
أنا أكره البغل لا لأن جدي يكرهه على أني أكره كل ما يكرهه جدي بعماء أبيض، لأن جدي أهم حكيم نسي التاريخ أن ينسب إليه ما ملأ بطنه من حكمه، فجدي لم يكن يملك عصا يقرع بها بابه. وقيل: ربما لأن التاريخ عندما يكون جائعاً لا يرى إلا بفمه، ولسوء حظ جدي أن حكمة جاءت في زمن كان التاريخ مضرباً فيه عن الطعام دهراً طويلاً حتى خويَ وغامت رؤيته ورؤاه، ولم يفك إضرابه إلا حين غنت مطربة (بوس الواوا) فظن أنه المقصود وفطن أن لفمه وظائف غير أكل أمخاخ العصافير على موائد رويبضة، فأفطر على عجل، وكانت حكم جدي متراكمة فصار حال التاريخ كحال الدابة التي أزاغ كبر المرعى عيونها، فحش الحكم خبط عشواء. وقيل إن التاريخ أضرب عن الطعام حين استدعاه قاضي تحقيق إحدى الدول الطليقة، واتهمه بالتزوير والطائفية، فحاول التاريخ أن يرد، إلا أن القاضي صرخ بوجهه: لا تنكر.. دليل إدانتك دامغ، أما قرأت كتاب الجاحظ البغال، رد التاريخ بلى، قال القاضي: يا خرفان أما تناول الجاحظ في الباب الرابع: "استعمال البغال في البريد وأهمية انتظام البريد في أمن الأمة" رد التاريخ بهبل: نعم، فصرخ القاضي: أليس البغل أقدم رتبة من الفرس، أليس الأمن أولوية وجودية، قال التاريخ: بمنغولية بليدة نعم سيدي، قال القاضي: سنحتجزك على ذمة التحقيق، ربما تكون وحدك خلية نائمة لإحدى التنظيمات الإرهابية، يا ويلك من أوباما لو كنت من القاعدة. وراح يغني: البغل مدرسة إذا أعددته أعددت شعباً طيب التبغيل. وقيل إنما التاريخ لم يدون حكم جدي لأن حبره شلّ بعد أول دولاب أكله في التحقيق، وقيل إنما هو مفقود حتى تاريخه.
صدقوني أنا لا أكره البغل لأنه رفس التاريخ، أو لأن التاريخ قضى تحت حوافره، لا، فعقدتي من البغل، عقدّت أعتى بياطرة الطب النفسي، ربما تكوّنت قبل تكوّني، فربما وطأت حوافر بغل هائج نحو الدنيا طرف روحي قبل أن يتكوّن جسدي، ولما تكوّن حمل روحاً تحمل ندبة ذاك الحافر، وربما لأن جدي كان يغيظني أكثر حينما كان يغمز ضاحكاً أنه يعرف السبب ويشير بسبابته إلى ندبة بوجهي خلفتها رفسة بغل في طفولتي، لا يا جدي اسمح لي أن أقول لك أنت سبب تلك الحادثة، يوم اصطحبتني معك إلى جارنا البيطار، ليركب حدوة لفرسك، فلم أحتمل ذلك المشهد إذ أثبت البيطار الحدوة على حافر الفرس وسحب مسماراً كان يعض عليه بشفتيه، ثبته في ثقب الحدوة وطرقه بالمطرقة طرقة خاطفة، حينها صرخت بألم ما ظننت أن الفرس تألمته، وحين رجعنا إلى بيتنا رحت أرعى بغلنا الصغير، وأتفقد حوافره يومياً خوفاً من أن يقع بين يدي البيطار، كنت أحوط البغل بحنو ما بعده حنو، خشية مسمار البيطار، ولكن لم تسلم الجرة، ففي آخر مرة كنت أتفقد حافره، تعرّضت لمؤامرة أظن اشترك في حياكتها تسعة أثمان العالم بالاتفاق مع ذبابة خيل، فما إن وصلت بتفقدي إلى الحافر الرابع حتى لسعت ذبابةٌ البغل، فرفسني على خدي، ظننت لحظتها أن رأسي قسم نصفين إلا أنني لم أحقد على البغل فلولا مؤامرة الذبابة لما أنكر جميلي معه، على أني لا أنكر أن الندبة التي مازالت بخدي تثير حقداً دبلوماسياً على البيطار لا على البغل، ويومها ضحك جدي حتى أبكاني، لكنه حاول تطييب خاطري فقال: يا بني الحدوة لابد منها للحافر فهي تحميه، وهي مباركة، لأنها حرز وتميمة تطرد الشياطين، فهي أكثر تعويذات الحظ شيوعاً في العالم، وأقدمها فقد اخترعها الإغريق في القرن الرابع وعدوها رمز الحظ الجيد. ويحكى يا بنى أن دونستان الحداد الذي كان أسقف كانتبري في أواسط القرن التاسع, أتاه في أحد الأيام، رجل طالباً منه أن يركب حدوة لقدميه، فشكّ أن الرجل إنما هو الشيطان ولا سيما أن له أظلافاً مشقوقة، فاحتال عليه، وقال له: إن طريقة تركيب الحدوة تتطلب أن أقيّدك إلى الجدار، فانصاع الرجل، واغتنم دونستان الفرصه فقيده، وثبّت حدوة على رجله وراح يغرز المسامير، حتى بدأ يسترحمه، حينها اشترط عليه دونستان مقابل تحريره أن يقسم قسما صادقاً بألا يدخل قط منزلاً علّقت على بابه حدوة. ومن حينها والحدوة رمز يطرد الشياطين، ألا تراها حتى أيامنا تُعلّق في السيارات ووسطها مثبت قرآن أو صليب. فلا تزعل يا بني البغل الصغير لشدة حبه لك حاول أن يثبت شكل حدوة في خدك ليحرسك من الشياطين، ثم قهقه حتى أحسست ضحكه بغلاً يرفسني بحدوة ونصف. صمتُ كثيراً وكأني رحت أركب حدوات لأرجل الهواء، ثم قلت لنفسي، ولذلك يا جدي ليست كل حكمك تصلح لزماننا، فجارنا لم يملك جناحاً لكنه أنبت لقهري جناحين، فهو لم يكتف بهذه المهنة المؤلمة، بل ورثّها لابنه بطريقة عصرية إذ أرسله إلى دولة أجنبية ليدرس البيطرة، وأنا لا أكرهه، فهو أكبر مني سناً، فلا تربطني به علاقة مباشرة، لكنني لا أحترمه لأنه كان ينجح في صفوفه بكرامات عائلته، وهي لا تقتصر على أنها ركبت حدوات لكل بغال البلد أباً عن جد، بل لأن أباه ركب حدوة لأحلامه كلها فلم تمش يوماً على الأرض، وكذلك فعل بطموح أغلب ذوي النفوذ في بلدتنا فهو إن لم يغرز مسماراً في رجل بغل أحدهم، بل غرز مسماراً في ذاكرته، فقد كان يملك مزرعة تديرها امرأة بارعة في إدارة عقول الخواجات وتركيب الحدوة لأشدهم حرناً. لا ... يا جدي هذه المرة لم تحسن التفسير، على الرغم من أنك أول مَن زرع في نفسي خيفة من البغل، ولا سيما حين: بني الوردة تنام بعطرها، ولكل شيء عطره، ولو كان ما يشع منه نتناً، والنسر يحلق بجناحه ولكل جناحه، ولو كان تحليقه في العتمة، ولكل كذبه ولو كان كذب التاريخ أجمل، ألا نقدّس كذب التاريخ، حاولت أن أناقشه، لكن المشكلة جدي أُميّ، ولا يعرف الفرق بين الأصول الأكاديمية في قراءة التاريخ وبين هرج قرّاء سيرة عنترة، أو مهارة الأخبار العاجلة، غير أن جدي أدقّ راوية للتاريخ وأبرع مفسر لعقَده، وكأنه خمّن ما يدور في نفسي، فقال ضاحكاً: يقصف عمرك، يعني أنت تستطيع أن تفسّر لي سبب شهرة حمورابي بأنه أبو المشرعين وأولهم، بينما كان اورنمو الملك السومري هو صاحب أقدم قانون مُكتَشف ليس في العراق بل في العالم كله. استعنت بكلّ أنماط الحجاج وبلاغة البرهان، وما أفلحت، ضحك من عجزي، وقال: لا. وعندما يقول جدي لا، أتيقن أنه سيفحمني، تابع: السبب يعود إلى أن أورنمو أمر بنقش قوانينه على ألواح صخرية ضخمة، ولما أعيته الحيل بتحميلها على صفحات التاريخ، لجأ إلى البغال كونها أشد تمرساً بوعورة مسالك التاريخ وأدرى بشعابها، لكن العرْق دسّاس يا بني، فقد شدّ التاريخ عرقه، لأنه يهوى إحدى بنات جد حمورابي، واغتنمت تلك المرأة عاطفة التاريخ، وأنت تعرف أن كيد النساء يهدّ جبالاً، فتآمرت مع البغال وأوصتهم أن يحرنوا حين يحملون ألواح قوانين أورنمو، فتأخر وصولها إلى التاريخ، بني لا تغرك المظاهر التاريخ أكبر "نسونجي". وعلى الرغم من أن عقدتي مع نظرية التآمر توءم عقدتي من البغال، لكنني ازددت تأففاً من البغال لأنها ظلمت أورنمو.
ومات جدي، وأحسست بأن بغلاً جهنمياً رفس التاريخ رفسة اخترقته طولاً وعرضاً حتى سمعت حشرجة دمنا من أول حجر سقط من الأهرام على رأس مصر حتى آخر أفعى أغوت كليوباترا، ومازالت من حينها إلى الآن تدوي: كم كان فرعون عظيماً بينما الشعب يتمتم كم كنا عبيداً، وكأني سمعت صرخة زنوبيا وهي تحضّ البغل الذي امتطته للفرار من الرومان فحرن يتأمل جمال قوس النصر، إذ ود ابن الحرام لحظتها لو يهرّب تدمر بأكملها، فوقف يتأملها ويعيد حساباته إن كان يقوى على حملها، وقيل إنما البغل تآمر مع الروم.
غير أن جدي مات وعجز أن يفسّر كرهي للبغل، وما شغلني عن حزني على جدي إلا نحسي مرة أخرى مع البغل، فقد أُعلن عن مسابقة تخص شهادتي العليا، ولم يكن كرهي لبطالتي بأقل من كرهي للبغل، فرحت أتهيأ للمسابقة، وأظن أني قرأت عن اختبار المقابلة واختصاصي ضعف ما قرأت في عمري، وذهبت في الموعد المحدد ولم أظن نحس البغل يتأبطني، دخلت قاعة مهيبة كان يجلس فيها عدد من المتسابقين، وكان يأتي بعضهم ممَن وصلوا إلى اللجنة الممتحنة من رأسها إلى أخمصها، جلست سمعت شخصاً يقول للمتسابق الذي جلس أمامي: لا تقلق "مشي الحال" وإلى جانبه شخص يطمئن آخر ويقول له رئيس اللجنة بالجيب، هو فلان يا زلمة ألا تذكره لم يكن يتكنّس من مزرعتنا، يقول المتسابق لم أتذكره. يرد المطمئن: أبو البغال يا زلمة، صعقني الاسم إنه ابن البيطار جارنا الذي يشارك البغل كرهي على أنني لم أره من زمن، ودخلت اللجنة خمسة جلسوا كان أوسطهم البيطار ابن البيطار لحظتها أحسست بأن بغلاً بنغالياً رفسني من رأس سيبويه حتى أخمص تشومسكي، وسمعت إجهاش الطبري، وكأن عظامه سمعت وقع حوافر البغال التداولية، أمسك رئيس اللجنة الإذاعة وراح يخطب بنبرة ملؤها شحيج أصيل التبغليل، فقال: الأسئلة لا تنصب على الاختصاص، إنما تكشف سرعة بديهة المتسابق، واتزانه الانفعالي، وثقافته، وسلامة حواسه، ثم تنحنح، فتذكرت شحيج أول بغل رفسني، وبقي رئيس اللجنة يلوّن صوته بين " السحال والسّحيل والشّحاح والشّحيج" وهي أهم الأسماء النكرى لصوت البغل، أنهى موشحه البغلي سائلاً زملاءه أعضاء اللجنة إن كان لأحدهم تعقيب، فهزوا رؤوسهم كالحراذين أن لا كلاماً بعد كلامه، فقال لنبدأ بالمتسابق الأول: السيد شادي العلافين، خرج الذي كان يجلس أمامي، فعرفت أنه بدأ بأصحاب التوصيات، قال له: عرّف بنفسك، قال: منتفخاً بقلق كديك بط عطش: اسمي شادي سايس العلافين، تولد مزرعة عين العجل، أحمل شهادة ماجستير تقانات هندسة الإنسانيات من جامعة راوندا الخاصة وكانت بعنوان أثر لسان الثور في نمو المؤاخاة بين البشر والبقر، ضحك أعضاء اللجنة، وكأني سمعت عظام بغل أبي دلامة تصطك شحيجاً، ثم تابع، وحزت دكتوراه في تقانات إنسانيات الهندسة من أكاديمية جزر القمر للأقمار الإبداعية بعنوان العلاقة الصيرورية الإبستمولوجية بين قرون الماعز والقرن الحادي والعشرين الرقم سبعة نموذجاً، ضحكوا جميعاً وضحكت جميعي حتى جدي الذي أظنه فرّ لحظتها من قبره لينام في افترار القمر، سأله أحد أعضاء اللجنة، ألا تلاحظ يا بني أن هذه الاختصاصات غربية وغير مترابطة فضلاً عن غرابة عناوين البحوث والجامعات التي درست فيها، فوراً سحب رئيس اللجنة بحركة بغلية الإذاعة، وقال: شكراً للزميل الكريم عضو اللجنة، وأحب أن أعقبّ، لم تعد الاختصاصات في أرقى جامعات العالم تقليدية، لقد أصبحت تواكب الانفجار المعرفي، وتشابك العلاقات التي كنا نسميها زوراً وبهتاناً اختلط الحابل بالنابل، أنا أثني على هذا التميز في العناوين، وأجده يرفد مسيرتنا في التطوير، ومسألة الاختصاص بسيطة جداً بسبب حيوية العنوان، يمكننا أن نشركه في أكثر من معهد عال فهو يصلح لتدريس لسانيات ما بعد الإنسانيات في معهد لغات بعد الكونية، كما يصلح لتدريس القرنيات في أكاديمية الطب البشري النووي فثمة علاقة عظيمة بين القرنيات والقرون، لكن اسمحوا ألا نضيع الوقت ونختبر الدكتور، يابني انتبه جيداً للسؤال، لديك بغلان أحدهما أرجنتيني والآخر بريطاني تناطحا في حرب جزر الفوكلاند حتى تكسرت قرونهما، وغطى الدم جلديهما فضاعت ملامحهما، ولديك كأس متة للتمييز بينهما، فكيف تميّز البغل الأرجنتيني من البغل البريطاني، ابتسم الدكتور شادي ابتسام الظافر، وقال: أميّز بينهما بطريقتين الأولى أتقدم إلى كل واحد منهما على حدة، فالبغل الذي يلتهم المتة مباشرة فهو بريطاني أم البغل الذي يمص المتة مصاً فهو أرجنتيني، لم يضحك أحد لأنهم ظنوا أن كل بغال العالم تضحك من اللجنة، وتابع الدكتور أما الطريقة الثانية، فإنه لا يوجد قرون للبغال وهذا يعني أنهما لم يتشوها وبذلك يكون البغل الذي يشابه لون وبره شعر تاتشر بريطانياً والآخر أرجنتينياً، طرب رئيس اللجنة وقال شكراً لك يا دكتور أنت ستشكل نقلة نوعية في تعليمنا الأكاديمي. ثم نادى المتسابق الثاني. فادي شيخ الخيالة، تفضل، خرج المتسابق وفي كل حركة من حركاته مسحة استعلاء قال: فادي بن قطّاع الركب شيخ الخيالة، من مزارع عين الأصايل، حصلت على شهادة الماجستير في هندسة التواصل الوراثي من جامعة خيل مالطا الإستراتيجية لفتح عين الأوزون بعنوان الإرهاصات التربوديناميكة للمسجات في كتاب طوق الحمامة. أما الدكتوراه فكانت من الأكاديمية العليا لتنمية الهجن في طنب الوسطى بعنوان العلاقة الميتافيزيقية بين سباق الهجن وسباق التسلح بالصحراء اختصاص الطاقة المستدامة. تأفف رئيس اللجنة وقال ما هذه الأحاجي، لم أسمع لا باسم هذه الجامعات ولا بمثل هذه الاختصاصات ولا توجد لدينا، لكن سأسألك سؤالاً نقرر من خلال إجابتك صلاحيتك للعمل عندنا أما الاختصاص فسنحيله إلى لجنة مختصة، يا بني كم بغلاَ لعنهم التاريخ، فرد فادي بغرور: أما فيما يتعلق بالاختصاص فهذه مشكلتكم لأنكم هنا نائمون بالعسل، أما عن عدد البغال الذين لعنهم التاريخ فخمسة، وغمز بعينيه إلى اللجنة، هاج رئيس اللجنة وأعضاؤها تأدب وبينما كانوا يهمون برفسه، دخل شخص تدل ملامحه على صلف مهيب وقال بصوت عال مرحباً يا معلمين، ارتبكت اللجنة رأسها وأعضاؤها، اقترب منهم تمتم كلمات وخرج، مسرعاً كل ما فهمناه أنهم وضعوا أيديهم على رؤوسهم، وهي إشارة يفهمها أغبى بغال التتار، قال رئيس اللجنة نحن نعتذر يا دكتور فهمناك خطأ، سوف نتشرف أن نشركك بين أكاديمية الرياضة في السراب، وأكاديمية هندسة الفضاء الرقمي ودمج التكنولوجيا بالتعليم، لا شك في أنك بما تمتلك من خبرات ستجعل الهجن تحلق بنا وبصحرائنا إلى زحل. بعده ولفظ اسمي وكأنه لا يعرفني، خرجت قلقا، قلت اسمي، وأعتز بأنني من قرية جناب رئيس اللجنة، انتفض رئيس اللجنة هذه رشوة استعطاف مزيف لا أقبله هدأه أحد زميله والتفت إلي قائلاً أكمل، قلت حصلت على ماجستير تربية من جامعة جورج تاون بعنوان الإستراتيجيات السياسية لنظم المعايير في بناء مناهج التعليم، ودكتوراه من الجامعة ذاتها تطوير المناهج وفق المعايير بين العرب والغرب، رد بامتعاض مستفسراً اللجنة مَن أتى بهذا المتسابق، ينقصنا فلسفات، مناهجنا سبقت بأشواط كل مناهج العالم، طيب رغم تأكدي من عدم حاجتنا لاختصاصك لكن أجب بسرعة: ما اسم أول بغل مستنسخ، قلت: (إيداهو) في أمريكا، قال طيب، أول بغلة تلد كانت في منطقة عربية ما هي، قلت حدث ذلك بمنطقة أولماس جنوب مدينة فاس. هز رأسه غيظنا، وقال طيب، وشرد قليلاً، تأكدت أنه يفتعل لي مشكلة، فرددت بيني وبين نفسي خاسر وخاسر لكن لن أرميها لهذا البغل، أفاق من شروده وسألني: ما المناسبة ومَن القائل: إنا نحب ركوب الخيل لكن البغل منه أمهر، رددت: أما المناسبة فهي تركيب حدوة فرسنا، أما القائل فهو أبوك، هاج رئيس اللجنة غضباً، بينما اللجنة هاجت ضحكاً، وتدخل أحدهم يا سيدي كلنا نعرف أنه أبوك، خجل وقال للعضو المتدخل اسأله أنت آخر سؤال قال لي انتبه للسؤال: رفسني بغل فكنت أظن أن البغل أشد رفسة من الثور فإذا هو هو أم هو إياه. فأجبت بتأن وتنغيم: فإذا هو هو وهو إياه ومن دون إرادتي تحرك رأسي صوب رئيس اللجنة، فجن جنونه، ورماني بكأس ماء أمامه مدندناً الآن ولدت البغلة، لكن رأسي بلا إرادة مني مال عن الكأس، فلا يرفس عاقل من بغل مرتين ، وبأسرع من البرق قلت: بلى ولدت البغلة فإذا هو هو وأشرت بإصبعي نحوه هو، لكنه كان أسرع من البرق بقضم إصبعي، تركت إصبعي في فمه من هلعي،ولم آسف عليها ولاسيما أنها السبابة ولن أحتاجها لرفع شارة نصر بعمري.ووليت هارباً أتمتم، كنت أظن رفسة البغل أشد من رفسة البيطار فإذا هوهو وهو إياه. ترى هل عرفت يا جدي لماذا أكره البغل، ألأنه هو هو أم لأنه هو إياه كأني سمعته من سابع ميتة، يقول: لا والله ، قلت وأنا يا جدي هو هو وهو إياه .
د. خالد زغريت
Dr.Zgritt@hotmaiL.com