الرحيل المرّ في آب

2013-06-01

 //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f08e263f-fa9a-437b-8248-b9307ea7f128.jpeg

قد يظن أحدنا أن الصدفة هي التي جعلت رحيل باقة عراقية مرموقة متزامنا في شهر آب من سنوات متفرقات، ولكننا سنستبعد هذا الظن اذا ما عرفنا إننا في وطن مكتظ بالمبدعين وفي شتى الأزمان والأوقات، وكذلك سنستبعد الظن إذا ما عرفنا، أيضا، أن لنا قامات ما زالت تتلألأ ولاتحصرها الشهور أو الأيام، ولكن:
لغزٌ الحياةِ وحيرةُ الألبابِ ... أنْ يستحيلَ الفكرُ محضَ ترابِ


المثقفة المغدورة
برزت د.حياة شرارة عندما كانت طالبة دراسات عليا بجامعة موسكو في مطلع الستينيات بكونها هادئة الطبع للغاية وبجدها وبمثابرتها سواء في الدراسة أم في النشاط الاجتماعي، وهذه الصفات أكسبتها احترام الجميع من روس وعراقيين وعرب.
وعرفت القاعة رقم واحد في مكتبة لينين هذه الطالبة بكونها تأتي في وقت محدد في الصباح وتغادره في ساعة معينة بعد الظهر، وقد اختارت تولستوي موضوعا لأطروحتها لنيل الدكتوراة في الأدب، كما كانت تهتم بموضوع شخصية المرأة في أعمال الكاتب الروسي ايفان تورجينيف، وقد واصلت دراسة أعمال هذا الكاتب وترجمت بعضها الى العربية لاحقا لدى عودتها الى العراق حيث عملت أستاذة في قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد، وفي العام الأخير من وجودها في موسكو عملت في القسم العربي بوكالة أنباء تاس السوفيتية.
ولدت حياة شرارة عام 1935 بمدينة النجف الاشرف، نشأت في بيت والدها محمد شرارة الأديب والشاعر الذي كان يرتاده الشعراء والكتاب والمثقفون وتدور فيه النقاشات حول قضايا الأدب، ثم انتقلت العائلة منتصف الأربعينيات الى بغداد حيث أصبح لأبيها محمد شرارة صالونه الأدبي الذي كان يرتاده أسبوعيا بدر شاكر السياب ولميعة عمارة ومحمد مهدي الجواهري ونازك الملائكة وأكرم الوتري وبلند الحيدري وغيرهم من الشعراء والأدباء العراقيين، وقد حفظت حياة في سن الـ 12 عاما أشعار بدر ولميعة ونازك.
لكن الإحداث السياسية العاصفة في العراق أواخر الأربعينات من القرن الماضي جعلت حياة تشاهد مآسي الشعب العراقي واعتقال والدها وفقدانه لعمله، وبعد إطلاق سراحه ادين من قبل المحكمة العسكرية وحكم عليه بالسجن عدة أشهر بسبب انتمائه لحركة "أنصار السلام"، ومن ثم غادر محمد شرارة العراق الى لبنان عام 1954 للإقامة الدائمة هناك، أما حياة التي انتظمت آنذاك في صفوف الحركة اليسارية، فسافرت هربا من ملاحقة السلطات الى سوريا ومنها الى مصر حيث التحقت بجامعة القاهرة للدراسة في قسم اللغة الانجليزية، وعادت حياة الى بغداد مع والدها بعد ثورة 14 تموز عام 1958 وسقوط الملكية. والتحقت بجامعة بغداد وتخرجت فيها عام 1960 لكي تسافر الى موسكو من اجل إكمال الدراسات العليا في جامعة موسكو.
وبعد عودتها الى العراق وما أن عملت في جامعة بغداد فترة من الزمن حتى بدأت السلطات بملاحقتها بالرغم من محاولتها عدم الإعراب عن مواقفها من سياسة الحكومات آنذاك، تزوجت من الدكتور محمد صالح سميسم، لم يكن زواجها تقليديا، بل ذهبت الى المحكمة مع شاهدين، فأجرت مراسيم الزواج ولم تقم عرسا أو حفلة زواج، فقد تجاوزت تلك الطقوس والشعائر التي يمارسها المجتمع، وأقامت مع زوجها بدار مسـأجرة، مؤثثة بأثاث بسيط واقل من المستوى الذي عاشته في دار والدها، ولكنها كانت راضية مقتنعة بان ماتقوم به هو الصحيح.
انصرفت حياة الى التأليف والترجمة، فنشرت "تأملات في الشعر الروسي" 1981، "غريب في المدينة" ومسرحية "المفتش العام" لجوجول، "يسينين في الربوع العربية" 1989، "ديوان الشعر الروسي" 1983، "مذكرات صياد" 1984، "رودين" و"عش النبلاء" لايفان تورجينيف، "مسرحيات بوشكين" 1986، و"تولستوي فنانا"، وتعد دراستها "صفحات من سيرة نازك الملائكة" الشاعرة المجددة التي عرفتها منذ الطفولة من البحوث المميزة عن نشأة حركة الشعر الحر في العراق، كما نشرت بعد وفاتها رواية "اذا الأيام أغسقت" عن مصاعب الحياة الجامعية في بغداد، ولديها رواية لم تنشر بعنوان "وميض برق بعيد" مع مجموعات قصصية، ونشرت في الصحف العراقية والعربية مقالات كثيرة حول الأدب والشعر.
مع الحروب والحصار الاقتصادي، منعت حياة من السفر الى الخارج حين فقدت العمل في الجامعة، وذلك بسبب ارتفاع رسم الخروج وقانون السفر الجديد الذي نص على بند "المحرم" حيث يمنع سفر المرأة بدون زوجها، وكان زوجها محمد صالح سميسم قد استشهد بعد اعتقاله عام 1982 ، وأصابها الإحباط الشديد بعد ان أغلقت أمامها أبواب العمل والنشر والسفر.
في أول آب 1997 وقع انفجار في بيتها أدى الى مصرعها مع ابنتها الكبرى مها، بينما جرحت ابنتها الصغرى زينب، وفيما بعد قيل ان الحادث كان مدبرا من البعثيين، وهكذا انتهى درب الآلام الذي مضت فيه هذه الأديبة المبدعة بشكل مأساوي.

الشاعر العالمي
عبد الوهاب البياتي (1926 - 1999)، ويعد واحدا من أربعة أسهموا في تأسيس مدرسة الشعر العربي الجديد (رواد الشعر الحر) وهم نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، بلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي.
تخرج بشهادة اللغة العربية وآدابها 1950، واشتغل مدرسا من عام 1950-1953. مارس الصحافة عام 1954م في مجلة (الثقافة الجديدة) لكنها أغلقت بعد حين، وفصل من وظيفته، واعتقل بسبب مواقفه الوطنية. فسافر إلى سورية ثم بيروت ثم القاهرة. وزار الاتحاد السوفييتي ما بين عامي 1959 و1964، واشتغل أستاذاً في جامعة موسكو، ثم باحثاً علمياً في معهد شعوب آسيا، وزار معظم أقطار أوروبا الشرقية والغربية. وفي سنة 1963 أسقطت منه الجنسية العراقية، ورجع إلى القاهرة عام 1964 وأقام فيها إلى عام 1970.
وفي الفترة (1970-1980) أقام البياتي في إسبانيا، وهذه الفترة يمكن تسميتها المرحلة الأسبانية في شعره، صار وكأنه أحد الأدباء الإسبان البارزين، إذ أصبح معروفا على مستوى رسمي وشعبي واسع، وترجمت دواوينه إلى الإسبانية.
في سنة 1991 توجه إلى الأردن ومنها إلى الولايات المتحده الأمريكية قبيل حرب الخليج الثانية بسبب وفاة ابنته نادية التي تسكن في كاليفورنيا حيث أقام فيها 3 أشهر أو أكثر بعدها توجه للسكن في عمان الأردن ثم غادرها إلى دمشق وأقام فيها حتى وفاته في 3 آب عام 1999.
وكانت له صداقات أدبية مع العديد من الشعراء مثل نزار قباني من الشام ومحمد الفيتوري من السودان ومحمود درويش من فلسطين و وبدر شاكر السياب وبلند الحيدري من العراق وغيرهم من إعلام الشعر في العالم العربي.
ويمتاز شعر البياتي بتبنيه قضايا الفقراء والمعدومين لأنه كان على نهج اليسار، ويمتاز شعره ـ أيضا ـ بنزوعه نحو عالمية معاصرة متأتية من حياته الموزعة في عواصم مُتعددة وعلاقاته الواسعة مع أدباء وشعراء العالم الكبار، مثل الشاعر التركي ناظم حكمت والشاعر الإسباني رفائيل ألبرتي والشاعر الروسي يفتشنكو، وكذلك بامتزاجه مع التراث والرموز الصوفية والأسطورية التي شكلت أحد الملامح الأهمّ في حضوره الشعري وحداثته.
ومن أهم دواوينه وأعماله: ملائكة وشياطين 1950، أباريق مهشمة 1955، المجد للأطفال والزيتون 1956، رسالة إلى ناظم حكمت 1956، أشعار في المنفى 1957، عشرون قصيدة من برلين 1959، كلمات لا تموت 1960، طريق الحرية (بالروسية) 1962، سفر الفقر والثورة، النار والكلمات 1964، الذي يأتي ولا يأتي 1966، الموت في الحياة 1968، تجربتي الشعرية 1968، عيون الكلاب الميتة 1969، بكائية إلى شمس حزيران والمرتزقة 1969، الكتابة على الطين 1970، يوميات سياسي محترف 1970، قصائد حب على بوابات العالم السبع 1971، ديوان عبد الوهاب البياتي في 3 أجزاء عن دار العودة ببيروت عام 1972، سيرة ذاتية لسارق النار 1974، كتاب البحر 1975، قمر شيراز 1975، صوت السنوات الضوئية 1979، بستان عائشة 1989، كتاب المراثي 1995، الحريق 1996، خمسون قصيدة حب 1997، البحر بعيد أسمعه يتنهد 1998، ينابيع الشمس - السيرة الشعرية 1999.
ومن أعماله الإبداعية الأخرى مسرحية محاكمة في نيسابور 1973، ومن مؤلفاته بول ايلوار، أراجون، تجربتي الشعرية، مدن ورجال ومتاهات، كما جمعت حواراته في كتاب (كنت أشكو إلى الحجر).

البطلة أم شاكر
هي زينب - فخرية عبد الكريم - التي برزت نجمة كبيرة في النصف الثاني من الخمسينيات يوم مثلت دور فهيمة في فيلم سعيد أفندي، ولها محطات كثيرة ومضيئة وهي تسرد ذكرياتها في فلمي سعيد أفندي والحارس.
عام 1958 انضمت الى فرقة المسرح الحديث واسند لها دور "ام شاكر" في مسرحية "انه أمك ياشاكر" بعد ان أجرى لها المخرج المعروف إبراهيم جلال بروفة وقيّم موهبتها وصلاحها للدور وعندما عرضت المسرحية كان لتفاعل الجمهور الحاشد مع أدائها أثر كبير على وعيها بأهمية العمل المسرحي فتعاملت معه بمسؤولية كبيرة منذ ذلك الوقت.
في أواخر السبعينيات، وعندما اشتدت دائرة الملاحقات والمضايقات على الوطنيين والديمقراطيين اضطرت الفنانة الراحلة الى مغادرة الوطن هربا من جحيم الدكتاتورية والقمع لتحط في بلغاريا، ومنها تسافر الى اليمن فتعمل في وزارة الثقافة وبفضل مساعيها ووجودها تم تأسيس فرقة مسرح الصداقة عام 1980 وتبوأت رئاسة الفرقة التي ضمت في هيئتها الإدارية: لطيف صالح، إسماعيل خليل، صلاح الصكر، أنور البياتي، سلام الصكر، صباح المندلاوي، وجميعهم من خريجي أكاديمية ومعهد الفنون الجميلة ـ قسم المسرح.
ولدت الفنانة "زينب" في قضاء الشطرة عام 1931، وعملت معلمة في الحلة قبل أن تقال قبل ثورة 14 تموز عام 1958 بسبب نشاطها السياسي، وكان مجيئها إلى الفن نوعا من الصدفة، إذ قرأت ذات مرة شكوى للفنان يوسف العاني من قلة العنصر النسائي في فن التمثيل، ما دعاها إلى مكاتبته مدفوعة بحبها لهذا الفن الذي مارسته بشكل بسيط على مسرح المدرسة سابقا، من هنا كانت نقطة انطلاقتها في عالم التمثيل والفن.
بعد عام 1979، ظلت في المهجر أعواما طويلة حتى رحيلها في 13 آب عام 1998 اثر مرض عضال، فشيعتها جموع غفيرة من عموم الجالية العراقية ووجوهها، في موكب عزاء مهيب لم تشهده السويد من قبل.

الشهيد الحيّ
ولد شمران الياسري عام 1926 في محافظة واسط، قضاء الحي، قرية "المحيرجة" سابقا، ناحية "الموفقية" حاليا، وتتمتع أسرته بمكانة دينية خاصة في عموم المنطقة وأطرافها.
بدأ مشواره الصحفي قبل أن ينتمي الى الحزب الشيوعي العراقي عام 1956، ففي عام 1953 أصدر جريدة سرية أسمها - صوت الفلاح - مع أربعة فلاحين ومهندس زراعي، أما بعد ثورة 14 تموز 1958 فعمل في بغداد، في صحف صوت الأحرار، البلاد، الحضارة، فضلا عن برنامجه الإذاعي الشهير "احجيها بصراحة يابو گاطع" الذي اجتذب ملايين المستمعين، وقال عنه وزير ثقافة كردستان السابق "فلك الدين كاكه ئي" ان الكرد كانوا ينتظرونه كما ينتظره فلاحو الجنوب والوسط وأهل المدن، وتوقف هذا البرنامج عام 1962 بعد اعتقال "أبو گاطع" لتوقيعه نداء السلم في كردستان، فتنقل بين سجون بغداد وبعقوبة والعمارة، وبضربة حظ يطلق سراحه قبل يوم 8 شباط 1963 الأسود ليقصد الريف الشاسع ويختفي حتى 1968. أصدر خلال تخفيه صحيفة "الحقائق" وهي أسبوعية لسان حال اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في لواء الكوت، وخلال هذه السنوات كان الحصان وسيلته المفضلة للتنقل والتنظيم والبريد.
بعد 1968، كتب في "التآخي" و "طريق الشعب" و "الفكر الجديد" وكان مديرا لتحرير مجلة "الثقافة الجديدة"، واشتهر بعموده اليومي في طريق الشعب (بصراحة أبو گاطع) الذي دعا آلاف القراء الى قراءة الجريدة ليس من الصفحة الأولى كما هو معتاد بل من الصفحة التي يتصدرها عمود الصراحة، وكان العمود مجساً وبارومترا، منه يعرف القارئ أحوال المطبخ السياسي العراقي، فكما كان أبو سعيد (عبد الجبار وهبي) رائدا من رواد العمود الصحفي في جريدة (اتحاد الشعب)، صار أبو گاطع ـ أيضاً ـ علما في الكتابة الصحفية وينهل من المدرسة ذاتها.
بعد سلسلة طويلة من الممنوعات التي غطت حياته طولا وعرضا، رفضت وزارة الإعلام طبع رباعيته أو تعضيدها فاتخذت "الثقافة الجديدة" عام 1972 قرارا بنشر الرواية طالبة من راغبي اقتنائها تسديد ثمنها سلفاً، فتم لـ "أبو گاطع" ما أراد.. فبعث رسالة الى وزارة الإعلام، جاء فيها:
" إنني أحمل أصدقائي بين يدي.. أصدقائي الذين عايشتهم ليالي الشتاء الطويلة، أحاورهم وأتخيلهم.. أبدل بعض ملامحهم، أضيف عبارة، أو أحذف لفظة، وفي نهاية المسيرة مع "الدفترين" (مخطوطة الرواية) توطدت علاقتي مع "حسين" بطل الرواية على نحو عجيب.. أناجيه وأناغيه، وأحياناً أصغي الى أشعاره، وكأنني أسمع صوته، برغم مسافة السنين".
أواسط السبعينات ، جرت محاولة لدهسه على طريق الكوت، لكنها فشلت، فأعدوا له تهمة تهريب السلاح بغية إعدامه، فالتجأ الى براغ عام 1976 تحاشياً للأسوأ وقال عن نفسه أنا أول مهاجر في رحلة النفي التي بدأت بعد سنتين، وكان آخر ممنوعاته مادة كتبها الى "طريق الشعب" قبل مغادرة بغداد، تحدث فيها عن الظهر والظهيرة والظهير، والظهير هو الحليف، ويقصد البعثيين زمن الجبهة الوطنية، هذه الجبهة التي في مجالسه الخاصة كان يطلق عليها تسمية "الجبحة" أي العثرة والسقطة.
في 17 آب 1981 رحل الكاتب والصحفي الكبير أبو گاطع "شمران الياسري" في براغ بحادث سيارة مريب وهو في طريقه لزيارة ابنه "جبران"، فووري جثمانه في مقبرة الشهداء ببيروت، وأطلقت الثورة الفلسطينية 21 اطلاقة، تحية وداع.
وكان "أبو گاطع" كان ينوي بعد زيارة ابنه مغادرة "براغ" للتوجه الى العمل في الإذاعة السرية التي أعيد إفتتاحها في كردستان (إذاعة الحزب الشيوعي العراقي ـ صوت الشعب العراقي)، اذ أخذ يشعر مع مرور الأيام، ورغم مرضه، ان مكانه وفعله المؤثر والحقيقي هو في العراق، وكانت تعويذته الأخيرة قبل وفاته، قوله:
(لن أزرع اليأس في حقول الغربة، اللهم لا تبارك في زرع ولاضرع من إدخر جهداً في فضح الفاشية البدوية التي تذبح أهلنا وجيراننا، نقسم بالله وبالوطن وبالديمقراطية أن سنأخذ هذا النظام المجرم بجريرته حتى ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة).
وفي شباط 2012، قررت اللجنة الخاصة في مؤسسة الشهداء اعتبار شمران الياسري (أبو كاطع) شهيدا تنطبق عليه الإحكام الواردة في قانون المؤسسة، واستندت اللجنة في قرارها الى ثبوت كون الفقيد قد فقد حياته بسبب معارضته للنظام المقبور.


الغائب الحاضر
في 18 آب 1990 رحل القاص والروائي والمترجم والكاتب الكبير والشخصية الوطنية المرموقة غائب طعمة فرمان، وذلك في موسكو حيث دفن فيها.
ولد سنة 1927 في حي بغدادي فقير وأنهى دراسته الابتدائية والثانوية فيها ، ثم سافر الى مصر للعلاج من أصابته بالتدرن، وليكمل دراسته في كلية الآداب، فأتاح له وجوده في القاهرة التعرف المباشر على الواقع الثقافي المصري، وليحضر مجالس الأدباء المشهورين، الزيات، سلامة موسى ونجيب محفوظ .
حظيت كتاباته باهتمام وتقدير عاليين من لدن النقاد، فجبرا إبراهيم جبرا يقول عنه (يكاد يكون غائب طعمة فرمان الكاتب العراقي الوحيد الذي يركب أشخاصه وأحداثه في رواياته تركيباً حقيقياً)، ويصف الدكتور زهير شلبية "النخلة والجيران" بأنها (رائعة الأدب العربي الحديث)، وقال عبد الرحمن منيف عن غربة غائب (لا أعتقد أن كاتباً عراقيا كتب عنها "أي الغربة" كما كتب غائب، كتب عنها من الداخل في جميع الفصول وفي كل الأوقات، وربما اذا أردنا أن نعود للتعرف على أواخر الأربعينات والخمسينات لابد أن نعود الى ما كتبه غائب)، وغائب نفسه يقول عن غربته (الغربة بالنسبة لي كانت حبا وشوقاً الى وطني، كانت امتحاناً قاسياً للوطنية عندي)، ولابد من الإشارة بأن محمد دكروب نشر ذكرياته مع غائب وكذلك سعد الله ونوس.
وقد جسد في رواياته (النخلة والجيران، خمسة أصوات، المخاض، القربان، آلام السيد معروف، ظلال على النافذة، المرتجى والمؤجل، المركب) الحياة في البيئات الشعبية، بين الأزقة الضيقة وضفاف "دجلة الخير"، وبشخصياتها الأصيلة العميقة، سليمة الخبازة، تماضر، صاحب البايسكلجي، خليل النجار، فضيلة، السيد معروف... وعكس التحولات الاجتماعية والنفسية العميقة على الشخصية الشعبية العراقية والصراع بين القديم والجديد، وبين شغف الإنسان للتجدد والانطلاق وضغط القوى القاهرة التي تريد ان تبقيه صغيراً محدوداً.. ولذلك التصقت رواياته بوجدان المواطن العراقي، الذي رأى فيها نفسه ولهجته وبيته، وفضلا عن مجاميعه القصصية ورواياته فإن غائباً ترجم نحو ثلاثين كتاباً من الروسية إلى العربية ونال جائزة رفيعة على جهده في هذا الجانب، ولأنه كان مقارعا للأنظمة الاستبدادية المتعاقبة على بلدنا، لذا أجبر على حياة المنفى متنقلا من مصر إلى بلغاريا فالصين ثم موسكو التي اختارها مستقراً له ومُقاما، لكنه بقي يحمل العراق في قلبه وذهنه وهمّه بل كان العراق همّه الكبير .
كان غائبنا الحاضر وسيظل معلماً كبيراً في الثقافة العراقية والعربية الحديثة.

الكبير مسرحا وموقفا
محي الدين زنكنة كاتب مسرحي ولد من أسرة كردية في كركوك، وبدأ الكتابة الأدبية وهو دون الرابعة عشرة، اعتقل في 1956 اثر مساهمته في تظاهرة طافت شوراع كركوك تأييدا للشعب المصري في معركة بور سعيد واستنكارا للعدوان الثلاثي.
تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة بغداد 1962 فعين مدرسا للغة العربية، في الحلة، وقد بدأ عام 1959حياته الأدبية بالكتابة المسرحية، حيث نشر أول مسرحية له "احتفال في نيسان"، وبعد عشر سنوات قدمت له "الحرباء" في بعقوبة وفي بغداد من قبل مسرح الصداقة لأديب القليه جي، وتوالت إصداراته المسرحية حتى وصل عدد المسرحيات التي كتبها الى 28 نصاً، واخرج معظمها، وظهرت على خشبة المسرح في المدن العراقية وفي الخارج.
وتعاقبت على تقديم مسرحياته أكثر من أربعين فرقة مسرحية داخل العراق وخارجه، وحازت مسرحياته على الجوائز الآتية:
الجراد، جائزة الكتاب العراقي في المربد 1970
السؤال، جائزة أحسن نص عراقي للموسم 1975- 1976
في الخمس الخامس، جائزة أحسن نص عراقي للموسم 1979 -1980
العلبة الحجرية، جائزة أحسن نص عراقي للموسم 1982 - 1983
الأشواك، جائزة أحسن نص عراقي للموسم 1988 - 1989
تكلم يا حجر، جائزة المؤلف المتميز في التأليف 1988 - 1989
زلزلة تسري في عروق الصحراء، جائزة لجنة المسرح الثانية 1999
رؤيا الملك، جائزة الدولة للإبداع 1999
شعر بلون الفجر، جائزة الدولة للإبداع 2000
مسرحية الخاتم، الجائزة الأولى/ مسابقة وزارة الثقافة العراقية 2005.
طبع كتابه الموسوم (مساء السلامة أيها الزنوج البيض) 1985 وضم ثلاث مسرحيات: الأولى (مساء السلامة أيها الزنوج البيض)، والثانية: (لمن الزهور).
رحل في 21 آب 2010 في مدينة السليمانية التي هاجر إليها بعد تدهور الأوضاع الأمنية في مدينة بعقوبة التي قضى فيها الشطر الأكبر من حياته.
يعده النقاد أفضل كاتب مسرحي في تاريخ العراق المعاصر ناهيك عن العديد من الروايات التي تركت بصمة كبيرة في الأدب العراقي مثل روايته الشهيرة (ئاسوس).
يتميز زنكنه عن غيره من كتاب المسرح العراقيين في ان نصوصه المسرحية أخرجها مخرجون عرب من غير العراقيين، فمسرحية "السؤال" أخرجها في الكويت التونسي المنصف السويسي، وأخرجها في الإسكندرية المصري صلاح مرعي، وكذلك قدمت في الجزائر والبحرين. ومسرحية "في الخمس الخامس من القرن العشرين يحدث هذا" قدمت في المغرب، وهناك قدمت ـ أيضا ـ مسرحية "مساء السلامة أيها الزنوج البيض"، و"صراخ الصمت الأخرس" التي أخرجها عوني كرومي في برلين عام 1999، كما قدمت مسرحية "حكاية صديقين" في البحرين.
تتحدث جميع مسرحيات زنكنة عن إنسانية الإنسان وقهرها في المجتمعات المتخلفة تحت حكم الأنظمة الشمولية التي تنفرد بالسلطة وتسخر كل الطاقات لإسناد أنظمتها التعسفية وتلميع المآسي والحروب دون توفير حياة أفضل لشعوبها.
لقد عانى زنكنه، ضروب العذابات والحرمانات والملاحقات المستمرة، التي لم تثنه يوماً عن التصدي ببسالته المعهودة لكل ألوان العسف والاضطهاد والدكتاتورية، وظل وفياً لخياره هذا، وللأفكار النيرة التي يمثلها، مواصلاً ذلك التاريخ المديد والحافل بالعطاء والعمل المثمر، إلى آخر أيام حياته المترعة بالانجازات وعلى جميع الصعد.

شهيد الثقافة والوطن
كامل شياع، واحد ضمن عدد قليل من المثقفين العراقيين البارزين الذين قرروا العودة الى بلدهم بعد التغيير في 9 نيسان 2003.
شغل الراحل منصب مستشار وزارة الثقافة، كما تولى مهمة المنسق الوطني العام للجنة حماية التراث العراقي لدى منظمة اليونسكو، وبفضل معرفته المتميزة وإجادته لأربع لغات أوربية وبطلاقة، أصبح كامل شياع الشخصية المحورية في عمل وزارة الثقافة العراقية.
ولد في بغداد عام 1954، وهو الابن الثاني لعائلة بغدادية كبيرة، درس وتعلم في بغداد، وتخرج كمدرس لمادة اللغة الإنكليزية، ومثله مثل كثير من المثقفين، رفض الإنتماء الى حزب البعث إثر سياسة تبعيث نظام التعليم، ما حدا به الى مغادرة العراق في 1979، فاستقر في مدينة لوفان البلجيكية عام 1983، بعد إقامة قصيرة في الجزائر حيث عمل مدرساً للغة الإنكليزية، وإيطاليا التي نشر فيها قاموساً، إنكليزي ـ إيطالي ـ عربي، للمسافرين ورجال الأعمال، ثم حصل على شهاد الماجستير في الفلسفة من جامعة لوفان عن أطروحته "اليوتوبيا كموقف نقدي" والتي حازت على درجة الإمتياز (3A).
خلال سنوات المنفى، وسّع إهتماماته بالثقافة والفلسفة الأوربية لتشمل الرسم، السينما، المسرح، وفن الفوتوغراف، كما كتب وحاضر في طيف واسع من المواضيع، ما أكسبه مكانة مرموقة بين أبناء الجاليات العراقية في المنفى، وعمل صحافياً خلال إقامته في مدينة لوفان، وكتب في مواضيع مختلفة لصحيفة "الحياة"، ومجلات "الوسط"، "مواقف" و"الثقافة الجديدة"، وراديو "في. آر. تي" الدولي - القسم العربي- بروكسل، وقسم التلفزيون الدولي لوكالة اسوشيتد برس (أي. بي. تي. إن) - بروكسل.
أغتيل كامل شياع عند عودته من شارع المتنبي لزيارة بيت والدته وتناول الغداء معها، وقد جرح سائقه خلالها. كان يكره الحمايات المبالغ بها، ولم يكن بصحبته أحد ذلك اليوم.
قالت عنه لطفية الدليمي: "مشكلة كامل شياع وربما مأثرته، أنه مزج بين المثقف المحايد العقلاني الناقد وأمانته العلمية وموضوعيته النادرة، وبين المثقف العضوي - المستشار العامل مع إدارة الحكم من جهة وهو الأكثر التصاقا برهانات الحلم الاجتماعي والإنساني من جهة أخرى فكان يرسم الرؤية الإستراتيجية للمؤسسة التي لا تتقبل خيارات الديمقراطية الثقافية بل تعترض على جميع الأنشطة التي قادها هذا الرجل و تعلن الحرب عليها جهارا.. لم يذهب هذا الرجل الفريد الى التخوم كما كان يرى في مفهومه للنهاية المتضمنة في الحاضر - بل اجتاز الفضاء المستحيل وحيدا وحالما ومبتسما، عابرا حقول تجاربه اليوتوبية وسط الخراب، وكان يعيش النهاية كل لحظة ويقول: (حين ندرك ذلك لا يعود هناك ما يستحق الانتظار، غير ان تسليم النفس للنهاية ليس استسلاما، إنه بداية السير نحو التخوم أو بينها..)
كامل شياع، أغتيل ببغداد في 23 آب 2008 فغادرنا عن عمر 54 عاماً، ولم ينته التحقيق في كشف جريمة اغتياله رغم مسؤوليته الرسمية الرفيعة.

نقلاً عن مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع )


 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved