''القرضاوي'' على قائمة الأنتربول... فأين المفر؟

2015-08-15
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/7850eb1b-5cde-4c4a-b181-6cc1fa064d08.jpeg
 قال تعالى في سورة آل عمران في الآية 140 (وَتِلكَ الأيَّامُ ندَاوِلهَا بَينَ النَّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَه الَذِينَ آمَنوا وَيَتَخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَه لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

دارت الأيام على الشيخ ''القرضاوي''، فبينما كان فاعلا أصبح مفعول به، وبينما كان يستصرخ لضرب المسلمين في ليبيا و سوريا ومصر واليمن وإيران... أصبح اليوم القيادي الإخواني مكروهاً في قطاعات واسعة من الأراضي العربية، بل إرهابياً مطلوباً من قبل جهاز الشرطة الجنائية الدولية (الأنتربول)، التي أصدرت في حقه نشرة دولية حمراء بتهمة الاتفاق والتحريض والمساعدة على ارتكاب القتل العمد، ومساعدة السجناء على الهرب والحرق والتخريب والسرقة، وتصدر النشرة الحمراء لتحديد مكان شخص مطلوب من قبل هيئة قضائية أو محكمة دولية، وتوقيفه بهدف تسليمه.

وعلى وقع سقوط ''القرضاوي'' الملفوظ من فم أسياده في حلف الناتو ومجالس الغربان، يحضر السؤال: 
ألم تكن هذه النهاية المخزية متوقعة لمن هان فاستهان بعد أن ارتهن معتقده الديني للخارج،‏ وجند فتاويه للفتنة وخدمة أرباب الشر، يبيح بها سفك الدم العربي، وقتل النفس التي حرمها الله في مطلق الشرائع السماوية إلا بالحق، من حق الشعوب التي سفك دمها أن تتساءل اليوم، وهي تشهد تهاوي رؤوس شيوخ الفتنة وتجار الدم العربي (كألعاب الدومينو) الرأس تلو الآخر، أي أثر كان سيترك هؤلاء لو جندوا فتاويهم لتحرير المسجد الأقصى من الغاصب الصهيوني، وأي مكانة كانوا يحققون عند الله والعباد لو أنهم وجهوا دفة المتظاهرين على مساحة الوطن العربي إلى الهدف الأسمى، والجهاد الأكبر، الذي يوحد أمة الإسلام ويمجدها...‏ 
لقد استغل ''القرضاوي'' منصبه كرئيس لاتحاد علماء المسلمين من أجل التحريض بشكل فج وغير مقبول ضد دول لا ترضى عنها أمريكا وإسرائيل... وشيوخ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لا يمثلون وجهة نظر شرعية مؤيدة بحكم شرعي، بل يؤدّون دوراً مطلوباً منهم نحو الإسلام والأمّة الإسلاميّة. فمهمتهم التي أوكلت إليهم من قبل دول الغرب، هي بث الفرقة بين المسلمين وإثارة عوامل الفتنة والصراع الدموي بين أبناء الأمّة، وقد نجحوا في أداء تلك المهمة في ليبيا بشكل باهر، حيث إنهم أشعلوا حرباً أهلية طاحنة في ليبيا، قضت على الاستقرار والقانون وعلى العدالة فيها، فالدول الغربيّة التي ساهمت في إنهاء حكم ''معمّر القذافي''، هي الآن من تتمتع بخيرات وثروات ليبيا وليس الشعب الليبي.
و''القرضاوي'' وشيوخ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هم شركاء وعملاء حقيقيّون للصهيوني ''برنارد هنري ليفي'' في تدمير ليبيا، التي غدا دوره فيها معلوماً للقاصي والدّاني، ولم يقتصر دور ''القرضاوي'' وشيوخه فقط على ليبيا، بل تعدّاه إلى معظم الدّول العربية.
فالنجم الأبرز في عالم الدسائس والمؤامرات الكهنوتية ''يوسف القرضاوي'' الذي لم يكتف بالدعوة إلى الخروج على النظام الليبي السابق وقتل رئيسه، وإصدار ''فتاوى الجهاد'' على النظام السياسي والدولة والوطن السوري، لا بل دعوة واشنطن إلى غزو بلاد الشام ''نصرة لله والخير والحق'' بعد طمأنتها بألا يذهب ''الجهاديون'' للقتال في إسرائيل بعد ما يسميه ''النصر في سورية''، وإنما وصل به الأمر إلى دعوة الناتو و''المسلمين'' إلى التدخل و''الجهاد'' في بلاده مصر التي انتفض شعبها على ''الإخوان المسلمين'' وحكمهم، وبأعداد تفوق الثلاثين مليوناً، فيما يشبه الاستفتاء الكاسح، وفي مشهد لم يسبق له مثيل في التاريخ الإنساني، وإعادة الرئيس المخلوع و''إخوانه'' إلى سدة السلطة إنقاذاً لما تبقَى من مشروع الشرق الأوسط الكبير و''أخونة''المنطقة تحت مظلة الولايات المتحدة وإسرائيل.

''المفتي العالمي'' الذي كرَس سنوات عمره الأرذل لتسويغ التدخل الخارجي في البلاد العربية، بعد إنهاكها على يد المتطرفين وقطاع الطرق واللصوص المستجلبين من أصقاع الأرض كافة، وبعد منح نفسه الحق في تكفير الخصوم السياسيين كافة، من دول وأحزاب وجيوش ومجموعات وأفراد، وكذلك تكفير أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة، ولاسيما أتباع المذهب الشيعي الذين لم تنحصر دعوته في تكفيرهم ومحاربتهم، وإنما تعدت ذلك إلى المطالبة بقتلهم ''شرَ قتلة'' و''نحر'' رموزهم، أي جعلهم ''أضحية دينية''.
لقد لعب ''القرضاوي'' وتلاعب بالدين الإسلامي وتم إقحامه في معركة القتل والذبح في مسعى واضح لتزويره وإفراغه من مضمونه ولتقديمه للعالم كله على أنه منبع لا يضخ إلا سفك الدم ونكاح الجهاد والارتماء بأحضان الأجنبي، كما تم تصوير الأمر على أنه ربيع عربي يندمج في خطة الربيع العربي التي كلف بقيادتها وتمويلها من هم الفساد بعينه والتخلف بعينه والذاكرة الخواء بعينها، ومعروف أن ذلك يتوفر حصراً في عائلات دول الخليج الحاكمة الآن، هؤلاء لا مثيل لهم في الكفر والنفاق وإدارة الظهر للشريعة الإسلامية بجلافة غير معهودة بادعاءات لا تتوقف عند حد من الكذب والخداع... 
تابع ''القرضاوي'' وإخوانه مهمتهم في عسكرة الدين وتطييفه إلى الحد الأقصى، دون إيلاء أدنى اهتمام لواقع تنامي عودة الوعي لدى الجمهور العربي الأوسع، وازدياد قدرته على التصدي لهذه الحرب الوحشية القذرة التي تستهدف حاضر ومستقبل الأمة العربية برمتها. 

ولعل المنعطف الأبرز في هذه السيرورة التي تفضح باستمرار عملية استخدام الدين لمصلحة المشروع الأميركي في المنطقة، هو ثورة الشعب المصري في 30 حزيران الماضي على حكم ''الإخوان المسلمين'' بعد تيقَن هذا الشعب من حقيقة المشروع الإخواني واستهدافاته الفعلية التي ستعيد إنتاج التبعية للغرب، وعلى المستويات والصعد كافة، بشكل أكثر مأساوية من حقبة مبارك، وتحوَل بلاد النيل إلى مجرد وكيل ''شرعي'' لتصفية القضية الفلسطينية تحت عباءة وهم يسمى ''المشروع الإسلامي''.

فـ''شيخ الناتو'' كان منسجماً تماماً مع مرجعيته التكفيرية وقواعده التحريمية ذات الطبيعة التعبوية القتالية، ومع وظيفته في إطار الحرب الدولية التي تشن على المنطقة العربية... فالقرضاوي واحد من الذين شاركوا بكل وقاحة وصلابة في صنع المؤامرة الاستعمارية في قتل العرب في ما يسمى الربيع العربي المصنوع في دهاليز وكالة المخابرات الأمريكية واضعاً من نفسه داعية ومفتي إسلامي لحكام قطر والسعودية، يصول ويجول في خطاباته الرنانة معلناً وصايته على المسلمين، وهو براء منهم، جنباً إلى جنب مع (حمد آل ثاني) في أكبر مسرحية أمريكية لسلب هوية الإنسان العربي في القرن الحادي والعشرين، 

ولم تكن فتاوى ''القرضاوي'' التكفيرية الأخيرة مع عدد من جوقة الوهابيين إلا تحريضاً على قتل وإبادة العرب في وطنهم لصالح وكالة المخابرات الأمريكية والموساد الصهيوني والإرهاب الإسلاموي وتنظيم القاعدة والدواعش، واستهدفت هذه الفتاوى التكفيرية المدفوع ثمنها مسبقاً لمثل هؤلاء في (الدوحة) استهدفت سورية العربية ومصر الكنانة... 

ويرى قادة المؤامرة على الدول العربية التي لا تأتمر بأوامر أمريكا وإسرائيل، أن تجنيد ''القرضاوي'' وأمثاله لجانبهم ومده بالأموال في تلك المرحلة أثر على جذب أكبر عدد من الإرهابيين بواسطة دعوتهم من قبل رجل دين هو بالأصل من أكبر الحاقدين على العروبة والعرب. 

إن القرضاوي في مسيرة عمره لم يدع إلى الجهاد ضد ''إسرائيل'' أو أمريكا بل جند نفسه وغيره من دعاة التكفير إلى قتل وإبادة الشعب العربي السوري وقبلها وقف ضد الشعب العراقي وانتصر لصالح احتلال أمريكي للعراق عام 2003، وهذا ما يؤكد للقاصي والداني أن الفتاوى التي شارك في فبركتها هذا الداعية الأمريكية ـ الصهيونية كان الهدف منها شن الحرب على سورية وعدم توقف إمداد الإرهابيين وتنظيم القاعدة بالسلاح والعتاد، ونهب إنجازات الشعب السوري وبيعها في أكثر من سوق معادية لسورية وشعبها، وأكثر من هذا كان القرضاوي يوجه فتاويه من الدوحة بقوله (يجب محاربة الظلم في سورية، والاستعانة بمن يساعد المظلومين)، ويعني هذا الدعي بتلك الاستعانة حتى ولو كان بـ''إسرائيل'' اللقيطة.

وما أشبه اليوم بالبارحة، فهذا التاريخ يذكرنا بما فعله (ابن العلقمي في بغداد) عندما سلم مفاتيح بغداد إلى هولاكو، وقال له (ادخل فأنت آمن) أما القرضاوي فإنه بفتاويه التكفيرية قد أباح للإرهاب الإسرائيلي وكل قوى العدوان بذبح الشعوب العربية الأبية والشريفة.
لقد سقط القناع وانبعثت الإرادة العربية بعد أن تخلصت من الضباب والتلوث والاختلاط وظهر الصراع على أنه مابين الحياة الوطنية العربية الكريمة والموت القادم من الغرب ومن زوايا مظلمة في أنحاء المعمورة، وواكب ذلك هذا المنهج وهذا النسق في إدارة أحوال الصراع عسكرياً في الميدان وسياسياً في بقاع الأرض ودبلوماسياً في المؤسسات الدولية وما يلتحق بها... 
وهنا نشير إلى أن هذا العدو الخارجي هو في المحصلة إرهاب دولي منظم له مواقع خارج الحدود من خلال دول كبرى مثل أميركا وله مواقع في الداخل العربي تمتلك الحقد والجهل والمال وليس لها من وظيفة سوى أن تكون لاحقة بالدور الاستعماري مختصة بالعمل الهمجي في هذا الدور الاستعماري، وهنا يصبح من قبيل تحصيل الحاصل أن نفهم طبيعة العصابات في الداخل السوري والمصري والليبي واليمني والتونسي... باعتبارها ذيولاً لا تمتلك إلا أن تؤدي وظيفتها الغريزية في القتل وتثبت ذاتها في الإرهاب وتقبض الأثمان البخسة بالدولار والدينار والريال...
وباستطلاعات موضوعية نرى أن الصراع في أحد أهم مستوياته هو بين التحولات، هم يريدون تحولا ًبنيوياً في الدول العربية لصالحهم وتبعاً لمشاريعهم، والدول العربية المعنية تريد تحولاً حياً وحيوياً في مكامن القوة والمشروعية فيه وانبعاث طاقة هذه المكامن في المعارك الشاملة التي تشهدها بقاع متناثرة في هذا الوطن العربي... 
وأخيراً وليس آخر، ليعلم القرضاوي وأمثاله وكل من هو من فئته، أن لهم الخسران في الدنيا والآخرة، فالباطل قد يكون له جولة ينتصر فيها لكنه حتماً سيزهق في النهاية لأن الله أخذ على نفسه نصر من تمسك بالحق، فالله تبارك وتعالى ''لا ينصر باطلاً على حق ولا ظلماً على عدل''.
ونحن لا تهمنا مذكرة الأنتربول بالقبض على إمام وشيخ الناتو في الدنيا، بل يهمنا ما سيسأل عنه عند الحساب بين يدي الله عزوجل، سيسأله ـ يسأل القرضاوي ـ عن كل نقطة دم أهدرت في ليبيا وسوريا ومصر واليمن وتونس وغيرها كثير... بفعل فتاويه التدميرية، وسيأتي به يوم القيامة ليحاسبه عن إزهاق أرواح كل الشهداء من عسكريين ومدنيين وعلماء وجاهلين، وسيسأله عن دم كل طفل وشيخ وامرأة، كما سيسأل أمة اعتلى ظهرها مشايخ من شاكلته مارسوا القتل الجماعي بحق من يخالف منهجهم وجعلوا من بعض التبع للغرب حكاماً بأمر الله، وعندها سيعلم الجمع من الظالمين وفي طليعتهم القرضاوي وأسياده ومشغلوه أي منقلب سينقلبون.

مصطفى قطبي

باحث وكاتب صحفي من المغرب

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved