ماري تيريز اسمر الكلدانية العراقية المجهولة اسطورة بابلية في عصر الظلام العثماني وامل بوتر نصف العراقية ازاحت الغبار عن كتابها
العراق في القرن التاسع عشر العصر المعثمن المظلم، سطع فيه نجمان بارزان ممن تناساهم مدونوا التاريخ غير البعيد في الخمسينات من القرن العشرين وما بعدها وقبيل (الصدامية) يوم كان العراق عراقا، النجمان اللامعان هما (هرمز رسام) و (ماري تيريز اسمر)، هرمز رسام (الآثاري) كان اول عراقي يدخل (جامعة اوكسفورد) في لندن ليدرس (علم الآثار) في عصر عثماني غامق وهو اول (عراقي عربي) يدخل (اوكسفورد) في التاريخ، وفي زمن لم يصل فيه ايا من البلاد العربية (اوكسفورد) ولم تكن في العراق او البلاد العربية كلية او جامعة او حتى مدرسة ابتدائية. اما (ماري تيريز اسمر) فقد ولدت عام 1804 في خيمة والدها المضياف بين خرائب نينوى كما تقول هي في كتابها النادر المحفوظ في المكتبة البريطانية، الكتاب يقع في جزئين، ما يقرب من 700 صفحة الصادر في عام 1844. تصوروا امرأة عراقية تصدر كتابا في انكلترا بالانكليزية فاية عبقرية كانت تحملها(ماري تيريز اسمر) ولو بقي كتابها في العراق لاصيب بالتمزق او الحرق العمد.
تصوروا امرأة تغادر العراق مشيا او على ظهور البغال تعبر الجبال والحصاري وتخترق وديانا وتعبر البراري والقفار ثم تشق البحار. حيث وصلت سوريا وفلسطين ولبنان ثم ايطاليا وفرنسا وانكلترا، رغم كونها مرت بفترات قاسية، لكنها قابلت اشرافا وامراء وملوكا والبابا. !!؟ اشارت (ماري تيريز اسمر) انها اميرة بابلية وهذه حقيقة فالاوربيون لم يكونوا يعرفون شيئا على العراق غير بابل التي عرفهم بها الآثاريون الاوربيون الذين نقبوا في العراق ولم يكن العثمانيون يهتمون بآثار الذين سبقوهم وهم الذين دمروا كل آثار بيزنطة الرائعة، انها حقا اميرة لانها اول امرأة عراقية تراها اوربا بكاملها لهذا ان (ماري تيريز اسمر) تستحق الامارة بجدارة. (ماري تيريز اسمر) من عائلة كلدانية من (تلكيف) استقرت في بغداد في عهدها المعثمن وتشير الى ان اصولها تعود الى سريان الهند من ايام (توما) رفيق (المسيح) ؟! وربما ادعت ذلك بعبقريتها اذ كان الاوربيون لايعرفون من مسيحيي الشرق غير (توما) الذي نشر المسيحية في الهند. تذكر (ماري تيريز اسمر) ان ولادتها كانت مع (وباء الطاعون الذي حل على بغداد عام 1804 مما جعل والدي الرحيل والابتعاد بعائلته الى الريف بقرب خرائب نينوى حيث كان يملك منزلا كان يطلق عليه اسم (قصر العزة) في هذه لفترة ولدت في خيمة منصوبة في الصحراء ليست بعيدة عن دار والدي). وتضيف(ماري تيريز اسمر) انها تنتمي الى الكنيسة الكلدانية وهي الكنيسة الكاثوليكية التي تنتمي لها قرى عديدة وحتى الآن، اذ تقول (والدي كان يتبع الطقوس الكنسية الكلدانية التي تتبع روما. منزل والدي كان ملاذا لكل انسان بائس ومن اي طائفة ان كان مسيحي او يهودي او مسلم. لقد ابتنى بيتا مخصصا لهم ولأستقبال الغرباء وكان يذهب بحثا عنهم وعندما يجدهم كان يدعوهم الى هذا البيت ويغسل اقدامهم بيده ويقوم بضافيتم و بخدمتهم بنفسه). وتضيف (اتذكر عندما كنت طفلة ان شخصا احتمى بنا واتخذ من البيت ملاذا اذ كان مبشرا واسمة "كابريل دومبو" وبسبب نشر افكاره الدينية تعرض الى حكم قاسي ادى الى قطع لسانه. هذا الرجل بقى معنا لمدة سنتين وبعد ذلك منحه والدي مبلغا من المال الكافي ليؤسس كلية لتدريب المبشرين).
تقول (ماري تيريز اسمر) كان جدها اميرا يتاجر مع اهل النهرين (جدي الامير عبد الله كان رجل واسع الثراء حيث امتلك الاراضي وممتلكات اخرى من بينها بيوت واغنام ومزارع انتاج الحرير والجمال التي بلغ عددها خمسة الاف جمل). تشير (ماري تيريز اسمر) الى ممارسات تقليدية قديمة هي ان (عادة اهل نينوى القديمة ان تقوم النائحات بتمريغ رؤؤسهن بالرماد ويلبسن الملابس الخشنة) كما تقول (اتذكر قصص جدى الرائعة الذي عمر طويلا والقصص التي كان شاهد حوادثها خلال حياته المهنية الطويلة. ولن انسى الشعور بالرعب وهو يحكي لي عن حصار "نادر شاه" لمدينة الموصل عام 1743 الذي دام ايام طويلة). حين تقول (ماري تيريز اسمر) انها ولدت في خيمة (ربما كانت الخيمة مكان لنواحة والدتي ولتقبل العزاء لفقدانها عدد من افراد عائلتها خلال وباء الطاعون وكذلك لخسارتها اخا كان عزيزا عليها وافاه الاجل اثر لسعة ثعبان سام حين كان في رحلة صيد. وقبل وفاته عانى الكثير من العذاب نتيجة ممارسة نوع من العلاج مورس في ارض النهرين، عرفت هذه الطريقة في العلاج من تقاليد بلاد الرافدين .هذا العلاج يقتضي بان يمنع المصاب من النوم لمدة خمسة ايام وذلك بضرب الطبول والوخز الشديد بالابر اذا ظهرت اعراض الدوار وخلال كل تلك الايام كان يسقى الحليب فقط الى ان يبدأ التقيئ وبذلك يتخلص من سم الافعى). الواقع ان هذا العلاج كان قائما منذ عصور سحيقة ربما ما كان يعرف بطب (ابن سينا). (ماري تيريز اسمر) اطلق والديها عليها لقب (حمامة الصحراء) اقتداء بـ (سميراميس) الملكة الاشورية التي ملكت القلوب فتقول: (نتيجة انزوائي وحبي للأنفراد اسماني والدي " بيجميل بيريbéchamel biri" اي ابنة "الصحراء" حيث تعرف به اليمامة او القمرية والتي تقول عنها الاسطورة البابلية الكلدانية "الشرقية" انها عندما تفقد فراخها تطير الى الصحراء وتبقى تنتحبهم الى ان تموت كمدا من النواح والعزلة). في زمن معثمن حتى الرجال في العراق كانوا في امية مطبقة اما المرأة فقد كانت جارية للرجل الا ان (ماري تيريز اسمر) المرأة المتحدية طالبت فتح مدرسة للفتيات فتقول: (في القرية الصغيرة التي يملك معظمها، والدي وجدت بحطام دير صحراوي غير بعيد عن اقامتنا. اخذت ما احتاج اليه وكما بالسابق بدات اقضي اوقاتي في الصلآة والتامل ووقتا لكتابة وتاليف الكتب الدينية وبعد حين عزمت تاسيس مؤسسة تعليمية للنساء واتفقت مع صديقتان لي واحدة من بين النهرين والاخرى من بلاد فارس. ان عدم المساواة بين الجنسين يثير حفيظتي، وجدت النساء المسيحيات يعاملن معاملة الرقيق والعبيد، وعيهن لم ينبت او يثمر استولى عليهن الجهل، حيث كان الرجال يتمتعمون ما يتاح لهم من التعليم لذا صممت العمل جهدي ومن قوة تثقيف بنات جنسي...واحدة من بنات عمي قررت ان تدرسهن الكردية والفارسية والكلدانية، وكانت هناك سيدة اعرفها على قدر كبير من الحصافة والثقافة تطوعت معنا وكذلك عدد لا يستهان بهن من النساء جذبهن معهدنا الذي لم نهمل اي مادة تدريسة و انضمت معنا الكثير من النساء من الطبقات العليا فقدمن بالخدمة دون حساب للخلفيات الاجتماعية وقبلنا الفتيات الفقيرات ايضا). تصوروا عائلة (ماري تيريز اسمر) فيهن من يستطعن تدريس الكردية والفارسية والكلدانية كتابة.
لان (ماري تيريز اسمر) اميرة فقد كان بوسعها زيار اخت الباشا حاكم مدينة الموصل فتصف الترف العثماني كما تدعوه حيث العديد من الجواري الارقاء اللواتي جلبن من كردستان وغيرها من البلدان، وتصف جمال وحسن ادب المرأةالكردية وتشير الى النساء من جورجيا والقفقاس واليونان، وعن العسف الذي يلاقينه، ثم محاورتها مع اخت الباشا لغرض زرع المحبة والتسامح في نفسها ونبذ البغض والتعجرف. تصوروا نبل هذه الفتاة (ماري تيريز اسمر) ومحاولاتها نشر المحبة في زمن كان العنف بل القتل والسبي سائدا على العراق المعثمن. بعد حين رحلت (ماري تيريز اسمر) الى لبنان وبدبلوماسيتها كاميرة غدت المرافقة للأميرة اللبنانية الشهابية الدرزية فسكنت في القصر الشهابي قصر بيت الدين. وفي كتاباتها اشادت بكرم ونبل الدروز. وكانت تقيم ليالي السمر منها هي والاميرة الشهابية اديا مسرحية تذكر كيف احد الايام قررت الاميرة الشهابية بالتعاون مع (ماري تيريز اسمر) ان تقدما حفلة تمثيلية لنساء قصر بيت الدين عن (بلقيس) الاميرة الفاتنة و (الملك سليمان) وخلالها اوصت الاميرة الشهابية حرس القصر عدم الاستجابة عندما يسمعون صراخ الانفعالات من المسرحية في قصر الحريم، ما كتبته (ماري تيريز اسمر) ابنة لعراق الاصيلة كان مدونة تاريخية فريدة في زمن مغلق لم يسجله احد غير الرحالة الاوربيون لكن تسجيلاتهم لم تكن فيما يجري في دور الحريم او المرأة بشكل خاص اذ تصف الطعام والملابس وطرق البناء والادوات المنزلية والعادات الاجتماعية، ثم تحدثنا عن الطقوس الاسلامية والمسيحية. وتتحدث بأسهاب عن البدو واليزيدية والاكراد والعرب والكلدان والسريان. وعن الحياة تصف صيف بغداد والنوم فوق السطوح وهي العادة العراقية القائمة من ازمنة سحيقة بيد ان ما كتبته كان بيوت الاعيان والعائلات الاقطاعية فتقول: (شدة حرارة الجو تدفع الناس في منتصف النهار حيث الأشعة تكون في اوجها الى الاحتماء وقضاء اوقاتهم في السرداب وهو جزء من البيت يبني تحت الارض والذي نسبيا يبقى بارد وارضيته ترش بالماء، وبالاستعانة بمراوح كبيرة تعلق في السقف تتحرك للآمام والخلف فيتحرك الهواء ويديرها العبيد، ويبقى الناس حتى المغرب حيث يصعدون الى السطوح للتمتع بالنسمات العذبة). في الصيف العراقي الحار تصل فيه درجة الحرارة 120 فهرنهايت. البغدايات يبللن ملابسهن الحريرية بالماء البارد وتبقى مبللة ملتصقة باجسامهن ثم يستلقين على اسرة مصنوعة من سعف النخيل. او يلبسن (الشيميز اي القميص) والبابوج دون جوارب وفي الليل ينامون على السطوح والاطفال والخدم لهم سطوحهم المنفصلة.
(ماري تيريز اسمر) سجلت الكثير من نواحي الحياة البغدادية منها مدونات غير الذي تحدثت عنه (ماري تيريز اسمر) عن ملابس المرأة تقول: (نساء بغداد يلبسن غطاء راس خاص بهن وهو ازار اسود وابيض او حجاب منسوج في الموصل من الحرير والممزوج بالقطن ويسمى "الموسلين" الذي يعود اصلا الى الموصل وينزل من الراس مغطيا القدمين وبه بعض الشبة بغطاء الراس الاسباني ( المانتيلا) مع عصابة تدور حول الراس من شعر الخيول تغطي الوجه تماما لتمنع معرفة شخصية مرتديتها وبطراز شرقي (نهريني) تمنح المرأة الحرية لتملك الاستطلاع وترضي فضولها. خارج المنزل من الصعوبة معرفة منزلة المرأة مما ترتديه اذ ان الغنيات والفقيرات يلبسن الملابس الرصينة وغير زاهية الالوان والمتواضعة.
خلف الابواب المسألة تختلف تماما لأن ملابسهن من الحرير الطبيعي الغالي الثمن، يتحلين بمصوغات من الذهب واللؤلؤ والمجوهرات الغالية الاثمان ترتديها النساء باسراف وسخاء مترف حتى انهن اكثر اناقة من التركيات العثمانيات). (ماري تيريز اسمر) تثير الخيال اذ تتحدث عن الطارمات والبلكونات والحدائق والحمامات العامة وعن (النومي حلو البغدادي) الذي تصفه الى الاوربيين. كما تصف الطرق الصحراوية والنهرية. تتحدث (ماري تيريز اسمر) عن عادت اهل الرافدين منها تدخين الاركيلة. لكنها تستصغر المرأة الاوربية لانها لم تعتد التبغ والتدخين في حين ان بنات الرافدين يعتبرن الاركيلة وشرب القهوة من متطلبات حياتهن اليومية ويشربنها بدون سكر او حليب وتستلذ بطعم القهوة وتوحي للقارئ بطيب مذاقها. الغريب ان (ماري تيريز اسمر) تستصغر المرأة الاوربية في عدم (النركلة) لان (النركيلة) كانت متوفرة للنساء المترفات في قصور الحريم. تصف اعراس البدو والفلاحين واهل المدن بمختلف قومياتهم. تقول ان المرأة تعامل كعبدة مملوكة يجب ان يتغير هذا الوضع ولن تتقدم المرأة الا بالدراسة والتحصيل والسعى لأيجاد مدرسة للفتيات. تتحدث عن مواسم الحصاد في الموصل ودرس الحبوب وتحضيرالطعام وانواع الخبز، فتذكر كيف ان (خبز الرقاق) المبنكر في الموصل قد يصل قطره الى اكثر من 60 سنتمترا ورقته لا تضاهى النوع الآخر من الخبز المعجون بالدهن والذي سمك رغيفه اكثر من سنتمترين ونصف وربما تعني (القغص) الموصلية. تستمر(ماري تيريز اسمر) في حديثها لتصف ادوات المنزل البسيطة منها (اللكن) و (الطاسات) حتى (الفنجان). وتحدثت عن التاريخ القديم لوادي الرافدين، عن برج بابل ونينوى، باعتزاز وفخار. كما تذكر ايام الضيق وانتشار الاوبئة، وتذكر بألم بعض التحيز الديني ضد المسيحيين وضد غيرهم، وكذلك التحيز الطائفي ضد الشيعة.
(ماري تيريز اسمر) تحدثنا عن حالة مأساوية وهي في طريق صحراء فتقول (في يوم ونحن في احدى الرحلات نركب الخيول مع والدي واخوتي وكانت برفقنا صديقتي الجميلة "مريم" التي اودها كاختي، كنا على مسافة مسيرة ثلاث ساعات من الموصل بالقرب من قرية "قرقوش" حينما خرج علينا ما يقرب من الخمسين فارسا من البدو المسلحين واحاطونا. والدي واخي كانا مسلحين ولكن من الجنون محاولة استعمال القوة مع هولاء الذين سيستطيون بسهولة تدميرنا. شيخ هولاء البدو لم يجابهنا بالعنف بل اصابته صعقة حب ووقع في هوى "مريم" واصر على اخذها! تحاججنا معه لكن توسلاتنا لم تثمر، وبكمد وغم شاهدت رفيقة صباي تنتزعها مني عصابة من قطاع الطرق وبلمح البصر اختفوا كلهم ولم نتمكن من اعادة مريم لسرعة خيولهم العربية الاصلية التي كانت كالبرق مما كان من الصعب اللحاق بهم. كانت مريم قد جاءت لقضاء بعض الوقت معنا، لذا لم يعرف والديهاالخطر الذي وقعت فيه ابنتهم الحبيبة وبما اننا كنا نبذل الجهد من اجل استعادتها لذا لم نخبر اهلها بما وقع لنجنيبهم الالم. والدي اجرى تحرياته في كل الاتجاهات ونجح بالتعرف على مضارب العرب الذين طلبوا ان تدفع عنها فدية عالية لتعويضهم عن غنيمتهم المبلغ الذي طلبوه كان ما يعادل 600 باون انكليزي! والدي كا ن سعيدا بدفع الفدية وحالا بعد ذلك اجتمع شملي بصديقتي الحبيبة مرة اخرى). وبحكم اتصالات (ماري تيريز اسمر) بالطبقات الحاكمة وذوات الثراء تحدثت عن الأزياء فقالت (ترتدي زوجة الباشا قميص من الحرير الابيض السميهي الرقيق الفاخر، فوقه قمباز من الحرير الابيض المطرز بورد من الذهب وسروالها بلون قرمزي. حول خصرها حزام مشبك على شكل شريط مطرز، الذي يستغرق تطريزه الوقت الكثير. وكان الحزام المشبك محلى بقطع من الاحجار الكريمة وبه مشبك من الذهب مصاغ عليه حمامتان رأس كل منها محلا بالجواهر). ثم تظيف (على ذراعها ترتدي صفوف من الاساوراللؤلؤية والماسية وكردانتها من الذهب المحلاة بأنواع من الاحجار الكريمة الثمينة. تتدلى من اذنها اقراط باهرة الالوان، وارجوالا يغمى عليكن اخواتي الاوربيات، إذ ان في انفها ثقب مثبت فيه زمردة! شعرها ممشط الى الخلف من جبينها مرتب بضفائر صغيرة محلاة بسلاسل من اللؤلؤ، وكل ضفيرة مقسمة الى ثلاث او اربع فروع وفي نهاية كل واحدة حبة من اللؤلؤ، وهنالك ضفيرتان محليتان باللؤلؤ تجملان خديها. على رأسها زخارف من الذهب على شكل صحن صغير، وهي طرة للرأس من الماس على شكل طير، اكملت بها زينتها) انه دون شك ما يمثل قصور الحريم في عصر المماليك والذي كان سائدا في العراق آنذاك وهو امتداد للفتوح الاولى.
مقالتي هذه عن (ماري تيريز اسمر) اعتمدت على ماكتبته (امل بورتر) عنها و (امل بورتر) طليعية عراقية المنشأ فهي من اب انكليزي وام مسيحية عراقية وما زالت تشم رائحة دروب بغداد العطرة، (امل بورتر) عاشت العهد الملكي ثم ثورة تموز تقول (بثورة تموز شعر الجميع بان شعاعاً من التقدم والامل والبهجة سيغمر البلد برمته وكنت واحدة من الذين تمنوا وامنوا بان الحياة ستكون ارحب وافضل،الا ان الامور كانت اكثر تعقيدا من امنياتنا ونياتنا، ولم تسر الحياة بما كنا نطمح له، تركت العراق عام 1960 وانا اجر خيبتي، وعدت عام 1964 وانا اجر خلفي خيبة اكبر). ثم تظيف (قابلت الزعيم عبد الكريم قاسم اكثر من مرة بصفتي عضو الهيئة الادارية لاتحاد الطلبة وكنا مجموعة من الطلبة من ضمنهم مهدي الحافظ والدكتور رحيم عجينة اذ كان قد افرج عنه وعاد لمواصلة دراسة الطب وغيرهم من اعضاء اللجنة، واتذكر تفاصيل اللقاء وكلام كريم قاسم وبساطته وخلقه العالي، واهتمامه بطلباتنا ووعده بتنفيذها)، ولخيبتها قررت السفر، وقالت (وانا في الغربة جرت جريمة اغتيال عبد الكريم قاسم واغتيال العراق كله، كانت مرعبة بالنسبة لي، برغم تحفظي على الكثير مما جرى ايام حكمه)، ثم مالبثت ان رجعت (امل بورتر) الى العراق حيث عاصرت العصر الصدامي وكانت تعمل في المتحف العراقي، تقول عن القلادة السومرية التي اهداها ملك اور الى الكاهنة الكبرى (ابا بشتي) في (معبد اي انا) المحفوظة في المتحف. في يوم يوم اسود قرر القصر الجمهوري استعارة القلادة لتزيين عنق زوجة صدام، (امل بورتر) تقول (أخرجت القلادة وسلمتها لرجل من القصر الجمهوري، وكانت طعنة من الطعنات التي توالت علينا من تلك العصابة الاجرامية). (امل بورتر) عرفت العالم بالانكليزية بالاميرة العراقية (ماري تيريز اسمر) على بطولاتها كرائدة عراقية مجهولة وعلى كتابها في زمن انكرها المؤرخون العراقيون. ونساها العالم، (امل بورتر) تقول عن (ماري تيريز اسمر) مايلي (وربما انني اول من استولت علي ماري اسمر لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ، كانت معي ليل نهار، طوال تلك المدة لم اكتب ولم اعمل بالشكل الـذي اعمل به عادة ، فلقد تفرغت لها كليا، احيانا اشعر بان تفرغي كان قسرا فلقد فرضت نفسها علي وجعلتني اعيش حياتها دقيقة بدقيقة كما كتبتها هي، واتعاطف معها رغم انني اعيش عصراً اخر غير عصرها، إذ أن مقاييس عصري ومفاهيمه تختلف عن عصرها ومفاهيمها).
الحديث عن (ماري تيريز اسمر) وما صدر منها حديث سرمدي وهي الفتاة التي نشأت في الموصل وبغداد في عهود جامدة ثقافيا رغم كونها فتاة تعيش في عصر فيه الفتيات مشرنقات في بيوتهن. (ماري تيريز اسمر) تحدت ذاك العهد كامرأة، وصلت أقاصي البلاد اجادت الانكيزية ودبجت كتابا بالانكليزية.
كانت رسالة (ماري تيريز اسمر) مندثرة حتى جائت الالمعية العراقية الاخرى (امل بورتر) فازاحت عنها الرماد. (ماري تيريز اسمر) بجرأتها ولجت (حريم) قصور (باشوات) و (بيكات) ذاك العهد التي لن يصلها الا الاميرات كـ (ماري تيريز اسمر) والمهم انها حدثتنا عن (الجواري) و (العبيد) التي كانت سمة ذاك العصر،. والواقع ان امتلاك العبيد استمر في البصرة حتى العهد الذي كنت في الابتدائية فكان لآل (طالب النقيب) و (السعدون) وغيرهم عبيدا يخدمونهم لكن الفارق ان ابناء العبيد اخذوا يدرسون في المدارس فتحرروا وكانت ممارسة الاسترقاق قائمة في السعودية والكويت والجزيرة العربية حتى ما قبل النفط رغم فقر تلك الاقطار حتى حل (النفط) فانفلت العبيد من اسارهم الذي استمر اكثر من عشرة قرون. ذكرت (ماري تيريز اسمر) احد البسة النساء (الايزار) وهو نوع من اللباس الذي يستعيض عن العباءة لكنه مصنوع من القماش الثقيل العالي الثمن المطعم بالديباج اتذكر ان والدتي كانت ترتديه عند الذهاب الى الكنيسة ايام الاحد وكانت ترديه المسيحيات واليهوديات ولكنه سرعان ما اختفى، ثم اخذت والدتي ترتدي العباءة ثم سرعان مانبذتها وبقيت العباءة سائدة بين المسيحيات واليهوديات لكنها سرعان ما اختفت وزالت عنهن. يطول الحديث عن (ماري تيريز اسمر) اذ كانت من الجرأة وهي التي عاشت العصر العثماني المظلم ان تقطع الفيافي والبحار لتصل اوربا والعمل بالتدريس للعيش، ومن ذلك تدريس العربية لاحد البارونات الفرنسين. وفي انكلترا تمتعت بحماية الملكة فكتوريا. رحلاتها وكتاباتها اسطورة بابلية حيث استطاعت بحكم كونها اميرة بابلية ان تسجل عصرا كان العراق فيه يعيش عصر (المماليك) والجواري والخصيان لتجد نفسها تصل اوربا التي كانت تعيش العصر (الفكتوري) الذي كا يمثل عصر انطلاقات ما بعد (النهضة الاوربية) عصر البخار الذي ابطل السفن الشراعية فحلت المكائن والقطارات وغيرها من انطلاقات تقنية في وقت كان العثمانيون يغرقون في عصور التكايا والدروشة. (ماري تيريز اسمر) اسطورة بابلية لن تعود. كتب عنها كاتب لبناني في الثلاثينيات بشكل مختصر، انكرها المؤرخون العراقيون، ربما اجد لهم اعتذارا لان سيرة (ماري تيريز اسمر) كانت طي الكتمان حتى جائت الرائدة العراقية في التاريخ (امل بورتر) فاحيتها. آمل ان تقيم الجمعية الكندية الآشورية ندوة في ذكراها العطرة.
توما شماني - تورونتو عضو اتحاد المؤرخين العرب