هذه المذكرة كتبتها عن اللقاء الأول بيني وبين سلفيا مارية كاسترو ونحن نركب نفس الباخرة التي أقلتنا من طريفة بإسبانيا إلى ميناء طنجة بالمغربية .
كانت الرحلة التي تستغرق خمسا وأربعين دقيقة كافية لتخلق تعارف ثم تآلف تطور إلى علاقة صداقة حميمة وكأننا كنا نعرف بعضنا منذ القديم، يوما واحدا قضيناه في جولة بمدينة طنجة أتاح فرصة ميلاد أخوة لم يقف اختلاف العقيدة واللغة والجنسية حائلا بين التواصل والتعارف وخلق أواصر محبة ووشائج أخوية بيننا ،
دعوتها لاستضافتها في المغرب ببيتي ودعتني لاستضافتي في بلدها كندا ومدينتها مونتريال، وفي العاشرة مساءا أوصلتها وابنها إلى الميناء لتعود ألى إسبانيا لأنها عائدة في الغد إلى كندا
بقي التواصل بيننا قائما حتى الآن، ستزورني في نهاية شهر فبراير 2016 م لتزور مدن المغرب وستقيم معي في بيتي لتتعرف علينا وعلى عاداتنا وتقاليدنا، ونزور إن شاء الله عددا من المدن المغربية، ووعدتها بزيارة كندا للتعرف على من نعرف لأن لي فيها أصدقاء وأنساب
إهداء إلى:
Sylvia Mari Castro
صحت مبكرة كعادتها بعد الصلاة تناولت فنجان قهوتها ثم تفقدت حقيبة السفر و اطمأنت على أن بها كل حاجياتها لبست ثيابها ودست البيجاما في الحقيبة وأغلقتها، صحا حفيدها مبكرا على غير عادته، وأصر على أن يرافقها حتى أول الطريق، لم تنس أن تؤكد عليه التعليمات التي يجب عليه أن يتبعها في ترتيب البيت وملابسه والمطبخ ، ثم أخذت الحقيبة وخرجت فأقفل الباب ووضع مفتاحه في جيبه ونزلا معا وركبا السيارة وهي تلح عليه أن يستريح في بيته وهو يصر على مرافقتها حتي بداية الطريق الموصل للطريق السيارة
كانت تحاول ضبط نفسها وهي تلاحظ إصراره على مرافقتها لأنه سيبقى وحيدا في البيت دون أنيس أو ونيس، في بلد غريب عنه لا يعرف فيه أحدا، فكانت تؤكد عليه وصية أبيه الاهتمام بدراسته والتفوق فيها، ما أن بلغت بداية الطريق حتى أوقفت السيارة لينزل منها، ارتمى في حضنها فعانقته وهي تؤكد عليه :
"أنت اليوم أصبحت رجلا يمكنك الاعتماد على نفسك ."
فتح الباب ونزل وانتظرته حتى عبر الطريق الواسعة وانحدر عائدا إلى بيته، فانطلقت بالسيارة وقد سال دمعها وحال بينها وبين رؤية اللوحات المرفوعة التي توضح أسماء الأماكن والاتجاهات المختلفة . استعاذت بالله ومسحت عينيها وركزت الرؤية حتى لا يختلط عليها الأمر فتسلك طريقا آخر ,
بدأت أولى اللوحات المعلقة تشير إلى مختلف الاتجاهات ركزت على الاتجاه المؤدي لطري مولينوس على الطريق السيارة الدولي، تابعة كل إشارة لتحويل الطريق حتى دخلت ممر الطريق المؤدى عنه لأنه أقرب مسافة من الطريق الساحلي، التزمت أقصى اليسار لا تقف إلا في محطات الأداء . على الحجز بين المقعدين نثرت عملة الأورو بمختلف قيمتها من السنتيم حتى الخمسة أورو فسهلت عليها عملية الأداء، ما أن يبدو لها الشباك حتى تحسب كم ستدفع حتى إذا وصلت إلى الشباك يكون بيدها المقدار بالتمام و الكمال .
تبدو لها الطريق أحيانا ما تزال طويلة فتسرع بالسيارة حتى يصل عداد السرعة إلى مئة وخمسين كيلو فتخفض السرعة، لا يتوقف لسانها عن الدعاء والاستغفار تستأنس به وتستعين، حتى دخلت مدخل الجزيرة الخضراء فهدّأت من السرعة ولزمت اتباع الطريق المؤدية إلى الميناء .
بعد عبور المدخل الطويل المؤدي إلى رصيف الميناء اندهشت واتسعت حدقتا عينيها من الاستغراب تساءلت :
" ما هذه الأعداد الهائلة من السيارات التي يكتض بها المكان ؟ لوحات أرقامها مغربية، لم تفهم سبب وجودها، العطلة الصيفية انتهت من شهر تقريبا، والتلاميذ انتظموا في دروسهم ، واختارت أن تعود في يوم أحد عطلة نهاية الأسبوع عادة يقضوها الناس في بيوتهم أو في الغابات .
ظلت واقفة بالسيارة لساعات قبل أن يفتحوا الولوج لمصلحة الجوازات والشرطة والجمارك ومن ثم إلى ركوب الباخرة، اغتنمت فرصة أن رأت مغربيا يشتغل في تنظيم العبور فسألته عن هذه الحشود الغريبة فأخبرها أن جل المغاربة استغلوا عطلة عيد الأضحى ونهاية الأسبوع فخرجوا إلى إسبانيا لقضائها فماعاد الكثير من الناس يشغلون بالهم بالعيد والأضحية، قالت في نفسها :
"ليتني بقيت في مالقة حتى يوم الاثنين "
تعبت من الجلوس بالسيارة والتحرك من حين لآخر، ما ان وصلت إلى الباخرة حتى كان التعب والضيق قد نالا منها كثيرا ركنت السيارة وصعدت إلى الطابق الأول، فوجئت بالعدد الهائل من الناس بقفون صفا طويلا لطبع تأشيرة الدخول في جوازاتهم ، وقفت تنتظر أمامها أجانب يتحدثون الفرنسية، ظلت لأكثر من نصف ساعة في الزحف خطوة بعد خطوة، كلت قدماها وصي واقفة ماأن وصلت إلى منعرج حول ثلاثة درجات حتى غادرت الصفوجلت على أول درج .
نظرت إليها السيدة الأجنبية وقالت لها :
" استريحي عندما نصل شباك الشرطة سأنادي عليك "
قالت لها بصوت ضعيف :
"مرسي"
بدأت تحس أنها تفقد القدرة على الجلوس، عطش شديد بحلقها، تريد أن تتمدد لكن أين ؟ الدرج صغير المارة لا يتوقفون عن المرور، عين السيدة الأجنبية عليها لا تفارقها، أسندت رأسها على الدرابزين الحديدي فأسرعت إليها السيدة وأمسكت بيدها وقالت لها :
" تعالي اجلسي على المقعد وصحبتها بلطف حتى جلست على مقعد مقابل لشباك الشرطة، شكرتها كثيرا ثم أغمضت عينيها لترتاح تتساءل : أأقضي الليلة بطنجة ثم أذهب صباحا إلى الرباط ، أم أذهب مباشرة ؟؟
جاءت السيدة تسأل عن حالها وجلست إلى جا نبها قائلة :
" ما يزال الصف طويلا أنا أيضا تعبت، سأرتاح قليلا بجانبك هل تحتاجين شيئا أحضره لك ؟ "
قالت :" لا شكرا أريد فقط أن أستريح "
السيدة :" أتعانين من السكري ؟ تبدو عليك أعراضه "
قالت :" نعم تعبت هذه الأيام، ثم قطعت المسافة من مالقة حتى الجزيرة أسوق وحيدة وحالتي النفسية ليست على ما يرام، ثم وقفت كثيرا بالسيارة حتى كدت أختنق"
سألتها السيدة :
هل أنت من مالقة ؟؟"
قالت : لا أنا رافقت حفيدي الذي سيقيم فيها لأنه التحق بجامعتها هذه السنة، تركته وحده وهذا ما أثر علي أكثر "
السيدة :" أنا من مالقة واسمي Silvia Maria إسبانية من مالقة لكني تزوجت من كندي وأعيش في كندا مع ابني هذا الذي يرافقني "
فقالت لها وأنا اسمي ثريا مغربية من الرباط أعيش في المغرب وأقيم بين سلا وطنجة وفي العطل إسبانيا "
وسار الحديث بينهما سجالا كل واحدة تعرف الأخرى ببلدها، فسألت السيدة عن طنجة التي سمعت بها كثيرا ولم ترها من قبل وأخبرتها أنها جاءت اليوم لتقضي يوما واحدا بهذه المدينة لتتعرف عليها .
تطور الحديث بينما وسرت سيلفيا عندما دعتها لقضاء أيام بها في ضيافتها واعتذرت بأنها مضطرة للعودة إلى مالقة في العاشرة مساءا لأنها في الغد سـتأخذ الطائرة للعودة إلى كندا .
تبادلتا الحديث بينهما وكأنهما كانتا متعارفتان من قبل ونشأت بينهما في ظرف دقائق معدودات ألفة، فاقترحت عليها أن تستضيفها هذا اليوم لتريها مدينة طنجة، خاصة والتنقل بالسيارة سيوفر الكثير من الوقت ومن أماكن الزيارة .
مر الوقت سريعا وجاء دورهما للوقوف أمام شباك الشرطي الذي كان ما أن يلقي نظرة على من أمامه حتى تسرع يمناه بوضع طابع الدخول فقد كان العدد كبيرا و الضابط يشتغل وحده . لذا اضطررنا أن نبقى ربع ساعة أخرى بعد رسو السفينة و لم تفتح أبوابها إلا بعد أن طبع آخر جواز سفر .
التحقوا جميعا بمرآب السيارة وركبوا، كانت معهم فتاة مغربية تعرفت هي أيضا بهما في الميناء ركب الجميع وبعد دقائق كانوا خارج الميناء، يبحثون عن مطعم ليأكلوا الكسكس المغربي بالخصوص .
كان الأمر صعبا بعد عيد الأضحى الذي تقفل فيه كل المطاعم، أخذتهم إلى الكورنيش الذي لا بد أن تجد به بعض المطاعم الشعبية، من حسن الحظ وجدوا فيه ضالتهم، تركتهم للغذاء وذهبت إلى بيتها لتحط رحالها وتستحم وتصلي وتفتح شرفة شقتها ليتجدد هواءَها، في الساعة الثانية ظهرا كانت تقف بباب المطعم، وجدتهم انتهوا فقاموا جميعا .
أوصلتهم مع رفيقتهم المغربية إلى المدينة القديمة ليقوموا بجولة فيها وجلست على مقهى في انتظار عودتهم، لم يمكثوا إلا ساعة وعادوا فأوصلوها إلى محطة القطار لأنها عائدة إلى أسرتها بالدار البيضاء .
ثم انطلقت بهم في جولة في الجبل ثم عادت بهم إلى الجانب الأخر من طنجة المطل على إسبانيا والبحر المتوسط ونزلوا بمقهى " منارة بارك " . كانوا مشدوهين بالمناظر الخلابة وقد امتد البحر أمامهم وتراءت إسبانيا على يمينهم و طنجة على يسارهم، التقطوا صورا كثيرة وجلسوا يأكلون الحلويات والشاي المغربي ويتحدثون عن المغرب وكندا وإسبانيا، فقالت لهم انتظروا بعد قليل سترون منظرا لم تروه في حياتكم على الطبيعة، منظر الغروب .
قالت سلفيا :" وما فيه هنا في المغرب غير موجود في العالم "؟
قالت ثريا : " الغروب في المغرب له طعم خاص ومتعة منفردة، انتظروا قليلا و ستتمتعون بأحلى غروب للشمس وهي تنغمس في المحيط وتختفي وراء مياهه تاركة حمرتها على الأفق "
أخذهم الحديث ثلاثتهم من موضوع لآخر وكأنهم أصدقاء من زمان، وحدثت الألفة فحكوا كثيرا، وفرحت سيلفيا عندما حدثتها باللغة الإسبانية وعلمت أن أحفادها ثلاثتهم يدرسون في المدرسة الإسبانية بالمغرب .
ما أن مالت الشمس للغروب حتى وقفت وابنها يلتقطون الصور للشمس وهي تجنح للغروب والسقوط في مياه المحيط يطلقان آيات إعجابهم برؤيتها، مأخوذين بروعة المنظر .
عادت بهما إلى شقتها بإقامة ماربيل بمحج محمد السادس وتفاجآ بشرفة مالباطة وقد بدا ميناء طنجة والبحر المحيط عند نقطة التقائه بالبحر الأبيض المتوسط .
أرسلت طنجة أضواء مصابيحها الجميلة فانعكست على مياه البحر متلألئة بطول الساحل، وعجت الطريق بالسيارات والراجلين على طول الكورنيش الذي لا ينام رواده إلا مع تباشير الصباح .
كانت الساعة تشير إلى التاسعة مساءا عندما أخذتهما لتوصلهما إلى الميناء بعد أن تبادلتا أرقام الهواتف والبريد الإلكتروني واتفقتا على أن تأتي سيلفيا إلى المغرب في زيارة خاصة لتزور مدن الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس ومكناس وتطوان ليقضيا عطلة طويلة فقد أعجبهما المغرب وقبلا ضيافتها لهم في الرحلة المقبلة .
عند رصيف الميناء ودعت سيلفيا وابنها وقد ارتبطوا بعلاقة صداقة صافية جميلة وكأنهم كانوا يعرفون بعضهم البعض من زمان بعيد .
ليت كل الناس يرتبطون بمثل هذه الروابط الإنسانية، في كل أقاصي البلاد في سلم ومحبة وأخوة بلا حروب ولا نزاعات ولا أحقاد
من يومها والتواصل قائم بينهم على صفحات التواصل الإجتماعي وكل يوم يمر تقترب فرص اللقاء بسلفيا في نهاية شهر فبراير من السنة القادمة 2016 م
الكاتبة الدكتورة ثريا ليهي باحثة جامعية سبق ان تعرفت عليها في بيتي العنوان من شرفت بيتي وهو كتاب قيد النشر تدور احداثه بين شرفة بيت في مالقا الاسبانية
وشرفة بيت في طنجة المغربية
وهو عبارة عن حلقات هذه الحلقة التي ارسلتها هي في الباخرة عندما التقت البطلة ب سيلفيا الكندية من أصل إسباني وقضت معها يوما بطنجة وعادت في نفس اليوم الى اسبانيا