الأحد 24 يوليوز 2016 م
جلست على الكرسي الطويل، فنجان قهوتها بيدها اليسرى، مددت قدميها أمامها وأسندت ظهرها فامتد بصرها نحو الأفق، يتناهى إلى سمعها صوت ارتطام الموج على سيف البحر ورجوعه ليرتطم بأخيه الذي يتلوه في السباق نحو الشاطئ، حركة دائبة لا تعرف التوقف لا ليل ولا نهار، ولا الكلل ولا الملل، ولا التوقف ولا التغيير ولا الثورة على القيام بعمل روتيني لا يتوقف، من بدء الخليقة حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
يمتد بصرها نحو الأفق حيث يلتقي الماء بالسماء، فينعكس قرص الشمس المشع على وجه البحر راسما على الماء نصف دائرة متلألئة، صوت الموج يحدث في جسدها ارتخاءاً، تريد أن تغمض عينيها لتنام أو بالأحرى لتستسلم للنسيان . النسيان نعمة من النعم يتخلص بها الإنسان من آلام التذكر وأوجاعه، الزهايمر يعتبره الناس مرض الشيخوخة، هي تعتبره من رحمة الله بعباده، كل الأوجاع ــ النفسية طبعا ــ تتلاشى مع تلاشي التذكر، فلا ألم ولا تحسر ولا مرارة ولا حزن . يا الله أشياء كثيرة مريرة يتخلص منها الإنسان، حتى أبناؤه ينساهم لا يتذكرهم إلا إذا ألحوا عليه بالتذكير وإعادة شريط ذاكرته إلى أحداث بعينها فيتذكرهم سريعا ثم يعود فينساهم سريعا . أي نعمة من نعم الله علينا لا نعرف قدرها وميزتها حين نتمنى لو ننسى فلا ننسى، على العكس كلما طلبنا النسيان عاد النسيان تذكرا ممضا ليذكرنا بخيبتنا في كثير من الأمور والقرارات .
بدأ الشاطئ يمتلئ بالوافدين من المقيمين بفندق أرماس بيتش أوتيل :
ARMA.S BEACH /HOTEL، بقمر التي تبعد عن مركز مدينة أنطاليا بحوالي ستين كيلومترا .
يتنامى إلى سمعها وهي ترقن الكلمات على الحاسوب ارتفاع صوت الموج وقوته، ترفع نظرها لتجده علا وأزبد وهو يرتطم بحد البحر، ظاهرة غريبة لفتت نظرها، الموج يأتي من العمق هادئا يتلوى على ذاته حتى إذا وصل حد الأرض علا وارتطم بقوة على الرمال، في بلدها ومدينتها الرباط الموج في المحيط يأتي على العكس من وسط المحيط عاليا صاخبا يلتف حول نفسه في حركة دائرية حتى إذا قرب من الشط ضعف وامتد في هدوء متلاشيا في ضعف أوقفت الرقانة وأغلقت الحاسوب وراحت تتأمل السابحين .
نسيت آلامها النفسية الممضة وراحت تتأمل خلق الله باختلاف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم وجنسياتهم، كل مهتم بنفسه لا ينتبه للعالم الذي حوله . أمامها انحنت امرأة ببخاخ كريمة الوقاية من أشعة الشمس ترش ساقي زوجها وتدلكهما بيدها ليستوي، ويغطي ساقيه من القدم حتى أعلى الفخذين، وبيديه يعلي طرفي التبان حتى تظهر آخر عجيزته غير مبال بمن يجلسون أو يتمددون خلفه إن كانت قد بانت لهم عجيزته أم لا، تذكرت المرأة المسلمة العربية وهي تجلس أمام الطشت لتدلك قدمي زوجها مساءا عندما يعود إلى بيته بعد يوم طويل من التعب وشقاء العمل، وعجبت كيف يسخرون من عمل هم أنفسهم يقومون به وبما هو أنكى وأغرب .
وحدها تجلس بملابسها على الشط، الكل عراة أو شبه عراة، هم يعرضون أجسادهم لأشعة الشمس، وهي تحتمي بثيابها منها، تتذكر شواطئ المغرب، يجلس أغلب الناس ليراقبوا المصطافين، ذاك سمين وذاك نحيف، وهذا جسم ممشوق وذاك جسم مترهل، وهذا هزل حتى برزت عظامه، وذاك سمن حتى برزت كرشه، يحسبون كل المظاهر الشاذة والفدة، الغريب والعجيب، أما النساء فحدث ولا حرج ...