الشعبة الفنية الوحيدة التي بقيت شبه متحركة في المجتمع العربي ضمن الشعب الفنية في العلوم الإنسانية هي الموسيقى العربية تعيش على الارتجال الآلي و الغنائي ، رغم محاولات بعض الموسيقيين الغير الأكاديميين يحاولون أن يفعلوا شيء لكن يفتقرون إلى المعرفة و الدراسة العلمية للموسيقى كما يقال "الفن بدون علم جهل". يعتمد هؤلاء الملحنون على توظيف الألحان المبعثرة داخل إيقاعات أوتوماتيكية، بدون تأطير في قوالب و أشكال موسيقية مقننة علميا و فنيا نطلق عليها مصطلح "الهيتيروفونية" . رغم أن العالم ظهرت في اتساعه فنون جديدة لشعوب و ثقافات صغيرة لم تكن لها دور في الثقافة العالمية، كذلك أسهمت في إثراء الفكر و الفن تخطت الحواجز لتخاطب جمهورا واسعا(القومية في موسيقى القرن العشرين /سمحة الخولي: مجلة عالم المعرفة الكويتية عدد 162/1992 ).
مازال ذوق و سمع المجتمع العربي يستهلك و يجتر المونوديات المونوطونية في الموسيقى معلبة بإيقاعات تطغى على الألحان باستعمال آلات إيقاعية بكثرة أحيانا لا تناسب ما يجب أن يكون، تؤثر على ذوق و سمع المستمع ، في حد ذاتها تكون خالية من الروح الفني و التعبير الجمالي و صقل الذوق، و الأمثلة كثيرة يمكن تلخيصها في الجوقة التي تتألف من عدة عازفين الوتريات و عازفين الإيقاع باستعمال آلات إيقاعية مختلفة يكفى واحدة تقوم مقام دورها مع الوتريات . تكاد تشعر بتوترات عصبية من كثرة دق على الدفوف و الدربوكة و الطمطم و خصوصا حينما تضاف العلبة الإيقاعية الإليكترونية تسير أوتوماتيكية كهربائية.
أذن المجتمع العربي لا تقبل الموسيقى البوليفونية و الهرمونية ، إنها متعودة على الأغاني المتكررة و اللحن في تركيبات مملة تندرج على الأوتار تصدم الآذان برنين و أنغام مبعثرة لا تخضع للقواعد الموسيقية الأكاديمية في بناء جمل موسيقية من عبارات تتطور إلى فقرات و نصوص متكاملة البناء ، و من جهة أخرى ليس للمجتمع العربي ذوق في الحس التعبيري في الأداء سواء على مستوى الغناء أو العزف ، المطربة أو المطرب يجهل التعبير بالنبرات النغمية في انخفاض و ارتفاع الصوت تدريجيا و التعبير بالملامح الفنية معقولة تناسب الحركات التي يتحرك فيها المطرب أو المطربة على السيناريو و من جهة أخرى يأتي دور العازفين المتعددين يخلوا أداؤهم التعبير الموسيقي في إبراز الجمل اللحنية التي تصاحب الغناء بالتلوين النغمي هذا يطغى الإيقاع الذي يقرع من بداية الأغنية إلى نهايتها، رغم الموارد البشرية التي تتكون منها الجوقة، تسمع اللحن ضئيل و خافت الظل مما يشكل في حس المستمع المتذوق و المربي على سماع الألحان المتعددة تتحاور مع بعضها بواسطة الآلات الموسيقية المتعددة المتنوعة ، كآبة تسبب الضجر و الملل في النفوس السليمة المتربية على الحس الجمالي و الفن الحضاري المتميز بالتعبير الشفاف الذي يخاطب المشاعر الرهيفة المتمدنة .
لماذا المجتمع العربي بقي شبه متحركا في الإبداع الموسيقى؟ و لا يريد تطويره علميا؟ سأحكي واقعة يبقى المجتمع العربي مبهورا:
حضرت حفلة موسيقية أحيتها فرقة موسيقية يابانية مكونة من اركسترا و كورس، أدت أعمالا لكبار الموسيقيين "فاجنر" و "موزارت" و " فيردي" حينما بدأ الكورس يغني باللغة الألمانية و الإيطالية ، إذا لم تر من يؤدي هذه الأعمال تظن أنها تؤدى من طرف كورس ألماني و إيطالي ن و عندما ترى فوق السيناريو كورس من اليابانيين في حجمهم البدني يقشعر جسدك و تحس بنشوة و متعة عظمى. أذاَ، كيف نفسر هذه الظاهرة؟ اليابان شعب شرقي محافظ على تقاليده القومية كيف تخطى هذه الحواجز حتى بدأ يوظف القواعد الموسيقية العالمية في أعماله التراثية و الإبداعية.
و لماذا لم يتخطى المجتمع العربي في الموسيقى مثل هذه الخطوة؟