في ركن قصي من المسجد جلس الشيخ يتحدث الى مريده عبد الرحمن بصوت منخفض يحرص على ان لا يسمعه احدا آخر من رواد المسجد وقت أصيل ذلك اليوم . قال له:
- اسمعني يا عبد الرحمن ، في اللحظة التي يتطاير فيها لحمك ويصبح مفتتا ستجد روحك طريقها للصعود الى السماء وستظل تحلق حتى تنتهي في الجنة, بينما ارواح الاخرين ستمضي محترقة الى نار جهنم .. سيكون لك في الجنة عديدا من حور العين. انّي ابشّرك بأنك ستنال مرادك يا بني بإذن الله.
****
في صباح اليوم التالي كان عبد الرحمن يتجول في أكبر اسواق العاصمة ، بوجهٍ متجهم وارتباك واضح على محياه . كان من الصعوبة بمكان ان يحدس المرء بما يجول داخل هذا الكائن الميت من دون موت ويجر خلفه رائحة الموت.
يبدو كما لو انه يبحث عن اكبر تجمع من رواد السوق ليدسّ نفسه بينهم وينهي كل شئ . وصل الى ما قدّره بأنه زحاما يجتمع فيه عدد من النساء والاطفال بنسبة عالية. اقترب الى منتصف الزحام .. هكذا وكأنه "روبوت" ينفذ مهمة آلية تحت سيطرة التلقين الرقمي ، يضغط على زر الحزام الناسف المتزنر به تحت ملابسه.
يدوّي الانفجار وتحط على السوق سحابة من الدخان الاسود.
****
في تقرير الى مرؤوسيه كتب احد المسعفين: وصلنا الى مكان الانفجار بعد خمسة عشرة دقيقة وكان المكان مازال تحت غطاء من الدخان الأسود الكثيف يمنع الرؤية. بين الجثث المتناثرة كانت مصادر الانين هي دليلنا الى ارواح مازالت حيّة. نهرع اليها لتقديم الاسعافات الاولية أو نرفع عنها اجزاء من حطام السوق.
واضاف في دفتر يومياته التي يحرص على تدوينها : اثناء انهماكنا في تقديم الاسعافات انتبهت الى كائنات بيضاء لها اجنحة صغيرة ، ربما كانت موجودة من قبل وصولنا تتحرك بين الجثث وتلتقط ما بدا لي انها قطع من لحم الضحايا ويضعونها في مرطبانات شفافة.
عَقدَت الدهشة لساني لكن نظري تعلق بها. شعرت بهذه المخلوقات انها تتألم وكانت الدموع تسح من مآقيها، تتحرك بخفة وتحرص ان لا تدوس بأقدامها على التناثر الآدمي.
اردت التأكد مما أراه، فسألت زميلي المنهمك بأعمال الإسعاف:
- هل ترى الملائكة حولنا؟
دون ان يلتفت حواليه رمقني بنظرة غريبة وقال: لا أرى شيئا.
====================================
* من مجموعة "مملكة الرئيس" تحت الطبع