الزنجباري يتذكر/حفلات الزواج

2015-03-14
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/7a2881fb-502f-4c53-9542-bbecd265f53d.jpeg
 حفلات الزواج في أبي الخصيب كانت غالباً ما تٌعقَد أماسي الجمع ولا تحلى إلا بوجود فرقة من فرق (الخشابة) والتي يستمر إحياءها لحلقات الطرب والأنس حيث الغناء الجماعي ورقص الغلمان حتى مطلع الفجر لليالي عدة أو تقتصر على ليلة الزفاف فقط.
العوائل المحافظة تقتصر حفلات الزواج والطهور عندها على حلقات الذكر و(المولود)، حلقة الذكر تحيها جماعة السادة (الرفاعية) وهي جهة نقية تنتمي لأشراف السادة وعميدهم صاحب الكرامات (سيد رجب الرفاعي) المدفون في قرية السبيليات إحدى قرى القضاء، حركاتهم لا تخلو من المخاطر حيث السيوف وهي تحز في اللحم والأسياخ النابتة في أجساد المريدين (المشهد منقول من حفلة زواج اولاد صالح الحداد) حيث طفح الكيل بـ(كريم أبو الكهرباء) بعد رفعه الطباكية1فوق رأسه وبصرخة أذهلت الحضور الله..الله وأنهبد على الأرض فتقدم له شيخ الطريقة وبصفعات خفيفة على جانبي وجهه بعدها حمله أقرانه خارج الحلقة وقتها قيل إنه لم يكن طاهر الروح والجسد.
أم المولود فبعد الغروب يبسط (محمد الشاعر) الفرح فيبقى الجميع مستمعاً ومستمتعاً بقصائده المادحة للنبي يردد ذلك يرافقه الطار الذي لا يصمت مع صوته الذي لا ينقطع وقد يتطرق إلى نقد الوضع القائم أو ظاهرة ما أو يعرج على تلطيف الجو بتوجه مباشر لشخصية من أبي الخصيب من دون أن يخط ثلماً أو يثير فتنة.
أما أهل الطويلة (سكنة الشريط المقابل لبعض مناطق أبي الخصيب بما فيها اللباني فقد إعتادوا على دعوة المطرب (سالم المنكوب)في أعراسهم وطهور أبنائهم ولا ينسى مَنْ حضر حفلات المطرب الريفي إنّ حفلاته لا تستقيم إلا بوجود (سطل) يتوسط الحفل مملوء بالعرق الزحلاوي تطفو على سطحه كتل الثلج البلورية من الأشياء الأخاذة  وهو يغني طارداً النعاس المزعج شاحذاً الذاكرة بـ(جك) من المشروب الخبيث ويوقظ مَنْ كان حوله بإنتظار منسف (الهبيط)2.
بالرغم من إنّ البعض من أهالي أطراف القضاء وقصباته يجلبون (الكواولة) فرق الغجرفي أفراحهم إلا إنه في نهاية الستينات وطوال السبعينات من القرن الماضي أخذت فرق الغجر تزاحم الخشابة، ومما تحتفظ به الذاكرة من مبهجات الزمن الماضي على ندرتها لقد كانت إحدى الغجريات (فتاة) وهذا إسمها، كانت قبلة الأنظار بصوتهه الرخيم ورقصها الجميل، لقد كانت تهتز كشجرة ناضجة من الرأس حتى القدمين، أما (دانة) وما أدراك ما دانة فقد كانت هي الأخرى أية في الجمال تشد كوعها على جسمها ملتفة بعضها على بعض كأفعى مقدسة وتطلق الآهات فتذيب الحجر( التعليق لعلي الحداد الذي يطلق عليه شباب القرية (مجنون دانة) وقتها كتبت أول أبوذية وكانت:
سمعت الصوت ويه العود دانه
بـ(جبل نوبان) نص اللـيل دانه
تهز الكتـف ويـه الـردف دانـه
تـهد الحيــل لـو مالّـت عليّــه.
وفي بداية الستينات من القرن الماضي جاءت وحيدة خليل وغنت في عرس ابناء العاشور وقتها لم تدخل الكهرباء لقرية اللباني وقد أحضروا ماكنة ضخمة وعلقت المصابيح في بستانهم الملحق بالدار الكبيرة فأنشغل الناس بأنوار المصابيح أكثر من إنشغالهم بوحيدة خليل.
أما اليوم وأنا أنظر إلى مدن العراق فأرى في عيني موتها البطيء أمام روعة العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ قطعة مجوفة من جذع النخيل، يلوث التجويف بالنفط ويشعل بالنار، يحملها المريد بعد طلب الأذن من شيخ الطريقة ويبدأ بحركات يشد بها إنتباه الحضور.
2 ـ لحم الخروف المسلوق جيدا  يوضع على الرز  في صواني كبيرة  يتجمع حولها الضيوف يدور عليهم أهل الوليمة بطاسات الفافونن اللامعة المملوءة باللبن أأوالخضيض.

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved