالت خديج لم يكتمل رسمها لفنان يرسم بعشق ياسمين مدينة الحسكة . عدت على بساط الريح  إلى هرهورة الرباط، دون أن أعرج على دار صديقتي بشرى بمدينة بون  وأطلع على آخر ما نشرت  بمجلة بلا أسوار . خوفا أن تصيبني عدوى "كورونا" . 

 

لطيفة حليم

 أستاذة جامعية وكاتبة حاصلة على شهادة الدكتوراه، تعيش ما بين كندا وبلدها المغرب، صدرت لها روايتان “دنياجات” عام 2007 عن منشورات زاوية الفن والثقافة، و“نهاران” عام  2012   عن دار فكر المغربية بالرباط . بالإضافة إلى نشرها العديد من المقالات والمواضيع في مطبوعات متعددة .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved