التنمر الإجتماعي

2020-02-23

وأحسب أن التنمر مصدر جديد في العربية يعني السلوك الغاضب أو العدواني، والمعنى الحرفي التشبه بالنَمِر يقابل في الإنكليزية Bullying وفي السويدية Mobbning ، وطالما يحدث في المدارس حيث يضطهد بعض التلاميذ زميلاً لهم أما بسبب نقص خلقي أو قصور ذهني أو لكونه وافداً من بلد أجنبي لا يحسن لغة البلد المضيف..الخ . ويكون التنمر عن طريق السخرية والنبذ الإجتماعي أو قد يصل السلوك العدواني الى الإعتداء البدني ..

والدوافع لهذا السلوك هو العدوانية لدى البعض ومحاولة السخرية التي تجلب المتعة للمتنمرين دون إدراك مخاطر هذا السلوك والأضرار النفسية الجسيمة التي تلحق بضحية التنمر.. وفي البلدان الغربية طالما يعاني أطفال المهاجرين في بداية تأقلمهم من التنمر من قبل زملائهم وقد يكون الدافع هو العنصرية وكره الأجانب الذي ينتقل من الآباء الى الأبناء !

لعل الأصدقاء شاهدوا حالة الطفل كودان بايلز، وهو يبكي بحرقة ويبث شكواه لأمه من حالة التنمر التي يتعرض لها في المدرسة من قبل زملائه، لدرجة أنه يطلب حبلاً من أمه ليشنق نفسه وتمنى لوكان بوسعه طعن قلبه بسكين ليخلص من العذاب الذي جعله يفضل الموت.. وقد صورته أمه ووجهت نداء لأولياء التلاميذ أن يتدخلوا ويوجهوا أولادهم ليكفّوا عن الإعتداء اليومي الذي يطال كودان ..

وكودان طفل في التاسعة من العمر من عرقية سكان استراليا الأصليين، يعاني من حالة تدعى "التقزُّم"  

Dwarfism ما جعله غريب الشكل وقد دفع ثمن هذه الحالة من مجتمع لا يرحم المعوقين جسدياً أو ذهنياً، رغم أن كودان بدا طفلا سويا حساساً بريئاً.. وقد نشرت والدته فلماً يصور الطفل ومنطقه الذي ينم عن معاناة حقيقية  تهز كيان وضمير كل من شاهده، لهذا هبّ أصحاب الضمائر للتضامن مع هذا الطفل في محنته وتبرعوا بسخاء وصل إلى قرابة نصف مليون دولار مع دعوة إلى ديزني لاند في أمريكا.. ما كان له الأثر الكبير في تطييب خاطر الطفل والتخفيف عن معاناته !

ولئن كان بوسع كودان وأمه أن ينشروا قضيتهم، فالسؤال الذي يطرح نفسه كم طفل في هذا العالم المترامي الأطراف  يعاني معاناة كودان ولم يستطع أن يوصل صوته للعالم ؟! في بلداننا العربية كم من طفل انتحر نتيجة تنمر زملائه ؟ قبل مدة وجيزة سمعت عن طفل انتحر نتيجة تنمر وسخرية أترابه في إحدى مدارس مصر لأن لديه أذنين متفاوتتي الحجم !

لايتحمل الأطفال المتنمرين وحدهم الوزر بل أباؤهم ومعلموهم والمدرسة والمجتمع للتصدي لهذه الظاهر الخطيرة .. نحن بحاجة إلى تربية وتوجية في أن يتعامل الأطفال مع بعضهم بمنظور إنساني وأخلاقي يبعدهم عن التنابز والتنابذ والتنمر لأجل أن ينشأ جيل معافى يحب بلده ومجتمعه ويحترم الإنسان كقيمة عليا؛ أحسب ان كل مدرسة بحاجة إلى مرشد اجتماعي ونفساني ليتولى مكافحة الظواهر السليبة بمنظور تربوي وعلمي ..

ومن يحسب أن التنمر يقتصر على التلاميذ أو الأطفال فهو في ضلال مبين! هناك في المجتمع من يكون أسير نزعة عدوانية سادية حين تنتابه متعة الحاق الضرر بالغير..وإلا بماذا نفسر الاعتداء والقتل والخطف وحب فضح الناس..الخ، ما يدل إن النزعة العدوانية رافقتهم منذ طفولتهم ونمت مع نموهم..

تزامنت حادثة أخرى مع قضية كودان، وهي أن فنانة مصرية نشر عنها فضيحة فلم إباحي، ودفعت ثمن الفضيحة وحكم عليها بالسجن أما من قام بالفضيحة فهو سالم معافى!! وخرجت من السجن ووجدت نفسها منبوذة معزولة مهانة، فسجلت شكواها وحاولت أن توضح مشكلتها وتعتذر عن خطئها وللأسف لم تجد من يساعدها وينتشلها من محنتها الى عدد نزِر للغاية..

والسؤال هو كم من الممارسات تحدث يومياً وكم من حالات الاغتصاب لا تسجل بل يتم التستر وفق قول: وإذا اصبتم بكبيرة فاستتروا!! وكم من السرقات والمشاريع الوهمية والمليارات التي سرقت وأسدل الستار عليها لأن: الله يُحب الساترين!!!

23 شباط/فبراير 2020

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved