كان القمر صافياً مثل عيني صبية
حين انثنت كفٌها في الوداع الأخير
وكان الشجر يعبر الشرفات الغربية..
كان الزمان مطراً لاسعا
سألوني عن الغيمة الوافدة..
عن الشمس كيف تصبح فراشة
سألوني عن اسم حبيبتي
وعنوانها وتضاريسها ..
والأهداب الكحلا
كانت رياح الشمال تستبيح الندى
عن رموشها..
وكان الحلم يعبر حدود الجرح نحو المحال
كان النهار جمرة في رماد الخرافة...
انفجار على الواحة الجامدة
.فرساً في أغاني الأطفال
وكانت أقمار الحزن الفضية
تنبض في القاع
حيث عذارى البحر
من لون الفجر
تنسج إكليلا
وحيث حبيبتي فوق البلٌور الأخضر
كانت العصافير تبتسم لي
وكان في الأرض اعتذار للجراح
كان في كل الجسور
وفي امتداد الحور..
في القطارات والنوافذ ..
في الموانئ وفي الأرصفة ..
وفي تجاعيد الدخان ..
شيء مني
ينزف الدفلى في الهضاب
وامتداد السهلا
وكان الذهب الأسطوري..
كان الشحاذون
في القدس ومكة
أو كان الطاعون ..
ما قصدت ضحكات
رؤوس الأطفال المقطعة
المكدسة في العواصم..
صرختي تعرفها ..
ما قصدت النيل حين يخاف
ولا سر الطائر الأخير
في الغابة المشتعلة ..
ما قصدت حراس صاحب الجلالة
ولا رعش ضفائر العجائز
وجلا
ما قصدت ساحات الأضرحة
وهي تتسع
ولا الحديد البارد
ولا الجدران الرطبة
وما تقصدت كنعان أو عدنان
ولا الخيول المكبلة شلها الهوان ..
ولا مشرط الأحزان
ولا صفرة الوديان
ولا غياب الفرسان عن الميدان
ما هم إن ولدت في حزيران ..
أو كان البحر والرمل مفترقان ...
أو حتى إن تسفك وتباع الأوطان
ما دامت الطواويس على عروشها
محفوظة المكان
بالدماء ثملا
بلحظة..
رأيت في الغسق وجهي يداورني ..
وسمعت في الفجر صوتي يحاورني ..
وعلمت في السر أن قبري يغادرني ..
ما زلت أقف على الهوة القاتلة..
أحارب بحراً من الموت
والشوق للحظة الفاصلة....
وأحتاج إلى شجاعة الأطفال
لأرحل نحو البداية ...
ولكنني الآن
ما عدت طفلا
حسن العاصي
كاتب فلسطيني مقيم قي الدنمرك