معالم الفن الإسلامي ومكانته بين الأمم...؟

2012-10-31

يعتب//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/406c158a-4c6e-4403-b072-54fe7af47b09.jpegر الإسلام حدثاً غير عادي في التاريخ البشري، فهو حضارة نمت وازدهرت في أروع أشكالها وصورها. إنّ الإسلام انتشر كدين جديد وفي أقل من ثمانين عاماً من الجزيرة العربية في الشرق إلى الشاطئ الأطلسي في افريقيا وإسبانيا في الغرب، لقد اختفت الإمبراطورية الساسانية وقلّ حجم الإمبراطورية الرومانية الشرقية البيزنطية بعد أن نجح الإسلام الوليد في الفوز عليهما... لقد غزا العرب فارس ولكن كان التحوّل نحو هذا الدين بطيئاً في مبدأ الأمر فيها ومع ذلك فإنّ الانتماء الفارسي الكبير الذي تلى ذلك قد طوّر تفكير المسلم خاصة من ناحية الفن. لقد تأثر الفن الإسلامي في مرحلته الأولى.. بفنون تلك الدول ذات الحضارات العريقة وهذا أمر طبيعي حيث أنّها تملك تراثاً فنياً وتقاليد ذات أصول راسخة. إنّ أشكال الفن في القرون الأولى.. الإسلامية قد تأثرت بأبجديات الفن الإغريقي والروماني خاصة في عصرها الأخير. وهذا يظهر في الموازيك والرسم الحائطي والزخارف المعمارية وحتى طرق العمل أنّ التيجان التي تُكلل العمدان في مدينة رفا السورية أو في قرطبة الأندلسية يظهر فيها التقاليد الرومانية وقد كانت قصور سامراء المشيّدة في منتصف القرن التاسع مزخرفة بالجص على الطراز الساساني وأنّ المباني المعمارية الرائعة مثل قبة الصخرة في القدس أو الجامع الأموي في دمشق متأثرة بالمعمار البيزنطي. مع ذلك فإنّ الإسلام قد استطاع بعد فترة التأثر هذه أن يتخذ له طريقاً خاصاً وأن يبدع بروحه الجديدة التي استوعبت ثم خلقت كما نجد على سبيل المثال من ناحية العمارة جامع بن طولون بالقاهرة أو جامع القيروان في تونس ومن ناحية التصوير يكن هناك توافق بينه وبين الإسلام فإنّ الفن المشخص لم يكن مستحبّاً حيث إنّه كان يعتبر تخطياً لحرمة الله. ولم يكن هناك ضرورة دينية لتقديم فن ديني. إنّ مكان التصوير قد مُلئ بالأداء الخطي لكلمات الله المقدسة في القرآن الكريم ومع ذلك فقد كان هناك رسم فنّي تحت الرعاية الملكية ولم يكن هناك رسم ديني جماهيري. إنّ الفنان كان مقيّداً بتصوير مخطوطات لطيفة ورسم منغم. ومن ناحية الكتابة فقد كان الخط الكوفي والذي بدأ كشكل الكتابة في القرآن الكريم ـ صعب القراءة بل إنّه يعتمد على أنّ القارئ يعرف النص المكتوب عن ظهر قلب، وكان الخط الكوفي يُستعمل في النقوش الأثرية كالتي رُسمت بألوان في المسجد الكبير في القيروان أو في حفر الخشب في رفا، وفي القرن الثاني عشر في فارس ثمّ في الأناضول نجد أسلوباً جديداً في الآثار الكوفية. وهناك مثال لطيف نرى فيه لمعان لوح القرميد مع نقوشه البارزة وهو من كلشان.. إنّنا نرى آثاراً كوفية أخرى عند الأيوبين وعصور المماليك الأولى في مصر وسوريا وفي أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر عموماً فإنّ الآثار الكوفية تشتهر بحركتها الأفقية وتأكيداتها العمودية والمائلة. وبالنسبة للخشب فإنّنا نجد حفراً خشبياً على أكبر درجة من التجريدية في سامراء في منتصف القرن التاسع حيث نجد موضوعات الطير والحيوان مترجمة نماذج من الضوء والظل بواسطة الحفر العميق المائل. لقد كانت الألواح الخشبية المحفورة والمنقوشة بنماذج متكررة أهم وسيلة للزخرفة الداخلية من وسط آسيا حتى إسبانيا. لقد كان هذا التكتيك موجود أصلاً في الإمبراطورية الساسانية. ولكن الإسلام تطوّر تطوّراً كبيراً خاصة في العراق وفارس، إنّ ألواح سامراء ومينا بور معروضة في مهرجان لندن ذات المحراب المسطح الكبير واللوح الرئيسي المُحاط بكتابة كوفية معروضة في مهرجان لندن وعموماً فإنّ هذا الطراز قد بطل استعماله من تأثير الغزو السلجوقي.

 

 

إنّ السلجوقيين قد أوجدوا انتعاشاً قوياً في الإسلام بعد انتصارهم على البيزنطيين عام 1071... حيث وقع جزء كبير من الأناضول في أيدي المسلمين أنّنا في دمشق بعد غزو السلجوى لها عام 1094 نجد فيها ما يُسمى بالمقصورة وهي غالباً محاطة بقبة نقوش بديعة نلمس فيها المهارة الكبيرة في الكتابات القرآنية المحفورة بحروف كوفية مثل الخبرة نراها في مصر تحت حكم الفاطميين. فالفخار وزخرفته يُظهر مدى الغنى في الزخرفة فعلى سبيل المثال فإنّ الفخار العباسي في القرنيين التاسع والعاشر الميلاديين في العراق يظهر فن الزخرفة التجريدية. ومن الأمثلة الهامة ذلك الطبق اللامع ذو الألوان المتعددة والذي يضمه متحف فيكتوريا وألبرت بلندن.. وهو من القرن التاسع الميلادي بالعراق.. وهو مثل عديد من التصميمات التجريدية في تلك الفترة.. إنّ زخرفة هذا الطبق تثير شيئاُ من الرمزية العمودية وهناك شيء هام وهو أنّ اللمعان والبريق في الخزف كان واحداً من أهم اختراعات الخزف الإسلامي.. وقد اخترع في مصر بعد فترة قصيرة من الفتح الإسلامي وكان يصدر إلى العباسيين في العراق... وفي القرن الثامن الميلادي وكان يُستعمل هناك في فارس أيام السلجوقيين ويُستعمل أيضاً أثناء حكم الصفويين وكان يًستخدم في زخرفة الفاطمي المصري وفي إسبانيا بحيث أصبحت عنصراً عالمياً في الخزف. هذا العنصر من عناصر أخرى عالمية قد سيطرت في الزخرفة لأواني الزهور ومنذ القرن الثالث عشر في دمشق وهذه العناصر هي الخط والتشابكات الأرابيسكية النباتية واللونين المرتبطين الأزرق والذهبي كل هذا كان أساساً في التصميم الإسلامي.. إنّ الخزف كانت تصدّره سوريا إلى إيطاليا في القرن الثالث عشر المتمثل في تلك الأقداح الرائعة ذات الزينات الملونة كما كانت الثريات الخزفية الإسبانية شهيرة في حوض البحر الأبيض المتوسط في القرنية الرابع والخامس عشر وكذلك كانت بعض الأعمال التركية مثل الأتون تُصدّر إلى الغرب في القرنين السادس والسابع عشر. إنّ عبقرية الفنان الخزفي الإسلامي في التصميم واللون كانت خلقاً فنياً بحيث غزت المنتجات الإسلامية بريطانيا وألمانيا أيضاً. ولا ننسى أنّ السجاد بتصميمه الذي يبرز بوضوح مبادئ وأساسيات الفن الإسلامي وهي البعدين والتوازن والتركيب ذو الموتيقات الأرابيسكية والهندسية قد غزى أيضاً العالم الغربي. أمّا العمارة والتي اختتم بها هذا الجزء من المقدمة فهي أساساً جوهرياً هاماً في فهم الفن الإسلامي فإنّها الصورة الناطقة والواضحة لروحانية الإسلام حيث أنّها تجمع فكرة وتوحيد جميع مظاهر الحضارة والثقافة الدينية والعلمية البحتة.
اتبعنا في بحثنا هذه الطريقة العلمية التحليلية الحديثة ومضمون هذه الطريقة هي الرجوع إلى المستندات التاريخية واعتبارها أساساً لدراسة المشاكل الفنية.. إنّ التطوُّر التشكيلي له صلة قوية بالمفهوم الاجتماعي والحضاري ولكن يجب أن يبعدنا هذا المفهوم عن القيم التشكيلية البحتة فخطة بحثنا هذه تبين التلاحم بين العرض التاريخي والعرض الفنّي.. بحيث أنّ العرض الفنّي يمثل تماماً الناحية التاريخية بحيث يكون.. مسيطراً على الدراسة بأكملها فالأجزاء الثلاثة وهي:
ـ المفهوم الإسلامي للجمال.
ـ القيم التشكيلية والزخرفية الإسلامية.
ـ الخامة وروح الابتكار.
هذه الأجزاء الثلاثة الأساسية هي منطلق دراستنا والجديد في هذا التقديم والتحليل هو أنّنا نولي للفنون التجريدية البحتة والفنون التشخيصية نفس الأهمية.. ونفينا تماماً فكرة الإسلام بمنع التشخيص في الأسلوب الفنّي. وقد يظهر أيضاً أننا لم نفصل بين المظاهر المختلفة في الفن كما نراه في بعض الكتب التاريخية.. وهذا لأنّ الفن الأموي والفن المغولي ليس بمنفصلين عن بعضهما.. وحيث الحضارة العثمانية لا تنفصل عن الحضارة الأندلسية. حقيقةً أنّه توجد سمات خاصة فعلاً لكل إقليم من هذه الأقاليم ولكن داخل هذه الفروقات توجد وحدة روحانية دينية تجمع البلاط الهندي الأموي والحديقة الأموي والحديقة الأندلسية.
أمّا الجزء الثالث وهو الخاص فإنّه في نظرنا هام للغاية... لأنّ الفنان المسلم كما يتضح فيما بعد... وقد وصل إلى لغة تشكيلية تعطي للخامة جمالها المطلق وهو في نفس الوقت يحترم جمال الخامة

كخامة... لأنّه لا يوجد فرق بين الروحانية الفكرية وروحانية الخامة في الفن الإسلامي. فكل شيء له روحانيته الخاصة وهو الفن الذي يعطي للخامة صوتها المطلق الأزلي.
ونريد أن نشير أيضاً إلى أنّ المعرض التي أقيمت في هذا المهرجان الإسلامي في لندن قد أبرزت فكرة في غاية الأهمية وهي أنّ الفن الإسلامي قد أصبح فنّاً يعيش فعلاً خارج إطار لزمان ومكان لأنّه وصل إلى أن يعبّر عمّا نريد أن نكتشفه اليوم في الفن الحديث وهو التعبير اللّوني والزخرفي ابتداءً من قيم تشكيلية وليس من نظرة فوتوغرافية أو توضيحية للأشياء.
ففي نظرنا إنّ الأرابيسك هو فعلاً سمة أساسية في مفهومنا للخلق الفني.
إنّ القرآن الكريم يضم الروحية والقانون الاجتماعي.
إنّ القرآن الكريم... كتاب الله وكذلك السُّنة لا ينظمان فقط العبادة والقانون العام... بل ينظمان وقائع الحياة اليومية مثل التحية... والغسل... والأكل... ومعنى ذلك أنّ الإسلام يُقدّم نظاماً كلياً يعنى فيه بالجسد مثلما يُعتنى بالروح ويقر طبيعياً المكان الذي يشغله كل فن والدور الذي يلعبه في إيجاد التعادل بين ما هو روحي وما هو جسدي.
إنّ الفن التصويري في النظام الإسلامي لا يأخذ الصدارة بل يأخذ مكاناً أخيراً في دائرة القيم الفنية.. كما أنّه لا يجب أن يُمثل شخوصاً مقدسة أو تقليد عمل الخالق.. وفي نفس..الوقت تحوّل الطبيعة أيضاً إلى تخيّل خرافي حتى تظهر في شكل واقعي ولكن توجد استثناءات معينة منها المنحنيات كواحدة ولكن هذه الاستثناءات معينة منها المنحنيات كواحدة ولكن هذه الاستثناءات لا تغيّر القاعدة وتأثيرها الكلي. وإثبات ذلك يكمن في حقيقة أنّه لا يوجد مسجد واحد مزيّن بشكل إنساني. هذا البعد عن الخلق الفني في الإسلام لا نجده بالنسبة للحضارة المسيحية والغربية. فهل هذا البعد عن الخلق الفني في الإسلام ضعف؟ سوف نرى أنّ ما يبدو ضعفاً هو في الواقع الحقيقة التي تعطي تطوّراً لأبعاد وإمكانيات فنية أخرى. إنّ غياب الصور في الحرم يخلق فراغاً مشابهاً للصمت وهو ليس ذلك الصمت القاصر والعاطل.. بل إنّه هالة من الحضور الغير... منقسم. إنّ هذا ما يعبر عنه بالشفافية التي للأشكال المعمارية الإسلامية وعامة فإنّ عدم وجود الصور والتي هي بالحتمية ذاتية يسمح بما هو ذو سمة موضوعية وليس ذو سمة شخصية في الفن الإسلامي تلك السمة التي تظهر بوضوح في العمارة وفي الزخرفة القائمة على الأشكال التجريدية والعمارة في الزخرفة كل منها ينبع من كيفية هندسية تبعد كل ارتجال فردي.
إنّ العمارة هي الفن الرئيسي في الإسلام.. حيث أنّ جميع حلقات الفنون الأخرى تعتمد عليها.. ولكن هناك فن واحد ما يزال أكثر شرفاً وهو فن الكتابة الخطية الذي يستمد نبله من نقل كلمات القرآن الكريم المقدسة. ومن وجهة النظر الإسلامية فإنّ الكتابة العربية لا يمكن إحلال شيء محلها لأنّ القرآن الكريم قد ظهر في لغة عربية كما أنّ طبيعتها الإلهية الخالية من الشك تظهر وتتجلى حتى في صوتها ونطقها بحيث أنّ الكتابة العربية تقدّم جمهورية الصوت بأكثر أمانة ومن نفس وجهة النظر فإنّ القرآن الكريم عندما يُترجم إلى لغة أخرى فإنّه لا يكون هو القرآن حقيقة وهذا على العكس مما يحدث للإنجيل الذي ترجم إلى لغات مختلفة وهذا يرجع إلى أنّ الإنجيل ليس في شكل كلمات إلهية بل هو سرد تاريخي.. ولذلك فإنّ محتوياته يمكن تصويرها. ومن هنا نفهم لماذا توجد الروح العربية في كل مكان من العالم الإسلامي أيّاً كانت اللغة الأم لهذا المكان وأيّاً كان الشعب المسلم الذي يستعملها. إنّ كل مسلم متعلم متآلف مع الكتابة العربية فهي لغة القرآن وهذه الخبرة توقظ في نفسه الحساسية للخطوط التجريدية التي تضم هندسةً وإيقاعاً. إنّ دراسة الكتابة العربية وغناها المتنوّع في أساليبها المختلفة لها دقة القلب للفن الإسلامي. ولكن إذا كانت الكتابة هي أشرف داعم فني في العالم الإسلامي فإنّ العمارة ولا تزال تشغل وضعاً رئيسياً سائداً في كل الأنشطة الفنية المركبة فبعض من هذه الأنشطة مثل مهنة البناء..مهنة تجارية.. نحت الحجر.. الموازيك.. نقش الجدران.. إلخ كل هذا يوجد فقط في خدمة العمارة بينما البعض الآخر مثل النحت والرسم على الخشب عادة ما يرتبط بالمباني.. وليس منى ارتباط هذه الفنون بالعمارة أنّها ثانوية الأهمية بل إنّ لها مكانها المحفوظ وهذا على العكس من وجهة النظر الغربية التي ترى أنّ كل الفنون التابعة للعمارة ما هي إلا فنون وزخرفة.. وهي على ذلك ثانوية في الأهمية. إنّ الأرابيسك ذو الأشكال النباتية يتطور تبعاً لمنطقة الزخرف الخاص مستقلاً عن أي نماذج نباتية محدّدة.. وأحياناً تجد في الفن العثماني والفن المغولي
أنّ الأرابيسك يأتي قريباً من الطبيعة ولكنّه بلا شك يظل أمنياً لقوانين الزخرفة ذات البعدين. وبالمعنى الواسع لمصطلح الارابيسك فإنّنا نستطيع القول بأنّه يضم الزخرفة للأشكال الهندسية النقية
مثل الأشكال الوردية المصاغة في خطوط متشابكة والتي تطوّرت من التقسيم المنتظم للدائرة. إنّ الأرابيسك والشكل النباتي يستطيع أن يرتبط بالأرابيسك الهندسي النقي.. ومن ثم يكون لدينا ارتباطاً لحنياً إيقاعياً مع كمال... وأخيراً فإنّ الألوان المختلفة للزخرفة يمكن ربطها بالكتابة.
إنّ نماذج المساجد تختلف عن بعضها تبعاً ولكن فلنرجع خلفاً إلى نموذج يظل بدون تغيير أنّه ليس إلاّ المناء الخاص ببين الرسول الكريم في المدينة حيث كان يستعمل للمصلين المؤمنين أنّه كان سياج قائم الزوايا حيث الجزء المقام على الجانب المواجه إلى سقف مسطح مدعم على جذوع نخل..‘نّ المساجد البدائية كانت دائماً مكوّنة من مصلى بسقف أفقي على أعمدة مفتوحة على الفناء.. كما أنّ الاتجاه وهو مكة أو على وجهة الدقة نحو الكعبة يشار إليه أو يُرمز له بواسطة محراب والكعبة تمثل الجزء المركز الروحي للعالم الإسلامي.. وفي المرحلة الثانية من التطوير نجد أنّ الموقع المفتوح في السياج وهو الفناء ( صحن ) يحاط بواسطة أروقة وبدلاً من الأعمدة البسيطة توجد عادة نافورة لاستعمال المصليين. وبالإضافة إلى هذا فهناك المئذنة حيث يؤذن المؤذن لاستدعاء المصلين.. وهكذا توجد عناصر سوف تظل دائمة وثابتة في عمارة الجامع.
أمّا الاختلافات التي تختلف عن هذا النموذج فهي ترجع إلى اختلاف البيئة والميراث والثقافة للشعوب الإسلامية المختلفة ففي سوريا والتي كانت المركز الثقافي لأول إمبراطورية إسلامية نجد أنّ الجوامع كانت من الحجر مع سقوف ترتكز على جذوع خشبية وهذه الطريقة أخذت اتجاهها في مماليك مثل تونس والجزائر ومراكش وإسبانيا.. أمّا في فارس والعراق فإنّ مادة البناء كانت غالباً من الطوب الذي يتطلب حلقات من العقود وتقوم على مجموعات من العمدان بدلاً من السقوف الخشبية الأفقية ولهذا فإنّ كل جزء مكاني يعطى استقلالاً معيّناً بحيث لا يكون ضد الوظيفة الخاصة بالمجتمع كما أ،ذ هناك الإيوان والعقود والقبات التي تختلف إلى حد بعيد عن تلك الموجودة في جوامع شمال افريقيا.. وفي العمارة الإسلامية في الهند نجد أنّ النموذج الفارسي قد تطوّر إلى حد كبير فإنّ كل واجهة المصلى المواجهة للفناء قد أصبحت نوعاً من توسيع المحراب وعلى ذلك فقد أصبح مكان المصلى. أمّا بالنسبة للجامع العثماني التركي فهو قد تطوّر بطريقة مختلفة تماماً ففي بداية كان هناك تنويع بسيط لفناء المصلى المغطى بسقف أفقي والمدعم بالعمدان.. هذا السقف حلّت محله سلسلة من القباب كل قبّة ترتكز على أربعة عمدان وهذه الطريقة في الجامع العثماني خلّفت وحدة كاملة للفراغ الداخلي للجامع منفصل عن الفناء ولكن هذا الانفصال مبرر لخشونة مناخ الأناضول. إنّ المحراب في غاية الأهمية للفن الديني الإسلامي لذلك نجد أنّه غالباً مغطاة بالموازيك وحدوده الخارجية تحتوي دائماً على كتابات قرآنية. كما يوجد المنبر المصنوع من الخشب والذي يمكن تحريكه وغالباً ما تزخرف جدرانه إمّا المصابيح المعلّقة في السقف فهي غالباً ما تصنع من معدن أو زجاج مطلى وأخيراً هناك السجاجيد التي تغطى الأرضية والتي لها أهمية كبيرة حيث تلمسها جباه المصليين وحيث يستريحون فوقها. أمّا الفنون التي يّطلق عليها اسم '' الفنون الصُغرى '' والتي يبتدعها أحسن الحرفيين في أكمل صورة فنجد فيها أنّ كمال الشيء لا ينجم بالصورة عن غنى المادة المستعملة بل إنّ الغرض هو الحصول على أحسن كيفية فنية بأبسط الوسائل وأحياناً بالاستعمال لمواد متواضعة إنّ جملة النبي والله تضيء بالكمال في كل الأشياء تعكس مثلاً أعلى يعطي معنى روحياً ليس فقط بالنسبة لعمل الفنان والذي يحوّل المادة الخام إلى ذهب بل أيضاً تعطي معنى للأفعال والسلوك الخاصة بهؤلاء الذين يستعملون تلك الخامات. وما دام القرآن هو الأساس للحضارة الإسلامية فإنّه ليس للمستغرب أن تراعى بطريقة خاصة فنون هذا الكتاب المقدّس. ولقد ذكرنا سابقاً الأهمية الخاصة التي للكتابة في الفن الإسلامي وفي هذا المقام نذكر أيضاً فن تجليد الكتب والذي يبدو في أعلى درجة من الإتقان. وهناك ظاهرة جديرة بالاعتبار وقد تبدو لأول وهلة
غريبة وعي تقديم الفن الإسلامي تصوير تشكيلي في الشكل الخاص بالمنمنات والتي لا تُصوّر القرآن بل تُصوّر نصوصاً علمية أو شعرية.. إنّه توجد علاقة بين النص والمنمنم والذي أسلوبه بالضرورة خطي.. إنّ رسوم المنمنم لا تتضمن منظوراً أو ظلالاً فليس هناك محاولة لإيجاد الأبعاد الثلاثة وأنّه
من المهم أن نذكر أنّ جميع رسامي المنمنم كانوا أوّلاً خطاطين. أمّا فن النسيج... فهو يُعتبر من ضمن الفنون الصغرى وغالباً ما ينسى أنّ فنون الأزياء تلعب دوراً هاماً.. لا يقل عن دور العمارة في الحضارة الإسلامية وكلامنا هذا ليس فيه مبالغة.. لأنّه إذا كانت العمارة تخلي المحيط والبيئة
الهامة لحياة الرجل فإنّ فن الأزياء يُشكل الرجل نفسه بطريقة ما فإنّ الملابس التي يلبسها الإنسان لها دور في سلوكه. إنّ الزي التقليدي للشعوب الإسلامية يتسم بالرزانة والرفعة والسمو وغالباً ما يدمج البساطة الدينية مع المهابة الملكية إننا نتكلّم عن زي الرجل حيث إنّه أكثر تحديداً من زي المرأة. إنّ البدو يلعبون دوراً في الحضارة الإسلامية إنّ ساكني المدن لا يتكلمون التكتيك والأسلوب الفني من البدو.. ولكنّهم أي ساكني المدن عندهم الكثير لكي يتعلموه منهم مثل الجوهر الخاص بفنّهم لأنّ البدو يملكون عبقرية بالنسبة للأشكال التي تحتوي كلا من البساطة والجرأة أنّهم يملكون تصوّراً وإدراكاً للعظمة والنبل إنّ في كل مرة تغزو فيها قبائل البدو إقليماً ما يملك حضارة مدنية مستقرة نلاحظ إنّ هذا الغزو يتلوه تجديد في الفنون حيث تصبح أكثر مباشرة وثقافة وعمق أكبر، إنّ فنّاً مثل فن السجاد المزيّن بعقد وأصله بدون شك لأحسن مثالاً للاتصال البدوي مع الحضارة الإسلامية وأنّ ارتقاءه وتصوّره الفني لهو في نفس الوقت صورة للنماذج بين عالمين الحضري والبدوي. إنّ البدو أو الرحل يُحبّون الإيقاع كمذكر لهم. للوجود الدائم.. كما أنّهم يُحبون أيضاً الفراغ الغير محدود بينما الحضريون يحبون تحديد الفراغ داخل إطار وتنظيمه نحو المركز كما أنّهم يفصلون اللحن على الإيقاع والبدو يبسطون.. الأشكال المأخوذة من الشعوب الحضارية ويجعلونها في شكل رموز..بينما الشعوب الحضارية تطور العناصر المأخوذة من الفن البدوي بإغنائها بأشكال حافلة بالطبيعة.. إنّ كل حضارة إسلامية تعيش من خلال هذا التبادل بين هذين العالمين.. عالم البدو وعالم الحضر إنّ توازن حي بين المدينة والصحراء إنّه يوجد بالطبع طرق أخرى لتميّز النواحي المختلفة للفن الإسلامي واضعين في اعتبارنا على سبيل المثال أساليبه المختلفة أو تنويعه تبعاً لاختلاف الأمكنة ومع ذلك فقد يجد المرء أنّ بالرغم من الاختلاف في الأسلوب فإنّ مراتب الفنون.. كما شرحت آنفاً.. تظل كما هي في كل مكان. إنّ الكتابة والخط اللذان يمداننا بالحقيقة الأساسية والتركيبة بين العمارة والزخرفة القائمة على نفس المبادئ الهندسية هما هذين المظهرين للفن الإسلامي اللذين ليس لهما سبق مباشر في الحضارات الأخرى. إنّ الأساس العادي للفن المقدّس هو الرمزية ونجد في الدين يعبّر عن نفسه في أشكال بشرية رمزية فالقرآن الكريم يتكلّم عن وجه الله وعن يديه والعرش الذي يجلس فوقه.. إنّ نبذ الصور يبدو أنّه يُصيب جذور الفن المرئي الذي يتعامل مع أشياء إلهية. ولكن يوجد ترتيب كلي للذكاء يعطي العرض الذي يتطلبه.. أن يُولد في العقل وعلى الأخص الآتي: الفن المقدّس ليس بالضرورة مصنوع من الصورة حتى في أوسع إدراك لهذا المصطلح إنّه ربما لا يعدو أن يكون أكثر من الصمت التام كما لو كان في حالة تأملية وفي هذه الحالة فإنّه لا يعكس أفكاراً بل يُغير وصفياً من الأشياء المحيطة بمشاركتها في توازن وتعادل حيث مركز الجاذبية غير مرئي. تلك هي طبيعة الفن الإسلامي المؤكدة بسهولة. إنّ موضوعاته قبل كل شيء هي بيئة الإنسان.. وهذا هو الدور المسيطر في العمارة وكيفيته أساساً تأملية وبهذا الخصوص فإنّ الفن الإسلامي مشابهة للطبيعة البكر.. خاصة الصحراء حيث هي مناسبة للتأمل ولو أنّنا في أمر آخر تجد أنّ النظام المخلوق بواسطة الفن يُعارض عدم الانتظام في مناظر الصحراء الممتدة.
إنّ كثرة الزينات في الفن الإسلامي لا يُعارض كيفية التأمل الفراغي... بل على العكس... فإنّ التزيين بأشكال مجردة.. إنّما يرى فيها ويُعظمها من خلال الإيقاع غير المكسور ونسجها معاً بلا نهاية.

 

مصطفى قطبي

باحث وكاتب صحفي من المغرب

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved