التطورات السياسية للدولة الآشورية

2010-10-07
المقدمة
الآشوريون أحد الأقوام التي أثرت تأثيراً كبيراً ومباشراً في تكوين منطقة الشرق القديم التي سكنوا فيها من خلال فتوحاتهم العسكرية ومنجزاتهم الحضارية والعمرانية التي عبرت عن حياتهم بكل تفاصيلها.
وكان لتلك المنجزات التي خلفوها الأثر الكبير في التعريف بتاريخهم الطويل والذي يبدأ من عصور ما قبل التاريخ حتى سقوط عاصمتهم نينوى عام 612 ق. م على يد التحالف البابلي- الميدي، ومهما يكن من أمر أولئك الأقوام فقد أثبتت الدراسات التي تناولت تاريخهم السياسي وإنجازاتهم الحضارية عمقَ إسهاماتهم في الحضارة الإنسانية.
ما تقدم من الأسباب كان الدافع لاختيار البحث في تاريخ الإمبراطورية الآشورية للمدة المحصورة ما بين ( 911 - 745 ق.م)، إذ يُعد هذا العصر من أكثر العصور غزارة في الحملات العسكرية والأحداث والمتغيرات السياسية التي حصلت بسبب تنامي القوى الدولية المحيطة بالدولة الآشورية وتبلورها وظهورها على شكل كيانات واضحة المعالم موحدة القوى؛ مما أدى بشكل أو بآخر إلى تحريك المواجهات السياسية والعسكرية فيما بين الدولة الآشورية وتلك القوى، ولكن التطور الذي شهدته الدولة الآشورية في مختلف جوانبها أسهم في تكوين جيش قوي قادراً على الرد على الاعتداءات الخارجية والحفاظ على حدود الدولة من أي انتهاك.
ومن الأمور التي أفرزتها الحملات العسكرية تكوين دولة ذات خارطة سياسية واسعة أسهمت في إيجاد حالة من التفاعل بين الآشوريين والأقوام التي كانت تسكن في المناطق التي ضمت إلى حدود الدولة الآشورية.
على الرغم من كثرة الدراسات التي تناولت التاريخ السياسي والعسكري والحضاري للدولة الآشورية، فإن التنقيبات المستمرة والقراءات الجديدة للنصوص المسمارية أسهمت في اغناء الباحثين بالكثير من التفاصيل الدقيقة الخاصة بتاريخ الدولة الآشورية لذلك فإن البحث يقوم على إعادة ترتيب الأحداث بحسب ما جاء من معلومات جديدة تناولتها المصادر الحديثة.
اشتملت مادة البحث على أربعة فصول تناولنا في الفصل الأول الذي احتوى على مبحثين تسمية تلك الأقوام واللغة التي تحدثوا ودونوا بها، في حين تطرقنا في المبحث الثاني إلى المنطقة الجغرافية التي سكنها الآشوريون وأهمية موقع تلك المنطقة بالنسبة إلى المناطق المجاورة لها فضلاً عن طرق اتصالهم بتلك المناطق.
أما الفصل الثاني فقد تناولنا فيه التاريخ السياسي لبلاد آشور قبل العصر الآشوري الحديث وهو دراسة تاريخية للأدوار التي مرت بها الدولة الآشورية قبل تبلور قوتها العسكرية والسياسية عام 911 ق.م، مع ذكر فترات الضعف ومراحل القوة التي مرت بها الدولة ، والتركيز على الأخطار الخارجية التي تعرضت لها الدولة وكيفية التخلص منها والتعامل معها بواقعية وانعكاس ذلك على قوة الدولة سلباً وإيجاباً.
وتضمن الفصل الثالث العوامل التي ساعدت الآشوريين على تكوين إمبراطوريتهم في العصر الآشوري الحديث، وقد قُسمت إلى عوامل خارجية وأخرى داخلية.
تمثلت العوامل الخارجية في ضعف القوى المحيطة بالدولة الآشورية كمصر وبلاد بابل والدولة الحيثية التي سقطت في عام 1200 ق.م، وتبلور الآراميون في ممالك أنشؤوها في بلاد الشام، فضلاً عن أن دولة أورارطو في أرمينيا والميديين والفرس في إيران لم يبرزوا ككيان سياسي له ثقل في المنطقة بعد، أما العوامل الداخلية فتمثلت بالعقلية الستراتيجية العسكرية للملوك الآشوريين وحسن إدارتهم للأقاليم التابعة للدولة علاوة على اهتمامهم بالجيش وتنوع تسليحه.
وتناول الفصل الرابع التوسع الإمبراطوري للدولة، واستعرضت فيه الحملات العسكرية الآشورية على الجبهات المختلفة، حسب ما كتبه الملوك في حولياتهم التي يذكرون فيها حملاتهم العسكرية خلال السنة الواحدة ، مع ذكر أهم الأحداث التي يتوخاها الملوك من تلك الحملات، وأخيراً يقدم الفصل جملة من الأسباب التي أدت إلى ضعف الدولة الآشورية ولعل من أهمها هو أتساع رقعتها وضمها لمناطق بعيدة عن مركز الدولة، مما صعب السيطرة الإدارية والعسكرية عليها وهذا ما أشر لنا بداية النهاية لواحدة من أعظم إمبراطوريات العالم القديم.
لقد اعتمدنا في دراستنا هذه على مجموعة من المصادر الأجنبية والعربية ولعل من أهمها وأكثرها استخداماً في كتابة البحث هي المصادر التي تهتم بترجمة النصوص والحوليات الآشورية ومنها:

1 - Grayson , A. K. , Assyrian Royal inscriptions , vol. 1 , Wiesbaden , 1972 - vol. 2 , Wiesbaden , 1976 .
2 - Grayson , A. K. , Assyrian and Babylonian , chronicles , vol. 5 , New York , 1965 .
3 - Luckenbill , D. D. , Ancient Record of Assyrian and Babylonia , vol.1 , New York , 1926 .
4 - Civilizations of the Ancient Near East , New York , 2000 .

ومن أهم المصادر العربية التي اعتمدت في البحث:
1- قوة آشور وعظمة بابل للآثاري الإنجليزي هاري ساكز.
2- تاريخ سورية السياسي للألماني هورست كلينغل.
3- موسوعة الموصل الحضارية التي ساهم في كتابتها نخبة من الباحثين العراقيين.
لقد واجهت هذا البحث أثناء مدة إنجازه الكثير من الصعوبات لعل من أهمها ندرة المصادر الخاصة بالآثار والتاريخ القديم في مكتبة جامعة بابل إلى الحد الذي تكاد تكون في معدومة وهذا ما جعل الباحثة تنتقل إلى المكتبات المتخصصة في ذلك ولعل من أهمها مكتبة المتحف العراقي التي بقيت سليمة ولله الحمد، وكذلك مكتبة قسم الآثار في جامعة بغداد، ولذلك كانت معاناة التنقل في ظل الظروف التي يمر بها البلد واحدة من الأسباب التي أدت إلى تأخير إنجاز هذا البحث.
عززت الرسالة بعدد من المصورات فضلاً عن الخرائط التي لها علاقة بمجريات الأحداث التي جرت في المناطق والمواقع التي تطرقت إليها الدراسة.
قائمة المحتويات
المختصرات، المقدمة، الفصل الأول: الآشوريون "السكان ، الأرض"
المبحث الأول: السكان، التسمية، اللغة

المبحث الثاني: الأرض، تضاريس بلاد آشور

أ - السلاسل الجبلية والتلال، ب- السهول، ج - الهضاب الموارد المائية والطبيعية لبلاد آشور، مناخ المنطقة، أهمية الموقع الجغرافي لبلاد أشور، طرق الاتصال بالعالم القديم.
الفصل الثاني: التاريخ السياسي لبلاد آشور قبل العصر الآشوري الحديث
المبحث الأول: تاريخ بلاد آشور من أقدم العصور وحتى السيطرة الميتاني، العصر الآشوري القديم، العصر الآشوري الوسيط، الميتانيون، المبحث الثاني: أوضاع الدولة الآشورية ما بين القوة والضعف، نهوض الدولة، ضعف الدولة، الخطر الآرامي، الحملات العسكرية لتجلاثبليزر الأول وخلفاءه، بلاد آشور في نهاية العصر الآشوري الوسيط.
الفصل الثالث: العوامل التي ساعدت الآشوريين على تكوين إمبراطوريتهم في العصر الآشوري الحديث، المبحث الأول : العوامل الخارجية (الممالك والدول المجاورة)، آرام نهرايم، آرام صوبا، فدان آرام، دولة شمأل، مملكة حماة، مملكة دمشق، المبحث الثاني : العوامل الداخلية: دور الملوك، التنظيم الإداري، الجيش والسلاح، دوافع الحروب.
الفصل الرابع : التوسع الإمبراطوري للدولة، المبحث الأول: الحملات العسكرية لملوك آشور على المناطق المجاورة، أدد - نيراري الثاني، توكلتي - ننورتا الثاني، آشور - ناصر بال الثاني، شلمنصر الثالث، المبحث الثاني : بلاد آشور بعد وفاة شلمنصر الثالث، سمو - رمات، أدد - نيراري الثالث، شلمنصر الرابع، آشور - دان الثالث، آشور - نيراري الخامس.
الاستنتاجات، الخرائط، الصور، المصادر العربية، المصادر الأجنبية.
الخاتمة
الاستنتاجات
من خلال استقراء فصول الدراسة الأربعة، يمكن أن نستنتج ما يأتي:
1- أثر الموقع الجغرافي لبلاد آشور في تاريخها وجعلها منطقة مفتوحة مهددة باستمرار ، لهذا فإن الآشوريين اهتموا بالجانب العسكري خاصة بعد أن خضعت بلاد آشور ولحقبة ليست بالقصيرة للاحتلال الميتاني ، فكان لابد من تامين حدود الدولة الآشورية ضد الأخطار الخارجية.
2- كان لعامل المناخ دور كبير في جعل الاقتصاد الأساس في بلاد آشور اقتصادا زراعيا ، وأسهم النقص الذي تعانيه الدولة الآشورية في المواد الضرورية كالأخشاب والمعادن من الذهب والفضة ولاسيما بعد التطور الذي شهدته في عصرها الحديث بأن تعتمد على التجارة في جلب تلك الموارد من المناطق الموجودة فيها.
3- إن نعت الآشوريين بالشعب المحارب القاسي والأمة العسكرية والتركيز على أعمالهم الوحشية التي قاموا بها والتي ذكرتها التوراة، فضلا عما سجلته النصوص المسمارية أو صورته المنحوتات الآشورية نفسها التي تعد وسيلة للدعاية هدفها شن حرب نفسية ضد الخصم لتحقيق الانتصار هي في الواقع أمر مبالغ فيه ، لذا يجب أن لا ينظر إليها من تلك الجوانب دون معرفة الأسباب التي كانت تحيط ببلاد آشور والدوافع التي دعتهم لشن تلك الحملات العسكرية.
4- شهد مطلع الألف الأول ق . م ظهور عوامل كان من شانها ظهور الدولة الآشورية كإمبراطورية قوية يحسب لها حساب في المنطقة، إذ سقطت الدولة الحثية عام 1200 ق . م ، وأن الخطر الآرامي الذي هدد أركان الدولة الآشورية بهجماتهم المتكررة قد اتخذ طابعاً آخر نتيجة لتبلور الممالك الآرامية في سوريا وتأسيسها كيانات ثابتة مما سهل على الملوك الآشوريين مهاجمتها وضربها ككيانات منفردة، في حين ضعفت بعض الدول ومنها دولة بابل في الجنوب والدولة المصرية في الغرب ، فضلا عن ذلك فان دولة أوراطو في الشمال والميديين والفرس في الجنوب لم يظهروا ككيان سياسي في المنطقة له حساباته السياسية والعسكرية، وهكذا فان ضعف الدول والممالك المحيطة بالدولة الآشورية كان احد العوامل المهمة التي أسهمت في ظهور الدولة الآشورية كقوة سياسية وعسكرية ذات شان.
5- لا يمكن إغفال دور الملوك الآشوريين في إدارة الدولة وذلك عن طريق تنظيم الحملات العسكرية والاهتمام بالجيش وتنوع صنوفه وتحديث أسلحته ولاسيما بعد انتشار استعمال معدن الحديد في الشرق الأدنى ، فاستغله الآشوريون في تكوين أضخم جهاز حربي عرفه العالم القديم ، إذ صنعوا منه أسلحتهم الفتاكة وآلات الحصار الفخمة كالدبابات والعربات ، وظهرت نتائج ذلك في المعارك والحروب التي خاضوها ضد أعدائهم.
6- ضمت الدولة الآشورية أقاليم متعددة تابعة لها وامتدت حدودها في أوج قوتها لتصل إلى البحر العظيم (البحر المتوسط) ، وبذلك أحكمت سيطرتها على طرق التجارة الدولة ، وأخذت هدايا الطاعة والولاء تتدفق عليها من الأقاليم التابعة لها مما أسهم في تحقيق الرفاه الاقتصادي لتلك الدولة كونها إحدى مصادر موارد الدولة.
7- أسهم توسع الدولة الآشورية وضمها لمناطق واسعة في إيجاد حالة من التفاعل الحضاري فيما بين الآشوريين والأقوام المجاورة لهم يمكن أن نلمسه من خلال المنجزات الحضارية والشواهد التي خلفها لنا الآشوريون ، وانعكس تأثير حضارتهم على تلك الأقوام التي ضموها إلى سلطتهم.
8- تمكن الآشوريون عن طريق إنشائهم نظاماً إدارياً كفؤاً من إدارة أقاليم الدولة المتعددة وربطها بالسلطة المركزية واستخدموا عدة أساليب في إدارة تلك الممالك تتراوح ما بين الدبلوماسية كعقد المعاهدات التي كثيرا ما كانت توثق بالزواج ما بين الملوك أو استخدام القوة العسكرية كقتل الحاكم المتمرد ومعاقبة من ساعده في ذلك وتهجير السكان وغيرها.
9- كان من نتيجة امتداد حدود الدولة الآشورية وتوسعها خلق حالة من الغضب اعتورت الشعوب التي سيطروا عليها تدعو إلى التخلص من السيطرة الآشورية لذلك قامت عدة تحالفات ضدها وعلى الجبهات المختلفة، فمن الغرب تحالفت الدويلات الآرامية مع بعضها البعض وضمت إلى تحالفها مملكة إسرائيل ضد الدولة الآشورية ، أما مصر فقد كانت تغذي تلك التحالفات سواء بإرسال الأموال أو الإمدادات العسكرية خوفا على فقدان مصالحها في بلاد الشام ، أما من جهة الجنوب فقد كان للقبائل الكلدية القاطنة منطقة القطر البحري تحالفات مع بلاد عيلام (العدو التقليدي لبلاد الرافدين) ، أما من جهة الشمال والشمال الشرقي فقد كانت بلاد أوراطو تشكل أحد الأخطار ضد الآشوريين.
كان للتطور الذي شهدته الدولة والتوسع الذي حصل فيها ، تأثير سلبي نتيجة لسيطرة النبلاء وحكام المقاطعات الذين انفصلوا عن السلطة المركزية وبدأوا يعملون لصالحهم مما سبب في ضعف الدولة الآشورية وتدهورها ولاسيما بعد وفاة شلمنصر الثالث إذ انتهت الإمبراطورية الأولى بقيام اضطرابات وفوضى عمت البلاد.


تخريج وتوثيق الرسالة
التطورات السياسية للدولة الآشورية ( 911 - 745 ق . م )، رسالة تقدمت بها: رشا ثامر مزهر المهنا، إلى مجلس كلية التربية في جامعة بابل وهي جزء من متطلبات نيل درجة ماجستير آداب في التاريخ القديم، بإشراف الأستاذ المساعد الدكتور هديب حياوي غزالة، 1426 هـ جامعة بابل- العراق 2005 م.
العرض الالكتروني والاعلام والتبادل العلمي: ببليوغرافيا إراكي

http://alsafeerint.blogspot.com
alsafeerint@yahoo.com
TEL: 964 - 07901780841
P.O BOX 195
BAGHDAD IRAQ


***
**
*

 

The Political Development of Assyrian State
911-745 B.C

Abstract
Assyrian nation is one of the most noticeable nations that settled in the Ancient Orient region. It is distinguished of being highly civilized and very strong nation. It has great civilized achievements. The remains of these achievements have the great effect in defining their long history which begins from the period pf prehistory to Neinava fall 612 B. C.
The study falls into four chapters, introduction and conclusion. The first chapter is of two parts: the first part deals with their name and language; the second part tackles their geographical area, its importance to the neighboring territories and their means of communication with each other.
The political history of Ashur before Modern Ashurian dynasty is tackled in the second chapter by studying of the stages through which this nation has passed forming its political and armed power 911 B. C. It sheds lights on the outer dangers threaten its existence and the ways they follow to overcome them, and their effects on their nation positively and negatively.
In the third chapter, the factors that contribute in establishing Ashur Empire are divided into two types: inner and outer ones. The inner is represented in the armed strategic minds of their kings , their good management of the subordinate territories and their interest in the army affairs and weapons types. Whereas, the outer factors are represented in the weakness of the surrounding power such as Egypt, Baghdad and he they a, the appearance of the Aramian Kingdoms, and the appearance of other nations in the neighboring orient.
The fourth chapter is a study of the Empire extension (according to what has been written by their kings) which is one of the radical reasons caused the fall of the Empire. The great extension of the Empire including far territories make the armed management and the control of the Empire so difficult. And it is the beginning of the end of one of the greatest Empires in the Ancient World.

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved