في أغلب دول العالم تعاني النساء التمييز ضدهن سواء في التشريعات أو في الممارسات الاجتماعيه اليومية،ومع أن درجة التمييز تختلف من مجتمع لآخر،إلاّ انه ما زال موجوداً وممارساً ويعد ظاهرة واضحة في المجتمعات الشرقية والعربية على وجه الخصوص.
وتُظهر الأرقام والإحصائيات فوراق حقيقية بين النساء والرجال على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، فحوالي 70% من النساء يعشن في فقر مدقع،وهذه النسبة تشير إلى إن زيادة الفقر بين النساء مرتبط بالتمييز ضدهن في سوق العمل، وفي التشريعات المختلفة، إضافة إلى وضعهن داخل العائلة كعنصر من الدرجة الثانية بل إن بعض الدول تمنع ترشيحهن للانتخابات أو المشاركة فيها عبر التصويت ، وقلة فرص التعليم المتاحة أمامهن أسوة بالذكور.
وفي قراءة سريعة للتقارير والإحصاءات الدولية الصادرة من منظمات حقوقية ونسوية نجد أن نسبة الأمية بين النساء في العالم هي الأعلى، ومعظم النساء يعملن عدد ساعات عمل أكثر من الرجال،ومعظم عملهن يكون غير مدفوع الأجر، وفي اغلب الأحيان لا يتم الاعتراف به أو التقليل من شأنه.
وتحتل النساء عالمياً ما بين 10-20 % من المناصب الإدارية والتنفيذية، وأقل من 20% في أعمال التصنيع. والنساء لم يحصلن على حصص متكافئة من القروض في مؤسسات الإقراض الرسمية وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في العراق حيث غيبت المرأة عن الكثير من المشاريع الاقتصادية والمنح والقروض التي وزعتها الحكومة العراقية وحتى بعض المنظمات العالمية حيث تم تغييب العنصر النسوي بشكل كامل عن هذه المنح والقروض ، بل لم يتم التعامل مع المرأة الخريجة التي لم تحصل على فرص عمل أسوة بالرجل واعتبارها عاطلة عن العمل وهذا التمييز هو بالتأكيد أحد أبرز العنف وأشكاله المتعددة.
وأما في مجال المشاركة السياسية وصنع القرار، فإن الإحصاءات تشير إلى إن 10% من المقاعد النيابية تحتلها نساء، وتشكل النساء اقل من 5% من قيادات دول العالم ، ورغم إن العراق وبموجب النظام الانتخابي قد حدد ما نسبته 25% من المقاعد البرلمانية لحواء،إلا أن هذا الإجراء الدستوري والقانوني لم يمنع الآخرين من مصادرة حق المرأة في التشريع ورسم السياسات العامة للبلد،وهذا ما تجلى بوضوح في الأشهر الماضية والدورة البرلمانية السابقة والحالية حيث غاب صوت المرأة وسط طغيان الأصوات الذكورية بحكم الثقافة المتداولة التي تعطي للرجل حقوقاً كاملة على حساب حقوق المرأة حتى إن كانت تمثل نسبة عالية في السلطة التشريعية.
وإذا أردنا أن نعرف الأسباب التي تقف وراء ظاهرة ممارسة العنف بجميع أشكاله ضد المرأة بما فيه مصادرة رأيها وحريتها، سنجد إن العوامل الثقافية والتربوية والعادات والتقاليد والعوامل البيئية والاقتصادية إضافة إلى الأسباب التشريعية التي نجدها في كثير من الأحيان تمارس بل تساعد فيما يمارس على المرأة من عنف وتمييز ضدها.
ومهما اختلفت الأسباب والمسببات تبقى ظاهرة العنف ضد المرأة واحدة من أهم المشاكل التي تعانيها المجتمعات الإنسانية، كما إن العنف ضد المرأة متعدد الأسباب فلابد من تكاتف جميع الجهود والعمل على مستويات ثقافية واجتماعية واقتصادية وتشريعية بشكل متكامل للتغلب على تلك الظاهرة ،وعلى الرغم من إن المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة وجد الكثير من الحلول التي أطّرها بشكل لوائح وأنظمة واتفاقيات دولية اعترفت بها اغلب دول العالم .
والمتابع لهذه اللوائح سيجد أن المجتمع الدولي تعامل مع قضية المرأة على إنها الأسرة بما تمثله من قيم ومكانة من خلال دورها الايجابي في بناء الأسرة التي هي نواة المجتمع،وكذلك تعامل معها مرتين،المرة الأولى في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كإنسان،والمرة الثانية في اتفاقية سيداوا كامرأة .
لذا نجد أن محاربة العنف كظاهرة اجتماعية هي مسؤولية جماعية يجب أن تتكاتف من خلالها أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وان يتضمن ذلك تعديلا في الأنظمة التشريعية واستحداث أنظمة الحماية القانونية وتغيير الثقافة الاجتماعية، إضافة إلى توعية المرأة لحقوقها الإنسانية وكيفية الدفاع عنها وعدم التسامح والتهاون والسكوت على سلب هذه الحقوق، وعلى النخب الفكرية والسياسية والدينية يقع دور في إثارة الوعي وإشاعة قيم التسامح والسلام واحترام الآخر.
ولابد من العمل على توفير البنى التحتية لنمو المرأة وتطورها الذاتي كقيام المؤسسات التعليمية والتثقيفية والتأهيلية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني الحديثة التي تساعد في شرح وتبسيط الموضوعات سواء كانت موضوعات تربوية أو صحية أو اجتماعية أو سياسية لضمان تقدمها السريع، و ألا نتوقع أن يكون هنالك حل لهذه الظاهرة خلال فترة قصيرة ،فالمرأة تنتهك حقوقها منذ القدم واستمرت تلك الانتهاكات حتى وقتنا الحاضر بشكل تراكمي لدرجة أصبح البعض يعتبر ذلك جزءا من الواقع ، لذا فإن البحث عن الحلول بحاجة ليس فقط إلى تكاتف الجهود وإنما أيضا إلى الوقت الكافي للتخلص من تلك الظاهرة بوصفها بعيدة عن القيم الإنسانية أولاً وثانياً لأنها تمثل تهميش ومصادرة حقوق المجتمع بأكمله من خلال المرأة ، وكذلك علينا أن نرسخ هذه القيم في المناهج الدراسية لكي تتبلور وتترسخ هذه الأفكار عند الجيل الجديد لكي يعرف كل منهم حقوقه وواجباته بما لا يمنح الآخرين مصادرتها بسبب الجهل بها .